رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

المؤرخ الكنسي أيمن عريان لـ"البوابة نيوز": كتب المعجزات انتشرت لأسباب تجارية.. وهناك أشخاص اغتنوا من ورائها.. "القداسة" ليست منحة تتفضل بها الكنيسة.. والمجهولون من أتقياء الله أكثر مما نعرفهم

المؤرخ الكنسي أيمن
المؤرخ الكنسي أيمن عريان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المؤرخ الكنسي أيمن عريان يدعو لتنقية كتب الكنيسة من الخرافات
كتب المعجزات انتشرت لأسباب تجارية.. وهناك أشخاص اغتنوا من ورائها
"القداسة" ليست منحة تتفضل بها الكنيسة.. والمجهولون من أتقياء الله أكثر مما نعرفهم
دخلت عالم الكتابة بالصدفة.. و"فوزية إسحق" السبب 
فترة الـ40 عاما للاعتراف بالقداسة ليست قانونا بل عرف.. ولا يشترط أن يكون القديسين أصحاب مواهب ومعجزات
أعمل على تسجيل تراث الأقباط بالـ150 عامًا الماضية.. وصعيد مصر يحوي جزءا كبيرًا من المشروع
على الرغم من صغر سنه، إلا أن أيمن عريان بشرى، يعد واحدًا ممن يحملون على كاهلهم تسجيل تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المعاصر، وأصدر عددا كبيرا من الكتب التى سجلت سيرة حياة قديسي الكنيسة المعاصرين، وقدم للأقباط قديسة تنتمي لعالم المهمشين وعرفت بأم الغلابة.
"البوابة" تحاور أيمن عريان خريج كلية التجارة جامعة عين شمس، والمولود بإحدى القرى بمحافظة كفرالشيخ، ثم انتقل مع عائلته للقاهرة بحي المطرية في سن الثامنة، وفي كنيسة العذراء بالمطرية بدأ نموه الروحي، ثم خدم منذ أن اجتاز مرحلة إعداد الخدام بذات الكنيسة، والتي تقع في محيط تراثي وتاريخي في منطقة شجرة مريم الأثرية.
وأثرت عوامل البيئة الريفية الأولى، مع السكن بحي أثري وتاريخي عريق، في تشكيل شخصيته منذ الصبا، إلي جانب محبته لقديسي الكنيسة التي تشربها من الخدام الأوائل الذين سقوه الإيمان والتراث والتاريخ.
فإلى نص الحوار..

- ما الذي دعاك لكتابة قصص قديسين معاصرين؟
لم أكن قد بدأت الكتابة بعد، ولا كانت بخطتي ولا خطرت ببالي من الأساس، وحين كنت طالبًا بالسنة الثانية من حياتي الجامعية، قرأت عن شخصية قديسة معاصرة، تدعى فوزية إسحق في كتاب الأب القديس لوقا سيداروس، كان عنوانه "رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين" وكاد قلبي يطير من الفرح، من قوة وتميُّز ما قرأت.
وقلت في نفسي لما لا أقابل زوجها د. أنسي بالإسكندرية، وأقوم بالكتابة عن سيرتها في كُتيّب صغير وأوزعه على أبناء كنيستي، وبالفعل وجهت قبلتي نحو الإسكندرية والتقيت بزوجها.
وأب اعترافها الكاهن الإسكندراني الورع القمص كيرلس داؤد، راعي الكنيسة الذي كتبت شهادته عنها بخط يده. 
وبعدما سجلت السيرة، وجدت أنها تستحق أنها تخرج في كتاب ومستقل، وليس مجرد نبذة صغيرة، والتقيت بالأنبا متاؤوس أسقف دير السريان العامر، حيث نبهّني أحد الرهبان الأفاضل بالعزباوية للتعرُّف إليه، ليقوم بمراجعة كتابي المتواضع ويكتب مقدمة له، ولم أكن بعد أعرف هذا البروتوكول الكنسي، لكن نيافته شجعني وباركني ولم يستصغرني. 
ولا أنسى يوم استلامي لمقدمة الكتاب بيد الأنبا متاؤوس، أنه حكي بعد القداس بالعزباوية وأمام عائلات مسيحية كثيرة ما يحتويه كتابي وأثنى كثيرًا على جهدي، وكان هذا درسًا قويا تعلمت منه التواضع وتشجيع صغار النفوس، وذكي بداخلي روح التشجيع أيضًا للآخرين.
وانتشر الكتاب بصورة رائعة بين الأقباط، وكانت هذه الخطوة الأولى للكتابة التي دخلت عالمها بالصدفة.



- من هم أشهر القديسين الذين كتبت عنهم؟
دبرت عناية الله أن تستخدمني لتسجيل وتأريخ وكتابة قرابة ستة عشر كتابًا، بإجمالي نحو ثلاثين شخصية بارة ومجهولة، ومن البداية اخترت اسما للسلسلة تحت عنوان "سلسلة الإنجيل المعاش"، والتي شقت طريقها منذ سنة 1997 وحتى الآن.
وتتعجب عندما تعرف أن هذا الإنتاج الكبير والواسع الانتشار، والمتداول منذ سنة 1997 وحتى سنة 2006، فقد توقفت عن النشر لظروف عملي الخاص منذ صدور أخر كتاب عن البابا مكاريوس الثالث، الذي كان مطرانًا لأسيوط ثم تقلد البابوية، وقدمه القمص مرقس عزيز خليل كاهن الكنيسة المعلقة.
وأشهر تلك الكتب هي "أم الغلابة" التي أصدرتها عام 2000، ولاقت قبولا واسعًا بين صفوف الشعب القبطي.
ومن ضمن الكتب التي لا أنساها، الشخصية المقدسة التائبة "حبيب فرج"، الذي رحل في الأربعينيات عن عمر سبع وعشرين ربيعًا.



- كيف سمحت لنفسك أن تعطي لقب القداسة لأشخاص لم يعترف المجمع بقداستهم؟ 
حياة هؤلاء الذين كتبت عنهم كانت ملء التقوى والقداسة، ومشهود لهم من الذين عرفوهم وعاصروهم بأن سيرهم فاحت منها رائحة المسيح الذكية.
فحينما أكتب عن شخص ما تبع الرب، فأنا لا أضع في ذهني فكرة الاعتراف القانوني للمجمع بسيرته أم لا، هذا ليس شأني وغرضي، فأنا أكتب عن أمثلة يتعزى بها الناس ليس إلا، وأحاول التركيز على نماذج من العلمانيين المتزوجين أيضآ، لتشجيع الناس على امكانية الحياة مع الله للذين عاشوا بالعالم.
والقداسة ليست منحة تتفاضل بها الكنيسة على من عاش للرب، بقدر ما هو أسلوب حياة دعانا له المسيح: "كونوا قديسين.. كونوا كاملين"، هذه هي كل قضيتي وغرضي. 
وأعتقد أنه في يوم من الأيام، إن أرادت الكنيسة الاعتراف بشخص ممن كتبت عنهم بعد فترة من الزمن، فستكون كتبي هي أحد المراجع التي من الممكن الاستناد عليها في تشريع قداستهم، وعامة ليس كل قديسين الكنيسة منذ قيامها وحتى نهاية العالم، معترف بهم من قبل الكنيسة، هذا أمر غير منطقي، لكنها فقط تعطي بعض الدلائل من خلال حياة البعض، وليس مطلوب منها الاعتراف بكل شخص، فالمجهولين من أتقياء الله أكثر كثيرًا ممن نعرفهم.



- في رأيك من هو القديس في الكنيسة؟
القديس هو من عاش كالقدوس، كل من سكنه الروح القدس وارتاح فيه الثالوث الأقدس، كل من سلك بالروح وطاع وصايا الرب، الذي يحب المسيح ويخدم الكنيسة والمجتمع.. لا يهم رتبته أو عمره أو درجته العلمية أو خلفية بيئته أو لغته.



- ولماذا تحدد الكنائس فترة 40 أو 50 سنة للاعتراف به؟
أصدمك حينما تعرف أنه ليس قانونًا مجمعيًا، بل الأمر له قصة بدأت مع اعتراف المجمع المقدس بقداسة الأنبا إبرام أسقف الفيوم في عهد البابا كيرلس السادس، فقد نبه الأنبا شنودة أسقف التعليم آنذاك بأن الرجل مر عليه قرابة الخمسون عامًا، فاعتبر من حينها عرفًا تم العمل به.. فهو بالأصل ليس قانونًا بل عرفًا.
- هل حكايات المعجزات هي شرط للقداسة؟
ليس شرطًا على الإطلاق أن يكون القديسين أصحاب مواهب ومعجزات، فلا يذكر مثلا لقديس كبير بحجم الأنبا بولا أنه فعل أي معجزة بحياته. 
وليس كل من يفعل المعجزات بالضرورة شخصًا تقيًا، بل أن كثيرين هلكوا رغم أنهم فعلوا معجزات وآيات عظيمة، وبولس الرسول نفسه يقدم المحبة كأساس وعلامة أساسية لمن تقدس، ويقول في أصحاح المحبة المعروف: " وأن كانت لي نبوة، وأعلم جميع الأسرار وكل علم.. وأن كان لي كل الأيمان حتى أنقل الجبال، ولكن ليس لي محبة، فلست شيئًا" (1كو2:13)
لكننا نؤمن بحسب كلمة الله أن الأيات تتبع المؤمنين، نعم في استطاعت المؤمنين أن يصلوا والرب يستجيب لطلبتهم لأن طلبة البار تقتدر كثيرًا في فعلها.
ومشكلة مسيحيي هذا الزمان أنهم يتبعون المعجزات، وكان من المفترض أن تتبعهم المعجزات كما قال المسيح.
- وفي رأيك، لماذا انتشرت كتب المعجزات بهذه الصورة الكبيرة في الكنيسة؟
كتب المعجزات انتشرت لأسباب أهمها السبب التجاري، فقد وجد الكثيرون أن كتب البابا كيرلس وأبونا عبدالمسيح المناهري تدر أرباحًا كبيرًا، وبالفعل هناك أناس اغتنت من وراء ذلك في السنوات الماضية، ما شجع الكثيرون على تجميع كتب ونبذات بمبدأ القص واللصق لذات الغرض التجاري، وهي الأسرع مبيعًا وانتشارًا في المكتبات المسيحية.
وأيضًا من ضمن الأسباب، ضعف التعليم اللاهوتي والآبائي، لأننا أقنعنا الناس زورًا أن الاقتراب من العلوم اللاهوتية هو ضد البساطة، فوجد البعض أن قراءة سير القديسين أسهل ومحببة للنفس وتدعم وجهة نظر الوعاظ في البساطة، وبالأخص انتشار الوعظ الأجوف الذي مال للقصص والمعجزات وقصص الرهبان والسواح.
وكذلك فإن الأمر يداعب روح الذات الجماعية، من مبدأ من انتسب للعظماء يصير عظيمًا، وأصبحنا نردد أن القديسين لا يخرجون إلا من الكنيسة الأرثوذكسية فقط، وبالتالي تكون هي ذات الإيمان الصحيح، وللأسف لازلنا نتاجر بهذا المبدأ، في الوقت الذي لم نكمل فيه مسيرة هؤلاء الأبرار الذين لم يفكروا يومًا في شهرة، ولم يتخيلوا يومًا أنهم سيكونوا حديث الأجيال.
- ولماذا يبحث الأقباط عن المعجزات بكل ضراوة؟
هناك أمور كثيرة ساعدت على ذلك، منها أن الناس تطمح في إدراك واقع غير ملموس لعالم الروح، بديلا لواقع مرير ملموس في عالم المادة لا يريدونه.
كما أن هناك احتياجا شخصيا داخل كل شخص، لأن ينهي الرب آلامه ويسدد احتياجه أيًا كان بمعجزة، فيذهب للتبرك من مزارات وأجساد قديسين الكنيسة، وبالأخص في الأديرة الأثرية، لعلهم يحظون بهذا.
- لماذا لم يحصل البابا كيرلس الرابع على اعتراف المجمع المقدس للكنيسة بالقداسة؟ 
لا أعتقد أن القديسين القدامي يحتاجون هذا، فبالفطرة هم أعمدتنا الأولى، ولا يستطيع أحد أن يوقف قداستهم على اعتراف مجمعي.
وهناك من التاريخ الحديث من نعلي من قيمته ومآثره رغم عدم مرور خمسون عامًا على رحيله، كالمتنيح القمص ميخائيل إبراهيم والمتنيح القمص بيشوي كامل وغيرهم.
أما بخصوص مطوب الذكر البابا كيرلس الرابع الملقب بـ"أبي الإصلاح"، فهو طفرة لا تتكرر كثيرًا في تاريخ الكنيسة، وهو من بواعث النهضة التعليمية المعاصرة في الوطن والكنيسة.
- ما الطريقة الصحيحة لكتابة سير القديسين؟
مبدئيًا من المهم أن ندرك أهمية كتابة سير القديسين والشهداء، من كونها صورة لمعاملات الله داخل النفس البشرية، وأيضًا هي جزء من تاريخنا في أي زمان ومكان، ولا ينبغي أن تضيع أو تهمل، وهي بالفعل نافعة للتعليم وتذكي فينا روح التقوى والتوبة.
لكن لابد من ضوابط، وهي أن تسجل عقب رحيل الشخص مباشرة فالتواريخ والأحداث لازالت بحالتها في أذهان الناس.
وأن تكون محققة وموثقة وأمينة، بشهود عيان أمناء ومنصفين، وأن نسجل ما للشخص وما عليه، من أمور إيجابية أو سلبية، وليتنا نركز على كون القديسين بشر ولهم أخطاؤهم، فلا ينبغي المجاملة أو المزايدة لأنها ليست لصالح السيرة ولا تاريخنا، والبعد عن تأليه الأشخاص.
كذلك أن تكون هناك رؤية ورسالة من خلال كتابة تاريخ الشخص، وأن نرى عمل الله فيه ونقدم نماذج سلوكية من حياته تكون نبراسًا للأجيال.
وأن تكون السيرة الذاتية للشخص مشهود له من الكنيسة (جماعة المؤمنين)، ولا يكون بسيرته ما يشينه أو يدينه ويحدث عثرة وبلبلة تهدم وتعثر أكثر ما تبني وتفيد.
- وما الطريقة المثلى لتنقية كتب الكنيسة والسنكسار من الخرافات؟
تحقيق التراث والتاريخ، خاصة بعد وجود آلاف المخطوطات والميامر بكل جامعات العالم وأيضًا الأديرة القبطية، فيسهل التحقق من الموروث وتنقيته من الشوائب والخزعبلات، وللبابا شنودة نيح الله نفسه تسجيلات صوتية في هذا الأمر، وقد نجح دير أنبا مقار على سبيل المثال في تنقيح وتحقيق أدبيات الرهبنة وقصص الرهبان في كتاب "بستان الرهبان"، وقدمه بصورة علمية محترمة.
كما أن هذا دور المجمع المقدس لحفظ هيبة الأيمان والتعليم السليم بمراجعة وتقييم الكتب القديمة أو الحديثة.
- ما مشروعك الحالي وما الكتب الجاهزة للنشر عندك؟ 
مشروعي الحالي تسجيل كل ما يخص تراث الأقباط وتاريخها في المائة وخمسين عامًا الأخيرة، لذا أنا أجول القرى والنجوع والمراكز في صعيد مصر الذي يحوي جزءًا كبيرًا وثريًا من هذا المشروع. 
أما عن الكتب فأنا أستعد لتقديم بعض الأفكار الجديدة في تعاملات الله، وأتحفظ على عرضها حتى تكتمل.