الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

بعد تعنت ترامب.. اشتعال أزمة اللاجئين وأوروبا أمام لحظة الحسم.. ألمانيا وفرنسا يخوضان مواجهة شرسة في اجتماع بروكسل القادم.. و72 % من الإيطاليين يدعمون طرد 600 ألف مهاجر

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى الوقت الذى يعاند فيه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للتمسك بعملية احتجاز المهاجرين غير الشرعين، وعزل أطفالهم فى مراكز احتجاز، وذلك رغم استنكار الرأى العام الأمريكي، لم يبق أمام المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلا الوقت القليل لإعادة النظر فى سياستها حول اللاجئين أمام الضغوط الممارسة عليها من الداخل وتقدم التيار الشعبوى فى المنطقة الأوروبية.

تصدر ملف اللاجئين صفحات أهم العناوين الفرنسية والعالمية بعد الأزمة التى تسببت فيها قضية السفينة «أكواريوس» التى تمكنت بعد أخذ ورد من الرسو على سواحل فالنسيا الإسبانية بدعوة من رئيس الوزراء الإسبانى بيدرو سانشيز، لإسعاف واستقبال 630 مهاجرا كانوا على متنها. 
وجاء رفض كل من إيطاليا ومالطا لإغاثة ركاب السفينة كمؤشر عن مدى التذمر الأوروبى وتصعيد الخطاب الشعبوى المعادى للاجئين، وهو ما دفع ربما المستشارة الألمانية التى تواجه نفس الإشكال بعد توجيه إنذار نهائى لها من قبل حلفائها من اليمين لإيجاد حل أوروبى لملف اللاجئين بالرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون. وأعطت الحكومة الألمانية أسبوعين مهلة لميركل قبل قرار غلق الحدود أمام المهاجرين. 
فتحت الصحف ووسائل الإعلام نقاشا عاما فى مسألة اللاجئين وجس نبض الرأى العام الفرنسى والأوروبي، وذلك ترقبا للاجتماع الأوروبى الذى سينعقد يومى ٢٨ و٢٩ يونيو فى بروكسيل لمناقشة الحلول الواجب طرحها حيث تدعم معظم الدول على رأسها النمسا وإيطاليا تشديد السياسة الأوروبية تجاه الهجرة غير الشرعية. 
فى حين يحاول ماكرون وميركل إعادة تأطير النقاش حسب «لوموند» وحمايته من الخطابات الشعبوية، وذلك بالحث على التفاوض مع شركائهم الأوروبيين لتفعيل إجراءات عديدة من شأنها احتواء أزمة اللاجئين وتحقيق الاستقرار المالى للاتحاد الأوروبي، من بينها إنشاء «منصات استقبال» للاجئين، وهو ما أعلنا عنه عقب اجتماع بمدينة ميزبرج الألمانية حين أكد كلاهما أن التعامل مع ملف المهاجرين بمنطق الحلول هو الخيار الأفضل بالنسبة لأوروبا وهو ما أكده إيمانويل ماكرون قائلا إن القمة التى ستعقد فى بروكسيل ستكون بمثابة: «لحظة الحقيقة بالنسبة لأوروبا».

فيما ترى ميركل أن أوروبا يجب أن «نجد مكانتها فى عالم متعدد الشراكات»، وصرحت ميركل بأن الأولوية اليوم هى التعامل مع قضايا الهجرة من خلال دعم المساعدات فى مجال التنمية أو المبادرات لإرساء الاستقرار السياسى فى مناطق التوتر كما أعلن الرئيسان أن الوكالة الأمنية المكلفة بحراسة الحدود ستشهد زيادة فى ميزانيتها وإمكانياتها البشرية حيث أشارت ميركل إلى أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار «الموقف الإيطالي» ووجهات نظره.
كذلك أعلن ماكرون مقترح إنشاء وكالة أوروبية لحق اللجوء بهدف مواكبة القوانين الحالية لدول الاتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى إرساء آليات استقبال تعمل حسب المستشارة لاستقبال المهاجرين الذين هم بحاجة لحق اللجوء وبالتالى استبعاد ما أسمتهم بـ«اللاجئين الماديين» وكذلك إنشاء منصات استقبال للمهاجرين غير الشرعيين تكون مواقعها خارج نطاق الاتحاد الأوروبى وبالتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين.
تذمر أوروبى
تراجع ميركل وماكرون عن تمسكهما بالدفاع عن ملف اللاجئين لم يأت فقط من الضغوطات النمساوية والإيطالية، بل كذلك عن التخوف المتزايد داخل العديد من البلدان تجاه انعكاسات أزمة اللاجئين عليها خصوصا فى سوق العمل، والأمن وهوية بلد الاستقبال. نشرت جريدة «لوفيجارو» تحقيقا شمل ١٨ ألف شخص من ٢٥ بلدا، يتضمن دراسة سياسية واجتماعية فى الموضوع الذى أصبح الشغل الشاغل للرأى العام الأوروبى بل وأصبح جزءا من أجندات السياسة فى كل بلد ونقطة حساسيات قسمت الحلفاء والخصوم حسب «لوفيجارو» التى تستشهد بالانتخابات الإيطالية وعجز ميركل فى إيجاد التوافق داخل التحالف الحكومي. 
بل وأحدث مسألة اللاجئين والمهاجرين شرخا عميقا بين بلدان الاتحاد الأوروبى فى ظل التغييرات السياسية الطارئة والتى ليست سوى تعبير صريح لمدى انقسام الرأى العام فى كل بلد حول هذه المسألة. 
لعل أبرز مثال على ذلك التقرير الذى نشرته جريدة «لوبوان» تحصى فيه أن ٧٢٪ من الإيطاليين سواء كانوا من اليمين أو من اليسار يدعمون سياسة وزير الداخلية الإيطالى ماتيو سالفينى لتصنيف غجر الروما وطرد ٦٠٠ ألف مهاجر خارج البلد، وذلك رغم أن ملف الهجرة لا يحتل سوى ٢٥٪ من مساحة الرأى العام فى حين يرى ٦٥٪ من الإيطاليين أن الأولوية هى لدراسة المشاكل الاقتصادية للبلد، وحسب «لوبوان» فإن سالفينى تمكن بفضل حملة إعلامية شرسة ومدروسة أن يملى أجندته السياسية ويقنع الرأى العام أن الخطر قادم من الهجرة، بغض النظر عن الاعتبارات الإنسانية بل والإثنية حيث شبهت بعض الأصوات المعارضة تصنيف أقلية الروما بتصنيف اليهود فى عهد النازية.
ويدخل هذا فى سياسة عمياء لدحر أزمة اللاجئين، حيث تحملت إيطاليا حسب «لوفيجارو» لوحدها أعباء استقبال ٦٩٠ ألف لاجئ قادم من البحر المتوسط منذ ٢٠١٣ بعد أن رفضت كل من المجر وبولونيا وسلوفاكيا وأدى هذا إلى الانقلاب فى الرأى العام. 

ميركل فى مهمة مستحيلة.
وفى منبر آخر على جريدة «لوبوان» يرى الصحفى باسكال هوج أن ميركل التى تفادت بأعجوبة صداما مع وزير الداخلية الألمانى هرست شيهوفر، فهى لا تمتلك فعليا متسعا من الوقت لعقد اتفاق خلال الأسبوعين المفروضين عليها. حيث تسبب ملف اللاجئين فى أزمة غير مسبوقة فى حلف المستشارة الألمانية حيث يؤكد أنصار هرست شيهوفر أنه لم يعد هناك مجال للتفاوض مع الشركاء الأوروبيين وأنه حان الوقت للحد من دخول «سياح الهجرة» عبر حدودهم. 
كذا وجدت ميركل نفسها تستنجد بإيمانويل ماكرون، حليفها فى تطوير مشروع أوروبى جديد، مستعدة لمواصلة المباحثات مع النمسا، والإيطاليين واليونانيين على أمل الوصول لإجماع أوروبى موحد لمواجهة تدفق المهاجرين غير الشرعيين واستقبال اللاجئين وهو ما يعتبر بالنسبة للمراقبين بالمر المستعصى خلال فترة خمسة عشر يوما فى حين أن التوافق الأوروبى فى المسألة لم يحدث منذ ثلاث سنوات.
ومع ذلك فرضت ميركل مرة أخرى لنفسها رهانا جديدا رافضة الانسياق نحو الحلول السهلة، والخوض مجددا فى مجال التفاوض رغم أن ذلك يكلفها انقلاب الحلفاء ضدها.