الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الثقافة وجه مضىء لثورة يوليو.. قراءات وكتابات مجلس قيادة الثورة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رسمت ثورة يوليو ملامح الثقافة الجديدة فى مصر والوطن العربى، بما حملته من جذور ومكونات قادتها وأدبائها، ورؤيتهم للمستقبل، حيث فجرت الثورة والقضايا التى تبنتها طاقات الإبداع لدى المثقفين والفنانين فى مصر، لتشهد تلك الفترة زخمًا أدبيًا وفكريًا وفنيًا ومسرحيًا وسينمائيًا، وأعمالًا إبداعية عدة، هى علامات بارزة فى تاريخ الثقافة المصرية والعربية
وليس هذا بغريب على ثورة نشأ جيلها وضباطها على حب القراءة، عندما كانت «المُطالعة» مادة أساسية فى نظام التعليم المصري، ومنها تفتحت شهية الكثير منهم على المزيد من الصفحات، فتعددت قراءاتهم فى العسكرية والسياسة والأدب؛ إضافة إلى علاقتهم الوثيقة بفن السينما».

قراءات وكتابات

كان الراحل محمد نجيب، أول رئيس لمصر بعد ثورة يوليو، عاشقًا للقراءة ومحبًا للثقافة وقراءة الكتب لكبار الكتاب فى مصر والعالم، واشترك مع رفيقه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى حب الروايات، خاصة أعمال توفيق الحكيم؛ وخلال فترة إقامته الجبرية كانت غرفته التى يقيم فيها بها سرير يكاد يختفى من كثرة الكتب الموضوعة عليه، فقد كان يقرأ فى مختلف العلوم والمجالات، مثل الطب والفلك والتاريخ وتفسير القرآن لكن ماذا عن بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة؟
كتب عبدالناصر ثلاثة كتب هى «فلسفة الثورة» و«يوميات الرئيس جمال عبدالناصر عن حرب فلسطين»، و«فى سبيل الحرية»، وهى القصة التى بدأها وهو طالب بالمدرسة الثانوية عن معركة رشيد وفازت بالجائزة الأولى فى المسابقة التى أجراها المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية وقتها.
أمّا الرئيس الراحل محمد أنور السادات، فقد غلبته نزعة الكتابة بأكثر من شهوة القراءة، فقد كان يعتقد جازمًا أن عبدالناصر «مات من كثرة القراءة»، على حد قول أحد معاونى عبدالناصر الذى عمل شهورًا إلى جانب السادات؛ وعُرف بأن قراءة القرآن الكريم كانت هى الأقرب لقلبه، وفق ما ذكره بنفسه فى كتابه «البحث عن الذات»، والذى حكى فيه سيرته الذاتية؛ لكن «الرئيس المؤمن» فى فترة شبابه كان شغوفًا بقراءة الأدب العالمي، خاصة الأدب الإنجليزي، حيث اهتم بقراءة روايات وليام شكسبير وتشارلز ديكنز وفيكتور هوجو.
مارس "السادات" كذلك الكتابة خلال فترة سجنه الانفرادية فى الزنزانة ٥٤ بالسجن الحربي، أثناء اتهامه بقضية اغتيال أمين باشا عثمان، وزير المالية فى حكومة الوفد ورئيس جمعية الصداقة (المصرية – البريطانية) خلال الحرب العالمية الثانية، قبل أن تظهر براءته؛ ففى سجن الأجانب -الذى كان يقضى فيه فترة الحبس الاحتياطى رهن التحقيق- طلب من إدارة السجن الجرائد، فأحضروها له مع بعض الكتب، وفكّر فى أن يقوّى نفسه فى اللغة الإنجليزية، فطلب بعض الكتب الإنجليزية، فأرسل له هيكمان مأمور السجن بعض القصص القصيرة باللغة الإنجليزية.
وأثناء فترة حبسه مارس الراحل كتابة الأدب الساخر، حتى إنه أصدر مع رفاقه فى السجن صحيفة ساخرة بعنوان «الهنكرة والمنكرة»؛ كذلك كان يكتب مقالات فى الصحافة المصرية، مثل مجلة «المصور» قبل ثورة يوليو، وعقب الثورة تولى رئاسة مجلس إدارة صحيفة «الجمهورية» الناطقة بلسان الثورة، كما ألّف عددًا من الكتب أبرزها «يا ولدى هذا عمك جمال» و«وصيتي»؛ أمّا كتابه الأشهر «البحث عن الذات»، والذى روى فيه سيرته الذاتية منذ طفولته فى قريته «ميت أبوالكوم» بمحافظة المنوفية وحتى رحلته التاريخية إلى القدس المحتلة، فيُعّد من أهم الكتب التى أثرت الحياة السياسية، حيث ألقى الضوء على المتغيرات السياسية المختلفة لمصر خلال تلك الفترة وذكر خلال الكتاب العديد من الوثائق المهمة عن حرب أكتوبر ومعاهدة السلام وغيرها.
أمّا أسطورة وزراء الثقافة فى تاريخ مصر الحديث ومؤسس نهضتها الثقافية فى أعقاب ثورة يوليو ثروت عكاشة، فقد كان قارئًا بامتياز، لذلك كان مُدركًا للأهمية التاريخية لصناعة نهضة ثقافية توازى فى عظمتها ما يتم إنجازه على الصعيدين الثقافى والتنموى فى البلاد.
يحكى ثروت عكاشة فى مذكراته التى نشرها تحت عنوان «مذكراتى فى السياسة والثقافة» أنه كان فى صباه شديد الميل إلى القراءة، وأن والده هو من رعى فيه حبه للقراءة، فقد كان هو الآخر قارئًا وكان يحب أن ينشأ ابنه على ميوله نفسها؛ وأشار إلى أن الوالد كان يشجعه على القراءة ويجازيه عليها كلما رآه حافظًا لما قرأ، وخاصة كتاب «على هامش السيرة» الذى كان يُحب أن يقرأه كما قرأه هو الآخر، حتى أنه كان يجازيه عن كل فصل يحفظه من هذا الكتاب جزاء ماديًا كان له أثر عظيم واقع فى نفسه عندها؛ يقول: «لقد حفزنى هذا الجزاء والتشجيع وذاك الميل، إلى أن أحذو حذو أبى فى ميوله فأكون صاحب مكتبة على غراره، فأخذت أجمع ما عن لى من كتب كان مصروفى اليومى يتيح لى اقتناءها، وحين أحس منى أبى هذه الرغبة أسهم فى تزويد مكتبتى الناشئة بالكتب التى تتفق مع سني».
تعلق ثروت عكاشة بالثقافة منذ صغره، لم يرتبط بالكتاب فحسب، بل بالفنون الراقية أيضًا قال: «أنا من الصغر صاحب مكتبة موسيقية طبعت أذنى على تذوق هذا اللون من الموسيقى الكلاسيكية والألحان العالمية.. وعلى قدر من الوعى يمكننى من الحكم والاختيار بين ما هو رائع وما هو دون ذلك، هذا إلى أن شغفى بالقراءة كان يتسع لما ينشر عن الموسيقى، فجمعت ما بين تذوقها والإحاطة بآدابها»؛ وكان يتداخل العام بالخاص فى مذكراته، حيث كان يتسلل رغما عنه إلى مجاله الأثير الفنون، ففى الجزء الخاص بتنظيم الضباط الأحرار سرد بدايات التنظيم، وكيف اجتمع شمل أعضائه، والمنشورات التى كانت تصدر عنهم، وينفذ من ذلك الحديث التاريخى إلى قصته مع الموسيقى الكلاسيكية تحديدًا، وعشقه لحفلات الأوبرا وفنونها الراقية منذ صغره، ويترجم نشيدًا عذبًا يختتم به الفصل، لتتلاقى فى الصفحات السياسة بالفن والتأريخ العام بالمشاعر الخاصة، لم يتخل عاشق الثقافة عن هواه، رغم الالتزامات العسكرية وزحمتها، انتسب إلى كلية الآداب، وحصل على دبلوم فى الصحافة، وفى المرحلة نفسها انتسب إلى كلية الأركان.
ونجح فى نيل شهادتها لتترقى رتبته فى الجيش، ولم تكن نظم الجيش تسمح لعكاشة بالكتابة فى الصحف والمجلات، لكنه تحايل على ذلك، فنشر بعض كتاباته فى جريدة «المصري»، ووقعها باسم ثروت محمود ما بين عامى ١٩٤٥ و١٩٥٢؛ وقد كان الوزير الأشهر كذلك دومًا أميل ما يكون إلى قراءة الأساطير والتنقيب فى سير العظماء، وأرجع عكاشة فى حديثه السبب فى ذلك إلى الأثر الذى تركه فيه كتاب «على هامش السيرة» بأجزائه الثلاثة، وكان مُقدّرًا لهذا الرجل أن يرسم مستقبل الثقافة المصرية عبر العديد من القطاعات أبرزها إنشاء أكاديمية الفنون وقصور وبيوت الثقافة التى أوصلت الفنون والثقافة المجانية إلى أقاليم وقرى مصر، وهو كذلك من نفذ مشروع الصوت والضوء وكان أول وزير يستقيل من منصبه فى مجلس الوزراء.
ورغم ذلك أصر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر على إعادته للوزارة مرة ثانية بعد أن قضى أربع سنوات مديرا للبنك الأهلي؛ ولكن الإنجاز الضخم الذى حققه ثروت عكاشة لم يكن فقط فى بناء جسور الثقافة ومدها حتى الحقول وأجران القمح، بل كان فى إنقاذ وجه من وجوه الحضارة بتقديم أعظم فكرة أنقذت تراث مصر ومعابدها من الغرق بسبب بناء السد العالى عندما فكر فكرة غير مسبوقة بتفكيك معبدى أبوسمبل ونقلهما مع آثار النوبة.
وكما كان قارئًا نهمًا، ترك لنا ثروت عكاشة مؤلفات حافلة قاربت المائة كتاب من المؤلفات والترجمات والمعاجم، منها موسوعة تاريخ الفن «العين تسمع.. والأذن ترى» التى تقع فى ٢٥ مجلدًا، إضافة إلى ترجمة الأعمال الكاملة لجبران خليل جبران فى «روائع جبران»، و«المسرح المصرى القديم» لأتين دورتون، و«مولع بفاجنر» لجورج برنارد شو، و«فن الهوى» للشاعر اللاتينى الأشهر أوفيديوس، و«مسخ الكائنات»؛ وفى تحقيق التراث أخرج كتاب «المعارف» لابن قتيبة، وفى المعاجم «المعجم الموسوعى للمصطلحات الثقافية» الذى يعد مدخلًا لا غنى عنه لفهم عوالم الثقافة المعاصرة فى أبعادها المختلفة.