الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

الأخبار

رادار بشري.. «عم قناوي» يرصد تحركات العدو 100 يوم

«عم قناوى» يرصد تحركات
«عم قناوى» يرصد تحركات العدو 100 يوم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يكن عسكريًا لكنه كان أنشط رادار بشرى فوق جبل عتاقة، يرصد تحركات العدو فى عمق سيناء، تارة يراقب ممر «متلا» ويرسل المعلومات، ويتلقى التعليمات، وتارة أخرى يتم دفعه إلى السويس من القاهرة، ويشاء الله أن يجعله سببًا فى إنقاذ المركز التبادلى لقيادة الجيش الثالث الميدانى..عبدالمنعم قناوى، أو كما يناديه السوايسة «عم قناوى» يستقل سيارة أجرة تحمل لوحات «3272 أجرة السويس» ربما هى الأشهر فيعرفها الأطفال طلاب المدارس قبل الكبار، فهو حريص على أن يلتقى عددًا منهم فى مطلع كل عام دراسى ليحدثهم عن حرب أكتوبر، وما قدمه الفدائيون أعضاء منظمة سيناء العربية وأبطال المقاومة الشعبية فى السويس.
قبل حرب أكتوبر كانت إدارة المخابرات الحربية ترسل مندوبين لها فى سيناء، مهمتهم جمع معلومات عن تحركات العدو، وإرسالها باجهزة اللاسلكى، وقبل ٦ أكتوبر بـ ٢٢ يومًا، فى ١٤ سبتمبر ١٩٧٣، تم الدفع بقناوى إلى سيناء عن طريق فنار أبوالدرك الذى يقع بين السخنة والزعفرانة، بخليج السويس.
يروى قناوى: «كان فى انتظارى بالجانب الآخر من الخليج دليل من الأعراب، بالمنطقة الواقعة بين أبورديس وأبوزنيمة، واصطحبنى إلى مدخل ممر متلا، وهى منطقة استراتيجية، فالجالس فوق الجبل بالممر يمكنه رصد كل التحركات، داخل الممر الذى كان يستغله الإسرائيليون فى التحرك والدفع بالإمدادت لسيناء، كان الدليل يغيب عنى ٣ أيام ثم يحضر لى الطعام والشراب.
يقول قناوى إن معداته كانت جهاز لاسلكى ببطارية صغيرة الحجم، ويعمل على مولد بشاحن يدوى على بدال، لشحن البطارية، وكان يبذل طاقة كبيرة فى شحن الجهاز، فيستلزم الشحن على البدال ساعتين إذا أردت التحدث عبر اللاسلكى مدة ١٠ دقائق، وكان مدى الجهاز يصل إلى ٥٠٠ كيلو، ومن أحدث الأجهزة المستخدمة فى ذلك الوقت.
يرصد قناوى تحركات العدو فى عمق سيناء، وكان هناك آخرون يقومون بنفس الدور، ليرسموا خريطة واضحة لتحركات العدو فى سيناء، وكان الهدف تحديد حجم القوات الإسرائيلية، فمع الحرب ستأتى إمدادات العدو من العمق.
استمر قناوى فى التحرك بالجبل بناء على الأوامر والمعلومات المطلوب جمعها، حتى وصل إلى رأس البحيرات المره، فى الدفرسوار شرق القناة، وعقب وصوله صدرت له الأوامر بالعودة إلى القاهرة يوم ١٦ أكتوبر ١٩٧٣.
كان قريبًا جدًا من القناة، ويصعب عليه أن يعود إلى خليج السويس مرة أخرى مكان إنزاله الأول، واتضحت له الرؤية أن كل المعدات والتجهيزات العسكرية التى أمامه لقوات إسرائيلية.
كانت الإذاعة المصرية تبث أخبارًا عن ٧ دبابات إسرائيلية، تمكنت من اختراق خط القوات المصرية وعبرت إلى شرق القناة، لكن المشهد بحسب وصفه فى الدفرسوار كان يؤكد أنها ٧ ألوية مدرعة، تمكنت من اختراق الثغرة، وبالاقتراب من القناة شاهد ٣ رؤوس كبارى نصبها العدو على رأس البحيرات المرة، لعبور القوات الإسرائيلية من شرق القناة لغرب القناة، وكانت الدبابات تختبى فى مزارع المانجو والفواكة غرب القنال.
ويؤكد قناوى أن العبور والعودة إلى غرب القناة من تلك المنطقة يستحيل عقليا وسط تلك الألوية، لكن الله ألهمه، وظل ٧٢ ساعة يراقب الكبارى، ويقول: فوجدت أنه مع آخر ضوء للشمس ينقل الجنود، من على الكبارى خوفا عليهم، ويتركها فارغة خشية وصول الضفادع البشرية المصرية إليها وتفجيرها ليلًا، ومع أول ضوء للنهار يعود الجنود على الكبارى مرة أخرى
يستكمل: «مررت أسفل الكوبرى ليلًا يرافقنى الدليل، وتوغلت وسط قوات العدو غرب القناة، حتى وصلت إلى صحراء أبوصوير فى الإسماعيلية، إلى أن وصلت إلى منطقة لتمركز القوات المصرية، إلا أن القوات أطلقوا علينا أعيرة نارية، فهيئتنا كانت لا توحى بأننا مصريون، حيث كانت لحيتى كبيرة وأرتدى «أفرول» زيتيًا خاصًا بالقوات الإسرائيلية، حتى إذا وجدت نقطة رصد للعدو قريبة منى وكشفتنى على هيئتى ظنوا أننى منهم، فهم يعرفون أنه لا يسمح فى الجيش المصرى بترك اللحيه، فضلًا عن الأفرول الخاص بهم. 
ويضيف أنه تم ضبطهم وأخبر قائد اللواء الذى طلب الاتصال بالقيادة فى القاهرة، وحدد موقعه الجديد مع القوات المصرية. 
مهمة جديدة
كُلف قائد اللواء من القيادة فى القاهرة بتجهيز سيارتة الخاصة ونقل قناوى والدليل الذى كان برفقته للقاهرة مساء يوم ١٦ أكتوبر، وهناك ارتاح قليلًا وكتب تقرير بآخر ما تم استطلاعه من خطوط العدو، وبعد يومين تم الدفع به مجددًا إلى سلسلة جبال عتاقة تمهيدًا لدخول السويس.
يقول قناوى: فى ذلك الوقت انقطعت الاتصالات بين القاهرة والسويس، وكان العدو قد عبر غرب القنال وفشل فى دخول الإسماعيلية بعدما تصدت له الفرقة ٣٩ قتال، فعاد مجددًا إلى الدفرسوار، وطور الهجوم جنوبًا ٦٥ كيلو قاصدًا السويس، أملًا فى أن يحتل أقدم مدينة بخط القناة.
وكان لا بد فى هذا الوقت أن تكون هناك عين فى السويس، لذلك تم الدفع به من القاهرة عبر سيارة وتركه قرب محطة التدفيع والتقوية الخاصة بشركة أنابيب البترول بطريق السويس-القاهرة، وألا يتحرك على الأسفلت بل يسلك يمينًا فى اتجاه وادى حجول، ويتسلل عبر أودية ودروب جبل عتاقة حتى يصل إلى شركة النصر للأسمدة بمنطقة السماد.
كان التكليف أن ينزل من الجبل إلى خط السكة الحديد بالأدبية، والذى كان ينقل العمال والموظفين بشركة النصر للأسمدة، من قلب الأربعين إلى الشركة قبل النكسة، ثم يتخذ خط سير إلى داخل مدينة السويس، متبعًا خط السكة الحديد حتى يصل إلى مزلقان الشهداء بمنطقة «زرب»، على أن يتوجه عقب وصوله إلى منزل الفدائى محمود عواد، قائد مجموعة الفدائيين بمنظمة سيناء العربية، ويحقق اتصالً من داخل المدينة، ويبدأ فى جمع معلومات عن السويس.
اتبع عبدالمنعم قناوى التعليمات، وتوجه إلى وادى حجول ومنه إلى سلسلة جبال عتاقة، حققت أول اتصال باللاسلكى، بقيادة المخابرات الحربية فى القاهرة، أخطرهم بمكانه، ووصف لهم المشهد على الطريق.
وفى ذلك الوقت كانت قوات العدو منتشرة من محطة كهرباء عتاقة بطريق السويس-الأدبية، وعلى امتداد طريق «مصر إيران» المؤدى إلى نقطة الكيلو ١٤ بطريق السويس - القاهرة. 
أبلغ قناوى قيادة الجيش بالمشهد وانتشار القوات بالطريق والمدرعات والمجنزرات التى كانت أشبه بالكراسى المتراصة خلف بعضها، وصعوبة اختراق كل تلك القوات لدخول السويس، لكن كانت كلمة «حاول» ربنا معاك.. مستمرة معى من ١٩ أكتوبر ١٩٧٣، وحتى ٢٩ يناير ١٩٧٤ يوم عودتى للسويس بعد فك الحصار عن المدينة.
امتثل للأمر الواقع، وسط ظروف المعيشة القاسية، يراقب تحركات العدو من فوق قمة جبل عتاقة، من جنوب الأدبية وحتى نقطة الكيلو ١٠١، طريق السويس-القاهرة، فالطبيعة الجغرافية لجبل عتاقة، كانت تكشف السويس كلها، وحين يرفع النظارة المكبرة إلى عينيه يرى السويس من العين السخنة جنوبا، وحتى جنيفة شمالًا، حيث كانت تعطى صورة واضحة لمسافة لا تقل عن ٣٠ كيلو، بجانب الكاميرات «زوركى» الروسى والتى كانت مزودة بعدسة تقريب يصل مداها إلى ١٠ كيلوات، وكانت الصورة ترسل باللاسلكى بطريقة معينة لتعطى تفاصيل واضحة.
إنقاذ قيادة الجيش الثالث 
يروى لنا قناوى المشهد فى منطقة عُبيد، فمع بداية حرب اكتوبر تم تجهيز مركز متقدم لقيادة الجيش الثالث الميدانى بمنطقة الشلوفة بالقطاع الريفى شمال السويس، وعقب دخول القوات الإسرائيلية من الثغرة دمروا ذلك المركز، فانتقلت القيادة لمركز تبادلى آخر فى منطقة عُبيد بعد نقطة الكيلو ١٠١ بطريق السويس - القاهرة.
وفى ذلك الوقت كان يراقب أى نشاط حركى فى الجبل، وشاهد بالنظارة ٥ أفراد داخل «خندق صغير» فى الجبل، طلب من الدليل الذى كان برفقته التوجه لهم، وقاما بالالتفاف والوصول إليهم من الخلف والوصول لمخبأهم، حتى لا يتعرضا لإطلاق النار، فإذا كانوا جنودًا مصريين فسيطلقون عليهم النيران، لأن هيئتهما توحى بأنهما غير مصريين، وإن كانوا إسرائيليين سيطلقون عليهما النار أيضًا لأنه لم يحدث بيننا اتصال يفيد بقدومهم إليهم.
وصلا إليهم وتحدثا معهم، وكانوا فى حالة يرثى لها، من بينهم ضابط برتبة مقدم كان ملحقًا على قيادة الجيش فى الشلوفة، ودخل السويس أثناء الحصار، ويذكر قناوى أنه فى ذلك الوقت دخل السويس قرابة خمسة آلاف ضابط وعسكرى بعد الثغرة، كانوا مؤخرات للجيش ضمن الفرق والوحدات التى تتحرك من غرب القناة لشرق القناة.
ويوضح قناوى أن كل من يدخل السويس فى تلك الفترة يسأل عن الطريق إلى القاهرة فيدله الأهالى على جبل عتاقة، «أصعد الجبل واستمر فى السير حتى نهايته.. اتبع المنخفض. انزل ستجد نفسك فى حلوان.. اتجه جنوبًا لتكون فى الكريمات، كانت هذه هى وصفة التحرك سيرًا على الأقدام من السويس للوصول إلى القاهرة، لتجنب القوات الإسرائيلية المتمركزة بالطريق، لكن الأمر لم يكن بتلك السهولة، فجبل عتاقة سلسلة من الجبال، وهناك من تسلق الجبل وشرد ومات.
ويستكمل قناوى كان مع الضابط المقدم ضابط برتبة ملازم أول و٣ جنود آخرون، كونه على دراية بالمنطقة، وقد كشفها من أعلى الجبل، فقادهم إلى أقرب مكان للقوات المصرية فى عُبيد، وتوجه به إلى مقر قيادة الجيش بعد التحرك فى طابور بين كل فرد وآخر ١٥ مترًا، ومع دخولهم منطقة القوات المصرية أطلقوا عليهم نيران، ومع التأكد من أنهم عزُل من السلاح، وتأكدوا من هوية الجنود، تم القبض عليه هو الدليل باعتبارهم جواسيس.
«ليه يا فندم؟!» قالها قناوى متعجبًا.. لكن المقدم الذى كان يخفى رتبته فى طيات ملابسه رد «أنا مش مرتاح لكم.. أنتم يا إما عملاء أو إسرائيليين»، فرد قناوى: كيف ذلك وقد أصطحبتكم إلى مقر القوات ولو كنت كما تظن لأخذتكم أسرى.
دار بينه وبين القائد حوار، ثم أخبره بأنه سيقوده إلى قائد أمن الجيش الثالث، فوجد قناوى يعرف اسمه، فتعجب من معرفته له، وبالتسلسل بين القيادات وأسمائها قرر المقدم اصطحابه إلى قائد الجيش الثالث الميدانى فى فترة الحرب اللواء أ.ح عبدالمنعم واصل.
يروى قناوى ذلك اللقاء المهيب فيقول: «نظر إلى اللواء عبدالمنعم واصل ووضع يده على كتفى»، وقال لى: «قولى من الآخر آنت معانا ولا معاهم»، أخبرته بأنى تابع لمكتب المخابرات الحربية فى السويس، لكنى مدفوع من القياده فى القاهرة لأدخل السويس وأجمع معلومات، وأبرزت الشهادة التى عليها صورتى وختم القيادة العاملة للقوات المسلحة، لكنه لم يقتنع.
يستكمل قناوى: «سألنى اللواء واصل عن أسماء قيادات مكتب مخابرات السويس، من حرب أكتوبر وحتى القائد إبان ٥ يونيو، لكن ذلك لم يقطع الشك لديه، وكان الموقف محرجًا كثيرًا، فتدكرت موقف بعينه، فسألته: «أين كنت يا سيادة القائد فى ٢٢ مارس ١٩٧٣»، رد اللواء واصل «فكرنى» أخبرته بأنه فى ذلك اليوم كان مع قيادات الجيش والمحافظ ومدير الأمن فى منطقة أرض المعارض التى أقيم مكانها مديرية أمن السويس ومجمع المحاكم، يشهد احتفال السويس بالعيد القومى، والذى كان فى ذلك الوقت مرتبطًا بيوم ٢٢ مارس ١٩٥٤، يوم أن رفع الزعيم جمال عبدالناصر العلم المصرى على آخر معسكر على القناة بعد جلاء القوات البريطانية، وأخبرته ماذا كان يرتدى، وذكرته بالصور التذكارية التى تم التقطتها والختم البيضاوى عليها واسم المصور «عبدالمنعم قناوى السويسى»، وأخبره بأنه عبدالمنعم قناوى وإن كان العدو يعرف كل ذلك فلا حق لهم فى الحياة.
اطمئن وأرسل يحضر له طعامًا من تعيين الجيش، ثم سأل قناوى قائد الجيش عن وجود العدو فى المنطقة، فرد: ماذا تقصد؟ فأشار إليه إلى تبة على مسافة بعيدة من المعسكر، وأخبره بأنه رأى خلفها خمسة جنود يبدو أنهم إسرائيليون، وقد تركوا خوذاتهم أمامهم، ليظن من يراهم أنها خوذات ملقاة على الأرض وليس هناك أحد، ولديهم طائرة هليوكوبتر طراز بيل ٢٠٥.
طلب إحضار العقيد قائد استطلاع الجيش الثالث الميدانى، سأله اللواء واصل عن تمركز العدو، قال قائد الاستطلاع إن العدو متمركز بالكيلو ١٠٩، وفى عجرود، فذكرت مجددًا ما رأيته خلف التبة، فأمسك نظارتى ووجد الخوذات، ثم ظهر ذيل الطائرة وعليه نجمة داود فى إشارة إلى بدء الإقلاع من مكانها.
على الفور أصدر اللواء واصل قرارًا بنقل القيادة بالكامل من منطقة عُبيد لمركز تبادلى آخر بالروبيكى على مسافة ٥٠ كيلو غربًا من موقع القيادة السابق، واستمرت عملية النقل من مساء ذلك اليوم حتى فجر اليوم التالى، ومع شروق الشمس جاءت الطائرات المعادية الميراج والاسكاى هوك والفانتوم لتدك موقع القيادة القديم بالكامل، بعدما رصدت عيونهم المتمثلة فى جنودهم بالتبة تمركز القوات بذلك المكان حتى غروب الشمس، ولم يعلموا أن مقر القيادة انتقل إلى مكان آخر ليلًا.