الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رسالة يعقوب.. جابر كسر القلوب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هناك بعض البشر طبع الله على وجوههم محبته لهم، فنرى ملامحهم تعكس رضاهم عن الخالق ورضاه عنهم.. أحد هؤلاء هو الطبيب المصرى العالمى الدكتور مجدى يعقوب.. والذى نحتفل بعيد ميلاده الموافق 16 نوفمبر 1935.. وهو ليس مجرد عالم وفقه الله فى الأبحاث العلمية أو فى مجاله التطبيقى كأحد أمهر جراحى القلب.. ولكنه جاء إلى العالم برسالة محبة وإيمان.. فقد ورث حب الطب عن أبيه الجراح حبيب يعقوب، وكان لاختياره تخصص جراحة القلب قصة إنسانية أثرت على مجرى حياته..حيث فقدت أسرتهم عمته الصغرى عن 21 عاما لإصابتها بمرض فى القلب.. وكان حزنهم الشديد لوفاتها فى هذه السن المبكرة سببا لاختياره تخصص القلب لإنقاذ حياة المرضى.. وقد شق طريقه المهنى فى الولايات المتحدة وبريطانيا بعد تخرجه من جامعة القاهرة، فأثبت نفسه كأحد أمهر الأطباء فى العالم على مدار التاريخ.. وقبل أن يشتهر فى مصر أو يكرم فيها، كان العالم كله قد احتفى به وكرمه!!.. بالتأكيد لا يوجد مصرى الآن لا يعرفه أو يحبه، ليس فقط لأنه رمز نفخر به أمام العالم.. ولا لوجهه البشوش الذى ينشر الأمل والتفاؤل ويعكس طبائعه الملائكية.. ولكن لدوره الإنسانى ومشروعه النبيل الذى أنشأه فى أسوان لعلاج قلوب الأطفال بالمجان.. فرغم انشغاله وحياته المليئة بالأحداث والمؤتمرات والتكريمات، إلا أنه يعطى وقتا كبيرا لهذا المشروع ويأتى خصيصا لمرات كثيرة لإجراء الجراحات الدقيقة والعاجلة للأطفال.. وهو ليس مشروعه الخيرى الأول فقد أسس من قبل مؤسسة خيرية عالمية عام 1995 باسم «سلاسل الأمل»..وسعى من خلالها لإجراء جراحات القلب مجانا فى الدول النامية.. ومن أهم أدواره اهتمامه بتدريب الأطباء على مستوى العالم كله، مؤكدًا أنه بهذا ينقذ المرضى الذين لا يتحملون الانتظار حتى يأتى بنفسه.. ورغم أنه لا يكثر الكلام، إلا أن كلماته القليلة كفيلة بأن تلهمنا وتعلمنا الحكمة ومغزى الحياة.. ومن أجمل ما نقل عنه قصته مع بائع المناديل.. فمنذ أكثر من 40 سنة كان فى القاهرة ولديه مؤتمر هام فى إنجلترا استعد له كثيرا.. ولم يتمكن من النوم قبلها بسبب التوتر والفرح.. ولكن شاء القدر أن يستيقظ متأخرا، فحاول بكل استطاعته اللحاق بموعد الطائرة، وكان يدعو الله قائلا: «يا رب إنت عارف تعبى علشان يوم زى ده وانتظارى ليه ومش ههون عليك تكسر بخاطرى».. ولكن للأسف توقف الطريق بسبب حادث.. فرفع عينه للسماء غاضبا: «ليه كده يا رب، كنت فاكر مش ههون عليك».. ثم قرر الانتظار خارج السيارة فشاهد رجلا يتفق مع شاب صغير «حوالى 16 عاما» يبيع المناديل على أن يقوم بحمل الكثير من «شكارات» الأسمنت مقابل أن يراضيه.. فرح الشاب وقام بهذا الجهد الكبير، وبعدها وجد الرجل يعطيه مبلغا ضئيلا، فغضب الشاب وطلب زيادة المبلغ، وبعد رفض الرجل خاطبه الشاب: «أنا مش بلوم عليك.. بلوم على اللى خلقنى ونسينى ورمانى فى الشارع.. إللى ظلمنى ربنا وأنا مش مسامحه».. ففكر الدكتور مجدى فى كلام الشاب وما أوصله لذلك، وقال فى نفسه: «حاشا أن يكون الله ظالما.. أنا كمان زعلان ومضايق وواخد على خاطرى من ربنا لكن دايما عندى ثقة بأن فى سبب وحكمه للى بيحصل وأكيد لخيرى.. اللى خلى الشاب ده يوصل للمرحلة دى هو الظلم اللى اتعرض له وهو لسه إيمانه مش قوى لسه ماختبرش ربنا الخبرة اللى تخليه رغم كل شىء يمسك فيه»..فتوجه للشاب وحاول الحديث معه بعد أن وجده يبكى بشدة ويحاول إخفاء دموعه.. وعرف أنه فى أولى ثانوى ويبيع المناديل حتى يستكمل دراسته ويحقق حلمه بأن يصبح طبيبا.. فاحتضنه وقال له: «ربنا بيحبك امسك فيه لأنك معاه تقدر تحقق حلمك.. اللى ظلمك ناس متعرفش ربنا حقيقى.. ربنا جابك الدنيا إداك حياة وحررك.. إمسك فيه علشان تحقق أحلامك».. وبعد أن فتح الطريق طار إلى المطار أملا فى أن تكون الطائرة تأخرت لأى سبب، لكن للأسف وجدها تحركت فى موعدها.. فقرر العودة إلى الشاب وعرض عليه أن يعمل عنده فى العيادة مقابل أن يتكفل بمصاريف دراسته حتى يحقق حلمه.. فرحب بالفكرة وبدأ الرحلة.. وبالفعل حصل على مجموع كبير فى الثانوية ودخل كلية الطب.. وقد نقلت هذه الرواية عن د/مجدى وهو يستعد لحضور مؤتمر آخر بعدها بأعوام كثيرة، ولكن كان معه هذه المرة الدكتور/وائل (بائع المناديل) الحاصل على دكتوراه فى أمراض القلب ومن أشطر الأطباء فى مجاله.. وقد نصحنا العالم الكبير قائلا:» «اوعى تكون سبب عثرة لإنسان.. أو تكون سبب ضيقة وصرخة إنسان لربنا.. لأن الآية واضحة.. خليك حضن للمتألم مش الوجع اللى منه بيصرخ ويتألم..سلم لربنا حياتك وأنت تكسبها».. كل المحبة والتقدير لملك القلوب فى عيده الثالث والثمانين.. ولنتعلم من هذا الحكيم العلم والعمل، ومن قبلهما الإيمان بالله وقدره فكما قال: «انتظر.. فقد تكتشف أن الأشياء التى اعتبرتها فى لحظة ما أسوأ ما حدث لك هى فى حقيقتها أفضل ما حدث لك».