السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نهضة الأوطان في بناء الإنسان!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كانت مصر فى الماضى صاحبة الريادة دومًا فى كل المجالات، بحضارتها التى علمت البشرية كافة العلوم الطب والفلك والهندسة والقانون والفن وحتى العلوم الاجتماعية.. ومع مرور الزمن تراجعنا قرونًا للخلف، حتى أصبحنا الآن نتنافس على ذيول القوائم فى التصنيفات العالمية فى العديد من المجالات، وعلى رأسها التعليم والبحث العلمى! وحتى الكثير من الدول العربية والأفريقية التى كنا نعلمهم لوقت قريب سبقتنا بكل أسف! وفى نفس الوقت نتفاجأ بأننا أصبحنا نتنافس فى تصدر قوائم التحرش والبطالة والعديد من الأمراض الاجتماعية، إلى جانب افتقاد الكثير من الحقوق الفردية المكتسبة على مدار عقود! والصادم أننا حققنا المركز الأول عالميًا، ولكن فى ماذا؟! فى ارتفاع معدلات الطلاق! وقد كشفت آخر إحصائية للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء عن وجود نحو 198 ألف حالة طلاق خلال عام 2017، بزيادة قدرها 3.2٪ على عام 2016، كما أكد الباحثون والعلماء أن معدلات الطلاق بمصر لم تتوقف عند هذا الحد، بل إنها فى زيادة مستمرة! وكشفت دراسات سابقة عن أن هناك حالة طلاق فى مصر كل 7 دقائق، بل أصبحت حاليًا حالة طلاق كل 4 دقائق! أما نسب الطلاق بالمقارنة مع نسب الزواج فقد وصلت إلى 44%، وهذا يعنى أن نصف الزيجات تقريبًا تنتهى بالطلاق! والمخيف أكثر أن هذه الأرقام تعبر عن الحالات الموثقة رسميًا، فما بالنا بالنسب الحقيقية إذا أضفنا حالات الطلاق الشفوى، والتى لم يتمكن علماء الدين والقانون من التوصل لحل لها حتى الآن.. إلى جانب الخلافات والصراعات التى لم تصل بعد للطلاق رسميًا أو شفويًا! فكما أكد رئيس الجمهورية فى المؤتمر الوطنى السادس للشباب بجامعة القاهرة أنه إذا كان هناك 9 ملايين طفل دون أب وأم بشكل مباشر، يوجد 15 مليون طفل دون أب وأم بشكل غير مباشر عن طريق انفصال خفى دون طلاق! فإذا كانت الأسرة التى هى نواة المجتمع بهذا الشكل، فإننا نكون واقعيًا مجتمعًا مخوخًا داخليًا ومنهارًا.. لذلك اقترح الرئيس إنشاء مراكز تأهيل للشباب والفتيات المقبلين على الزواج؛ بعمل «كورسات» لتأهيل الشباب للزواج لمواجهة حالات الانفصال، وذلك من خلال وزارة التضامن الاجتماعى، أو منظمات المجتمع المدنى.. ولكن من سيقوم بتلك المهمة؟! فكما يقول المثل الشعبي: «باب النجار مخلع».. وهو ما نراه فعليا، فللأسف كثيرا ممن نراهم يتحدثون وينظرون ويوعظون، هم أنفسهم فشلوا فى بناء أسرهم، أو يعيشون فى أسر متصدعة.. وحتى إذا إشترطت الدولة هذه الكورسات وشهادة إجتيازها كشرطا للزواج، فإن المصريين فى هذه الحالة قادرين على التحايل على هذا الشرط، وتحويله إلى أمر روتينى بالحصول على الشهادة دون اجتياز الدورات فعليًا.. ويشهد على ذلك شرط الكشف الطبى المبكر قبل الزواج، والذى أصبح مجرد شرطا على الورق، لأن الأغلبية العظمى يأتون بالشهادات الطبية دون إجراء الكشوفات فعليًا! وبالتالى فالمشكلة الرئيسية هى ما وصلنا إليه كمجتمع من تدهور فى السلوكيات والأخلاقيات، وفى تفشى الكذب والغش والغدر والطمع.. وتشهد المحاكم كل يوم مئات القضايا التى تبرهن أن هناك خللًا كبيرًا داخل المجتمع.. والغريب أن الكثير من حالات الطلاق فى المحاكم تكون بعد فترة قصيرة من الزواج، ونتساءل: كيف تخان العهود ويتحول الحب واللهفة إلى كراهية ورغبة فى الانتقام؟! وكيف ننتظر بناء مواطن صالح إذا كانت الأطفال تنشأ على المشاكل والصراعات، والتى تذوب معها أبسط القيم الأخلاقية التى لا يراعيها بعض الأطراف؟! وكيف ننتظر عدالة فى الحقوق العامة إذا كان الكثيرون يقسون على أبنائهم ويجورون على حقوقهم، ولا يردعهم سوى أحكام القضاء؟! وكيف سنثق فى قدرة حكماء العصر على علاج مشكلاتنا الاجتماعية المتفشية، إذا كانت القضايا التى تملأ المحاكم تدل على أن كل هؤلاء فشلوا فى إيجاد الحكماء من أهلهم، والذين يفترض أن يتوصلوا لحلول عادلة بشكل محترم لا يجور على حقوق العشرة، عملًا بما نصحنا به الله تعالى فى القرآن الكريم: «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا».. فإذا كنا عجزنا كمجتمع فى إيجاد الحكماء على مستوى الأسرة، فكيف سنجدهم على المستوى الأكبر؟! نحن نحتاج توصيفًا حقيقيًا ودقيقًا لمشاكلنا من أهل التخصص، حتى يمكننا مواجهتها وعلاجها، ونحتاج أن يكون محور تفكيرنا وتركيزنا على بناء الإنسان، واستعادة القيم الإنسانية التى افتقدناها.. فلن يمكننا بناء الأسرة إذا فشلنا فى بناء الفرد.. وبالتالى إذا كنا عجزنا عن بناء الأسرة، فكيف سيمكننا بناء الوطن؟!