الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القديس يوحنا دون بوسكو.. "أعطنى النفوس وخذ الباقي"

صورة تعبرية
صورة تعبرية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عند نهاية حياته قال: «كل ما أنجزته من صنع السيدة العذراء مريم».
ولد يوحنا دون بوسكو فى ضيعة «بيكي» بالقرب من مدينـة تورينو بإيطاليا، فى 16 أغسطس عام 1815، كان يتيم الأب منذ ولادته، فربته أمه على التقوى ومخافة الله مبكرًا، ولما بلغ التاسعة من عمره أدرك من خلال حلم، أن الله يدعوه إلى الاهتمام بالشباب، فاستعد لرسالتـه التى رآها بمنامه باكتساب العلم، غير أن فقر العائلة أجبره على العمل ليتابع دروسه وتعليمه، فاحترف العديد من الحرف والصنعات، والتى استخدمها فيما بعد فى سبيـل خدمـة الشباب التى وهب نفسه لها.
سيم يوحنا كاهنًا فى 5 يونيو عام 1841، وفى 8 ديسمبر من ذات العام، أى فى عيد الحبل بلا دنس بالرهبنة الساليزيانية، استقبل أول صبى مشرد فى مسيرة خدمته، وسرعان ما بلغ عدد الصبيان الذين استقبلهم بوسكو إلى أربعمائة صبي.
وبعد بضع سنوات أسس جمعية رهبانية مكرسة تكريسًا كاملاً للعمل فى سبيل الشباب وسماها «الجمعية السالسية» نسبة إلى شفيعها القديس فرنسيس دى سالس، أسقف جنيف المشهور بالحنان والوداعـة حينها.
كما أسس للهدف نفسه وبالاشتراك مع القديسة ماريا مازاريـللو «إحدى راهبات مريم أم المعونة» المعروفات براهبات السالزيان، فنمت الرهبنتان وانتشرتا انتشارًا سريعًا حتى انطلقتا عام 1875 إلى أمريكا الجنوبية.
ولم يقف القديس فى خدمته على الرهبان والراهبات فقط، فقد فكر أيضا فى ضم العلمانيين إلى رسالته، ليدفعه ذلك إلى تأسيس جمعية «المعاونين السالزيان» وهم علمانيون ملتزمون بخدمات مختلفة فى سبيل الشباب، وجاء ذلك فى عام 1876.
وفى 31 يناير عام 1888، توفى فى مدينة تورينو الإيطالية، محفوفا بالأسى والتقدير، وكان قد فتح لشباب العالم آفاق الكرامة والثقة بأنفسهم والأمل والسعادة، معلما إياهم درب القداسة من خلال الفرح والعمـل المشرف.
واعترفت الكنيسة بقداسته رسميًا وأعلنته قديسًا عام 1934، بينما واصل أبناؤه من رهبان وراهبات ومعاونين انتشارهم فى شتى أنحاء العالم «حتى وصلت رسالته لحوالى 95 دولة بينها مصر» حيث تأقلموا وترسخوا، حاملين رسالته وحماسته وحبه للشباب.
روحانية دون بوسكو قائمة على شعاره «أعطنى النفوس وخذ الباقي»، فهى روحانية رسولية تهدف إلى الاقتداء بالسيد المسيح الراعى الصالح الذى يعرف خرافه ويبذل نفسه فى سبيلها، وكما كان المسيح علامة حب الآب، فكذلك كشف دون بوسكو للشباب مدى محبّة الله لهم من خلال خدمته، خدمة شاملة لا تضنى، حملت كلمات الكتاب المقدس التى كانت تقول «وعدتكم أن أكون لكم حتى الرمق الأخير».
وضع يوحنا دون بوسكو استنادا لخبرته، أسلوبا تربويا لتحقيق شعاره، أسماه «الأسلوب الوقائي»، وهو قائم على العقل والدين والمحبة، حيث كان يرى أن الدين وحده هو مصدر التربية وكمالها، إنما فى أسلوبه التربوى اندماج عميق بين التربية والدين لأن حب الله المتوهج ينعشه.
فكان الأسلوب الوقائى فى نظر دون بوسكو أسلوب تربوى وروحانى فى آن واحد، إذ إنه عطاء مجانى يستوحى محبة الله وهو يقى الخليقة بعنايته ويهديها ويشجعها بحضوره ويخلصها ببذل حياته، فهو إذا طريقة عملية للبلوغ إلى القداسة.
إن أساس كل روحانية اختبار حياتى بالله، فهذا الاختبار لا ينحصر فى أوقات الصلاة أو فى الحياة الباطنية فحسب، بل يشمل جميع ظروف الحياة، واختبر دون بوسكو وجود الله ومحبته وهو بين الشباب، يشاركهم حياتهم وألعابهم ويؤهلهم علما ومهنة، فلذلك علمهم ملاقاة الله فى حياتهم اليومية وفى مزاولة واجباتهم.
حيث علمهم ان يكون كل منهم رسول ورجل عمل فى آن واحد، فقد تماشى ذلك مع متطلبات العصر، وأدرك أهمية العمل كوسيلة تربوية لا بديل لها، رأى فيه مشاركة الله الخالق والاقتداء بالمسيح العامل ومن ثم كرامة الإنسان، إن العمل عنده ينبوع القداسة، كما كانت قناعته راسخة إن الكلام لا يقنع إلا عندما يتحول إلى عمل، فقد كان يقول لجميع أبنائه شريعة العمل، «كونوا مشمرين عن سواعدكم».
لم يمنعه عمله المضنى هذا، من أن يكون رجل الصلاة الحق، وإن تميزت صلاته بمفهوم جديد غير متبع فى عصره، وهو أن تنبثق الصلاة من حجم الحياة، وأن ترتبط بالعمل بحيث تصبح الحياة كلها تقدمة روحية.
وكانت فلسفته أن العمل والصلاة يعبران عن محبة واحدة، وكانت صلاته صلاة رسول حقيقية وكاملة فى جوهرها، بسيطة وفرحة فى مظهرها، شعبية فى مضمونها، لذلك جذبت الكثير من الشباب إلى السير على نهجها، فقد كانت صلاة فى متناول الجميع، ولا سيما الشباب فقط.
عند نهاية حياة دون بوسكو الأرضية صرح بأن كل ما أنجزه فى حياته هو من صنع السيدة العذراء مريم، وأنها بالحقيقة كانت سيدة المعونة له، وكانت دومًا ذروة اهتمامه فى عمله التربوى والرسولي، إذ شعر بوجودِها الوالدى شعورًا ملموسًا: «ثقوا بمريم سيدة المعونة وستروا المعجزات»، فانطلق من هذا الاختبار عمل من أجل انتشار إكرامها ونادى بالاقتداء بها، هى المتأملة فى قلبها والمؤمنة المخلصة والخادمة الأمينة للرب والقريب.
وأدرك ارتباط العذراء مريم بالكنيسة ودورها فى حياتها، فاختار أن يكرمها بلقب «أم المعونة» نظرًا للظروف العصيبة التى كانت الكنيسة تمر بها فى أيامه.