رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

صفحات من تاريخ التمدن في الإسلام.. النظام القضائي (8)

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما انتشر الإسلام في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه واختلط العرب بغيرهم من الأمم، دعت حالة المدنية الجديدة إلى إدخال نظام تشريعي لفض المشكلات والمنازعات التي تنشأ بين الأفراد من العرب وغيرهم.
وقضى هذا النظام بتعيين قضاة ينوبون عن الخليفة في فض هذه المنازعات طبقا لأحكام القرآن والسنة والقياس، والسنة ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، ويقصد بالقياس ان القاضي إذا عرضت عليه قضية لم يجد فيها حكما منصوصا عليه في القرآن الكريم ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن صدر فيها حكم بإجماع من الصحابة، بحث عن مشكلة تشبه المشاكل التي بين يديه يكون قد صدر فيها حكم من القرآن أو السنة أو الإجماع، وهو اتفاق مجتهدي الأمة في عصر من العصور على أي حكم من الأحكام، بشرط أن يكون له مستند من الكتاب والسنة، وفي ذلك يقول الماوردي في كلامه عن الشروط التي يجب ان تتوفر في القاضي: عمله القياس الموجب لرد الفروع المسكوت عنها إلى الأصول المنطوق بها والمجمع عليها، حتى يجد طريقا إلى العلم بأحكام النوازل وتمييز الحق من الباطل.
كان القضاء في عهد الخلفاء الراشدين محترم الجانب، وكان يراعى في اختيار القاضي غزارة العلم والتقوى والورع والعدل. وكان القاضي يحكم في بعض الأحيان بحسب ما يوحى إليه اجتهاده، بمعنى انه اذا سئل في واقعة وقعت بالفعل أخذ من النصوص الواردة في الكتاب والسنة والحكم المراد تطبيقه، فإن لم يكن في الواقعة نص من الكتاب والسنة اجتهد برأيه وقاس الأمور بأشباهها، ومن ثم أصبح الاجتهاد (أو الرأي أو القياس) مبدأ يعتد به في الأحكام القضائية في العصور التالية، وأصبحت تبنى عليه أكثر الأحكام.
ولم يكن للقاضي كاتب أو سجل تدون فيه الأحكام، لأنها كانت تنفذ على أثر البت فيها، وكان القاضي يقوم بتنفيذها بنفسه، كما كان القاضي يجلس للحكم في منزله أولا، ثم أصبح يجلس في المجلس ليفصل في الخصومات.
وقد تميز القضاء في العهد الأموي بميزتين، الأولى: أن القاضي كان يحكم بما يوجبه إليه اجتهاده، إذا لم تكن المذاهب الأربعة التي تقيد بها القضاة قد ظهرت بعد، فكان القاضي في هذا العصر يستنبط الحكم بنفسه من الكتاب والسنة والاجماع أو يجتهد في الحكم اجتهادا، أما الميزة الثانية: أن القضاء لم يكن متأثرا بالسياسة، إذ كان القضاة مستقلين في أحكامهم لا يتأثرون بميول الدولة الحاكمة، وكانوا مطلقي التصرف وكلمتهم نافذة حتى على الولاة وعمال الخراج.