الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أمريكا من نيلسون إلى ترامب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مرت الولايات المتحدة الأمريكية منذ نشأتها بظروف قاسية تعددت بين الاضطهاد العرقى إلى الصراع والحروب الأهلية بين ولايات الشمال وولايات الجنوب حتى الصراع الأمريكى البريطانى بعد سيطرة بريطانيا على أمريكا من البريطانيين البوريتانيين «المطهرون»، تلك السيطرة التى انتهت بحصول أمريكا على الاستقلال عام ١٧٨١ وكانت معاهدة فرساى ١٧٨٣. ثم كان النصر الأمريكى فى الحرب الأمريكية الإسبانية ١٨٩٨. وكان قد سبق ذلك وبعد إنهاء الحرب الأهلية تم إعادة بناء الولايات الجنوبية وتم استقرارها وتطورها، فظهرت التطورات الاجتماعية والتكنولوجية مثل إنشاء أول تلغراف عبر المحيط عام ١٨٦١ كما تم إنشاء أول سكانر حديد بعدها بفترة، نعم كانت أمريكا حتى قبل الحرب العالمية الأولى منغلقة على ذاتها لبعد المسافات، ولكن شاركت أمريكا فى الحرب العالمية الأولى حيث إنها قد ساعدت فى إنهاء هذه الحرب، هنا بدأت أمريكا بالنظر خارج حدودها على أرضية عالم لا يعرف غير الإمبراطوريات الاستعمارية الكبيرة وكان أهمها بعد هزيمة الحرب الإمبراطورية الإنجليزية والفارسية وهما كانا فى صراع دائم ومستمر. ولأن العلاقات الخارجية بين الدول لا تكون ولا تبنى سوى على المصالح الخاصة بكل دولة. ولما كان أغلب دول العالم بعد الحرب الأولى عبارة عن مستعمرات للدول الاستعمارية هذه سواء كان استعمارا مباشرا أو فى صورة انتداب، وكان الأصل هو الاستعمار العسكرى الاستيطاني. وعلى ضوء هذا الواقع الاستعمارى أرادت أمريكا أن تظهر فى ثوب آخر جديد يدغدغ عواطف الدول المستعمرة بحجة أن أمريكا ذاتها كانت قد عانت من هذه الأشكال الاستعمارية خاصة بريطانيا التى لم تكن تغيب عن مستعمراتها الشمس.
هنا ظهر الرئيس الأمريكى نيلسون فى ٨ يناير ١٩١٨ بأربعة عشر مبدأ للسلم وإعادة بناء أوروبا من جديد بعد الحرب العالمية الأولى، وكان من أهم هذه المبادئ أن تقوم العلاقات الدولية على مواثيق سلام عادل وتكون المعاهدات علنية وغير سرية. تأمين حرية الملاحة فى البحار خارج المياه الإقليمية فى السلم والحرب. إلغاء الحواجز الاقتصادية بقدر الإمكان وإيجاد مساواة بين الدول المتعاونة فى المحافظة على السلام. تخفيض التسلح إلى الحد الذى يكفل الأمن الداخلي. وضع إدارة عادلة للمستعمرات تفيد ما يحقق مصالح سكانها. الجلاء عن الأراضى المستعمرة فى أوروبا. حق تقرير المصير للدول المستعمرة. إنشاء عصبة الأمم. وعلى ضوء هذه المبادئ تقمصت أمريكا دور الدولة المجتهدة والراعية للسلام والمطالبة بحق الشعوب فى التحرير حيث الشعوب هى التى تقدر التبعية أو الاستقالال حتى كان يطلق على أمريكا راعية الحرية فى العالم وكان هناك تمثال الحرية. فهل كانت هذه هى السياسة الأمريكية الصادقة؟ أم كانت هذه المبادئ وتلك السياسة هى الوسيلة للوصول إلى غاية، وهى أن تكون أمريكا هى الوريث لهذه الإمبراطوريات القديمة؟ شاركت أمريكا فى الحرب العالمية الثانية وهنا كانت ولادة الإمبراطورية الجديدة، حيث ظهرت أمريكا بأنها الأخ الأكبر لأوروبا وكان مشروع مارشال لإعادة الإعمار، هنا يتحول العالم إلى قوتين أمريكا والاتحاد السوفييتي، وكانت الحرب الباردة التى كان فيها الصراع محتدمًا بعيدًا عن المواجهة العسكرية، حتى وجدنا الاتحاد السوفييتى يهدد بالإنذار الروسى ضد العدوان الثلاثى على مصر ١٩٥٦ فوجدنا أيزنهاور يجبر العدوان الثلاثى على الانسحاب حتى لا يعطى فرصة نجاح للاتحاد السوفييتى وفى الوقت نفسه يرسل رسالة تحذير لدول العدوان التى لم تأخذ الإذن، بعد ذلك أسقطت أمريكا القناع وكان ملف بغداد والتدخل المباشر فى المنطقة والعالم كله، فهل ما زالت أمريكا عند مبادئها التى أعلنها نيلسون؟ حتى تدعى القيام بحارس الحريات والديمقراطية فى العالم؟ نعم لقد أظهرت أمريكا وجهها الاستعمارى السافر وإن اتخذ صورا متعددة غير الصورة الاستيطانية، مثل الاستعمار السياسى والاقتصادى والثقافى والاجتماعى ومن خلال كل الرؤساء الأمريكان، كل واحد حسب الظروف الدولية والمعطيات الواقعية، حتى جاء ترامب الذى لا علاقة له بالسياسة فكان جديرًا به أن يقوم بالدور الأمريكى السافر الآن، وإذا أخذنا بعض النقاط من مبادئ نيلسون حتى نعرف مسار السياسة الاستعمارية الأمريكية التى قدمت نفسها تحت ستار الحرية وزعم حقوق الإنسان. «تقوم العلاقات الدولية على المواثيق» هنا نجد ترامب يتنصل ويسقط كل المعاهدات الدولية «المعاهدة النووية مع إيران، ومعاهدة البيئة، معاهدة الصداقة الإيرانية الأمريكية ١٩٥٥، الانسحاب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الانسحاب من اليونسكو ومحكمة العدل الدولية، وكل هذا من أجل عيون الدولة الصهيونية».
هنا نجد ترامب يلتزم بهذا المبدأ أيما التزام. ولذلك وجدناه يقوم بنقل السفارة الأمريكية للقدس كعاصمة لإسرائيل، ويوافق على مزيد من بناء المستعمرات فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، سحب المساعدات الأمريكية لمنظمة الأونروا وشطب ٢٠٠ مليون دولار إضافة لتجميد مدفوعات أمريكية لمنظمات فلسطينية ترعى اللاجئين بنحو ٦٥ مليون دولار، الانحياز لإسرائيل بشكل غير مسبوق لرئيس أمريكى سابق مباركًا إعلان إسرائيل دولة قومية لليهود مسقطًا عمليًا فكرة إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية التفافًا بالبديل المسمى بصفقة القرن التى تعتمد على حكم ذاتى فلسطينى فى كونفيدرالية على أراضى أردنية وإدارة مصرية لقطاع غزة مع استبدال أراض بأراض. هذا هو ترامب وهذه هى أمريكا وهذا هو الاستعمار بكل صوره وبشتى أساليبه المستحدثة، والتى تأخذ مسميات عديدة بهدف السيطرة على الدول والشعوب بهدف الاستغلال الأمثل لمقدرات هذه الشعوب لصالح تحقيق المصالح الاستراتيجية لهذه الدول الاستعمارية، فهل تعى الأنظمة ذلك؟ وهل تدرك الشعوب هذه المؤامرات؟ الاستعمار هو الاستعمار والمؤامرة قائمة ولن تسقط بغير نضالنا ووعينا وانتمائنا لوطننا العزيز مصر وطن كل المصريين.