الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

محافظات

دراسة لـ"خفاجى": التعديلات الدستورية ضرورة قانونية وسياسية في حياة الدولة وانتخاب الرئيس لمدة 6 سنوات مرتين يتوافق مع المعايير الدولية

المستشار الدكتور
المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أكد المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة، في أحدث بحث علمي له، أن انتخاب رئيس الجمهورية لمدة ست سنوات مرتين يتوافق مع المعايير الدولية للدساتير، مشيرًا إلى أن الاستفتاء على التعديلات الدستورية يجعلها من صنع الشعب الذي يصيغ نظرية الوعى الاجتماعى.
وفي أحدث بحث علمي للفقيه المستشار محمد عبد الوهاب خفاجى بعنوان: (دراسة عن أهم التعديلات الدستورية: انعدام القيمة القانونية للنصوص الدستورية التي تحظر تعديل إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمساسها بإرادة الأمة، وجواز تعديلها في ضوء مقتضيات التطور وفقًا للدساتير الدولية، والتعديل المقترح مطابق للمعايير الدولية، واقتراح سلطة الرئيس في اختيار رؤساء القضاء بالتساوى مع الدستورية دون ترشيح من مجالسهم واجتياز اللياقة الصحية في ضوء التجارب الدستورية المقارنة وسلطة الرئيس في رئاسة المجلس الأعلى ضمانة لاستقلال القضاء. دراسة تحليلية في عمق الفكر الدستورى الحديث والتجربة الدستورية العالمية على مسرح الحياة الدولية وضرورة الحفاظ على الأمن القومى)، نعرض الجزء الثانى من تلك الدراسة الدستورية القومية في تاريخ بلادنا.
أولًا: انتخاب رئيس الجمهورية لمدة ست سنوات مرتين يتوافق مع المعايير الدولية للدساتير، وكيف كانت تقل مدة الرئيس عن مدة عضو البرلمان الذي يضع الخطة، وكيف كانت تتساوى مع مدة عضو المجلس المحلى رغم جلال منصب الرئيس.
يقول الدكتور محمد خفاجى إن نص الدستور الفقرة الأولى من المادة 140 من الدستور السارى إذ جعلت انتخاب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات مدة الرئيس ميلادية تبدأ من اليوم التالى لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة، قد وضعت في وقت سيطرت فيه الشعارات السياسية على مصلحة البلاد المعروفة في علم أثار الثورات، فليس من المعقول أن تكون مدة الرئيس أقل من مدة عضو مجلس النواب وهم الذين يقومون بإقرار السياسة العامة للدولة، وإقرار الموازنة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لينفذها الرئيس، وليس من المقبول أن تتساوى مدة الرئيس مع مدة عضو المجالس المحلية رغم جلال المنصب وخطورة ما يضطلع به للنهوض بالبلاد، وليس من المأمول أو المأمون حرمان الرئيس الذي حمل على اكتافه انقاذ البلاد من الفوضى من الترشيح كسائر المواطنين ولفترتين رئاسيتين قادمتين فقط كما يقضى – بحق - التعديل المقترح.
ثانيًا: النص المقترح بجواز رئيس الجمهورية الحالى للترشيح ليس تمييزًا بل تأكيدًا على أن القاعدة الدستورية لا تحرمه حق الترشيح وفقا للقواعد والظروف المستجدة:
يقول الدكتور محمد خفاجى إن المادة 140 فقرة أولى من التعديلات الدستورية المقترحة والتى تنص على إنه: " ينتخب رئيس الجمهورية لمدة ست سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالى لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز أن يتولى الرئاسة لأكثر من مدتين رئاسيتين متتاليتين " ونص المادة الانتقالية التي تنص على إنه: " يجوز لرئيس الجمهورية الحالى عقب انتهاء مدته الحالية إعادة ترشحه على النحو الوارد بالمادة 140 المعدلة من الدستور " موافقة للمعايير الدولية في الدساتير المقارنة لأنه قيد المدة بمدتين تاليتين قوام كل منها ست سنوات. ولم يتضمن حرمانًا للرئيس الحالى بممارسه حقه في الترشح طبقا للتعديل الدستورى، فهذا النص ليس تمييزًا بل تأكيدًا على أن القاعدة القانونية ومنها الدستورية لا ينبغى أن تتضمن حرمانًا للرئيس من حق الترشيح وفقا للقواعد والظروف المستجدة.
ثالثًا: الاستفتاء على التعديلات الدستورية يجعلها من صنع الشعب الذي يصيغ نظرية الوعى الاجتماعى:
يقول الدكتور محمد خفاجى لا ريب أن الاستفتاء بصفة عامة يمثل أهم مظاهر الديمقراطية سواء تعلق الأمر بوضع الدستور أو بتعديله، لأن الاستفتاء يجعل الدستور من صنع الشعب، وحتى يتحقق صنيع الشعب في تعديل دستور بلاده، يجب أن يسبق الاستفتاء الشعبى فترة وجيزة معقولة للتفاعل المجتمعى على النحو الذي نظمه مجلس النواب الموقر، ومثل هذا البحث الماثل وغيره من جهد فقهاء مصر المخلصين، تتاح فيه للجماهير والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني معرفة مقترحات الدستور من المتخصصين العلماء، خاصة وأن المغرضين المنتمين للجماعات الإرهابية أو التابعين لهم يصورون للناس ما ليس فيه علم لفكر وفقه القانون الدستورى، إننى اعتبر أن إيصال هذه المفاهيم الدستورية الصحيحة عن تعديل الدستور وعن انعدام قيمة النصوص التي تحظر التعديل الجزئى على نحو ما سوف يأتى بيانه من واقع التجارب الدستورية على مسرح الحياة الدولية، هي مرحلة هامة لصياغة الوعى الجماهيرى حتى يبدى المواطنون رأيهم عن فهم وإدراك لطبيعة التعديلات خاصة في المرحلة المهمة من تاريخ بلادنا التي تتعرض لها لخطر الإرهاب واستغلال الدين في السياسة لجماعات مارقة تتخذ من العنف سبيلًا للوصول للسلطة، ليحدد الشعب موقفه بوعى عن التعديلات الدستورية.
رابعًا: نص 2014 الذي يحظر إعادة انتخاب رئيس الجمهورية ليس له نظير في الدساتير العالمية لاحتوائه على الحظر الجزئى والإباحة المعلقة على شرط في قت واحد:
يقول الدكتور محمد خفاجى: إن نص الفقرة الأخيرة من المادة (226) من دستور 2014 التي حظرت إعادة انتخاب رئيس الجمهورية يعد من قبيل الحظر الموضوعى لتعديل الدستور على أحد النصوص الدستورية، والواقع أن هذا النص ليس له نظير في الدساتير العالمية لاحتوائه على الحظر الجزئى والإباحة المعلقة على شرط في قت واحد، وهما ليسا صنوان فلا يجتمعان، فالحظر الموضوعى الجزئى يجب أن يقتصر تعديل مادة إعادة انتخاب رئيس الجمهورية ولا ينقلب إلى إباحة بتعليقه على مزيد من الضمانات يفقد معها مقوماته، وبهذه المثابة فإن هذه المادة التي حظرت حظرًا موضوعيا جزئيا لمادة إعادة انتخاب رئيس الجمهورية مادة جمعت بين متناقضات.
خامسًا: الحظر الدستورى 2014 لتنظيم انتخاب رئيس الجمهورية يتعارض مع مقتضيات التطور ويتناقض مع سنن الحياة في التعديل:
يقول الدكتور محمد خفاجى أن نص المادة 226 من الدستور التي حظرت تعديل إعادة انتخاب رئيس الجمهورية يتجرد وفقًا للفكر الدستورى الحديث من أية قيمة قانونية أو سياسية، وعلى حد تعبير أحد الفقهاء الفرنسيين أن " حظر تعديل الدستور يعد عملًا غير مشروع، ولا يعدو أن يكون ذلك النص بالحظر قد ولد ميتًا، لأنه يحمل مجرد رغبات وأمانى لا تتمتع بالقوة الملزمة "، وتفصيل ذلك أن الدستور بحسبانه القانون الأساسى الأسمى والأعلى للدولة، فإن هذه الصفة تجعله قابلًا للتعديل والتبديل طبقًا لسنة التطور والحياة من النواحى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ومؤدى ذلك أن هذا الحظر الدستورى لمادة تنظيم انتخاب رئيس الجمهورية يتعارض مع مقتضيات التطور ويتناقض مع سنن الحياة في التعديل، والرأى عندى أن هذا الحظر الدستورى يعد جمودًا متطرفًا للدستور لأنه قد يؤدى إلى الثورة للخروج من هذا الحظر الأبدى، ومن هنا يبدو الشطط والتطرف في هذا الجمود.
سادسًا: إرادة الأمة تعلو فوق كل إرادة واللجنة التأسيسية ليس لها الحق في مصادرة إرادتها بأجيالها المتعاقبة:
يقول الدكتور محمد خفاجى: إن حظر تعديل إعادة انتخاب رئيس الجمهورية الواردة في الفقرة الأخيرة من المادة 226 من الدستور المرتبطة بالمادة 140 عن مدد الرئاسة، يتنافى مع مبدأ سيادة الأمة، لأن هذا الحظر يتضمن حرمان الأمة من ممارسة أهم عناصر سيادتها بالافتئات على حقها في إدخال ما تراه من تعديلات دستورية، فمثل هذا النص يعتبر لدى كثير من فقهاء علم القانون الدستورى باطلًا، لا يحظى بأية قيمة قانونية، إذ من حق الأمة المصرية إجراء ما تراه من التعديلات في الدستور، ولا يوهن في سلامة هذا النظر القول بأن هذا الحظر وقد وضعته اللجنة التأسيسية المعبرة عن إرادة الأمة بصفة مؤبدة ومطلقة، ذلك أن تعبير السلطة التأسيسية عن إرادة الأمة كان في وقت زمنى محدد يتمثل في زمن وضعه، وليس لها الحق في مصادرة إرادة الأمة في المستقبل بأجيالها المتعاقبة، فاللجنة التأسيسية التي وضعت الدستور ليس لها الحق في الادعاء بأنها أكثر سموًا من اللجنة التأسيسية اللاحقة لها، فكل جيل ليس له الحق في التعدى على حق الأجيال القادمة في التعديل والتبديل، فإرادة الأمة تعلو فوق كل إرادة.
ويضيف الدكتور محمد خفاجى إن اللجنة التأسيسية التي وضعت الدستور في وقت معين ليست أعلى من إرادة الأمة في وقت لاحق، ومن هنا ليس للسلطة الأولى أن تقيد الثانية، وللأمة إدخال ما تشاء من التعديلات على الدستور وفي أي وقت تشاء دون أن يمنعها من ذلك قيد من القيود طالما استند إلى رأى الشعب، ومما يدعم قولنا في انعدام القيمة القانونية للنصوص التي تحظر التعديل الجزئى للدستور ما قاله الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو، الذي ذهب إلى أن " ما يتنافى وطبيعة الأشياء أن تفرض الأمة على نفسها قوانين لا تستطيع أن تعدلها أو تلغيها، ولكن ما لا يتنافى وطبيعة الأشياء أن تلتزم الأمة بالشكليات الرسمية لإجراءات التعديل ذاته ".
سابعًا: الفقه الفرنسى يجرد النصوص التي تحظر التعديل الجزئى للدستور من كل قيمة قانونية:
يقول الدكتور محمد خفاجى إن تجريد النصوص التي تحظر التعديل الجزئى للدستور من كل قيمة قانونية ليس بدعًا من القول، وإنما يستند إلى وثيقة إعلان حقوق الإنسان والمواطن عام 1789، والتى نصت على أن أى شعب له الحق في أن يراجع ويعدل دستوره، وأن أى جيل لا يستطيع أن يُخضع الأجيال المستقبلية لقوانينه، كما نادي به كذلك الفقيه الفرنسى جوليان لافاريير Laferriere Julien في مؤلفه عن Manuel de Droit Constitutionnel طبعة باريس 1947 الذي ذهب إلى بطلان النصوص التي تحظر تعديل الدساتير بصفة جزئية وجردها من كل قيمة قانونية، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حينما قال إن مثل تلك النصوص التي تحظر تعديل بعض مواد من الدستور هي تدابير تعبر عن مجرد رغبات بسيطة للتعبير السياسى، فهى لا تتمتع مطلقًا بأية قيمة قانونية وليس لها صفة الإلزام القانونى.
ويضيف الدكتور محمد خفاجى أن الفقيه الفرنسى Bernard Chantebout الذي تأثر به بعض من الفقهاء المصريين، ذهب إلى أن النصوص التي تحظر تعديل بعض النصوص الدستورية هي نصوص على الرغم من تمتعها بالقوة القانونية الملزمة إلا أنه يجوز تعديلها في أى وقت، والرأى عندى أن هذا الرأى فيه قدر من التناقض، إذ كيف يكون النص الدستورى بحظر التعديل ملزمًا ويكون في ذات الوقت من حق الأمة تعديله؟ وبمعنى أخر كيف يصف حظر التعديل بالمشروعية، ثم يجيز الخروج على هذه المشروعية بالتعديل الفعلى؟.
ويقول جانب أخر من الفقهاء متأثرا برأى الفقيه Buedeau أن النصوص التي تحظر التعديل الجزئى مشروعة وتتمتع بالقوة الملزمة، ولكن الرأى عندى أن النصوص التي تحظر تعديل الدستور سواء كان الحظر كليًا لكافة النصوص – وهو المجمع عليه ببطلانه - أو جزئيًا لبعض النصوص – وهو المختلف على صحته أو بطلانه - فإن الفارق بينهما يكمن درجة الحظر، لكن يجمعهما الحظر الأبدى الذي يكون بمثابة الحجر على إرادة الأمة في تعديل دستورها، ومصادرة صريحة وأبدية لإرادة الأجيال القادمة.
ثامنًا: التجارب الدستورية الدولية أثبتت أن النصوص التي تحظر التعديل الجزئى للدساتير لا تصمد أمام المتغيرات الدستورية التي تستلزمها الدولة في مصالحها العليا:
يقول الدكتور محمد خفاجى الرأى أن التجارب الدستورية في فرنسا ومصر أثبتت أن النصوص التي تحظر التعديل الجزئى لبعض أحكام الدستور لا تتمتع بأية قيمة مؤثرة على مسرح الحياة السياسية، بل وغير قادرة على الصمود أمام المتغيرات الدستورية التي تستلزمها الدولة في مصالحها العليا، ففي فرنسا نجد أن الدستور الفرنسى الصادر عام 1791 تضمن حظر تعديل الدستور في جميع مواده وهو ما يسمى الحظر الكلى لمدة أربع سنوات، ومع ذلك تم تغييره بعد مرور سنتين فقط بصدور الدستورى الفرنسى عام 1793، وفي مصر فإن الدستور المصري عام 1930 نص على حظر المساس به خلال عشر سنوات، ومع ذلك فقد تمت الإطاحة بهذا الدستور بعد مرور أربعة أعوام فقط، وقام نسيم باشا بتقديم اقتراح للملك فؤاد إما بعودة دستور 1923 وإما بدعوة جمعية وطنية لإعداد دستور جديد، إلا أن الملك فؤاد أصدر الأمر الملكى رقم 67 في نوفمبر 1934 بإبطال العمل بدستور 1930، أعقبه إصداره لأمر ملكى آخر في 12 ديسمبر 1935 بعودة دستور 1923. وهكذا نرى أن التطبيقات والتجارب الدستورية في فرنسا ومصر تنطق بأن النصوص التي تحظر بعض مواد الدستور هي نصوص تتصف بالجمود ومن ثم تفقد قيمتها، وأثرها من الناحيتين العملية والسياسية.
وغدًا نعرض الجزء الثالث من هذه الدراسة الفقهية العلمية في الفكر الدستورى الحديث.