الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الواقع الإثيوبي "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
استكمالاً لما بدأناه فى الأسبوع الماضى، من شرح مفصل للواقع الإثيوبى، وكنا قد أكدنا على أن إثيوبيا لم تكن أبدًا دولة موحدة من حيث التاريخ والثقافة، واللغة المشتركة، إلا فى أوقات الحروب فى القرن التاسع عشر، حيث حاربت ضد القوى الخارجية مثل الأتراك والإيطاليين، وكذلك المصريين والسودانيين.
وعلى العكس من ذلك، كانت الجماعات العرقية المختلفة تنخرط فى حروب داخلية ضد هيمنة وتوسع «الغزاة الإثيوبيين» هذه الهيمنة التى كانت تقودها جماعتا الأمهرة، والتيجرى بمساعدة من الأوروبيين.
ونتيجة لتفوق الأمهرة فى المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية فى البلاد، فُرضت اللغة والتاريخ، والثقافة الأمهرية على الجماعات الأخرى سواء من خلال الوسائل السلمية، أو وسائل الاستيعاب الأخرى.
ويرى بعض علماء الأورومو أنه لا توجد هوية واحدة تسمى «إثيوبيا» أو«الإثيوبية»، وتاريخيًا كان السكان الذين يسمون اليوم، الإثيوبيين هم من القاطنين الأصليين لهضبة الحبشة، والأحباش كانوا يعيشون فى المرتفعات الإثيوبية (شمال جوندار والجوجام، التيجرى، الوال، والشوا) نظرًا لقربها من البحر الأحمر، وكان الأحباش على اتصال وثيق مع القوات الأوروبية، وعلى رأسها اليونانية، والتى مكنتهم من بناء إمبراطورية من خلال استعمار وإخضاع أعدائهم التقليديين، وعندما أصبحوا أقوياء عسكريًا واقتصاديًا قاموا بتدعيم قوتهم عبر جمع الضرائب من الجماعات العرقية الأخرى لبناء مملكتهم. وكان التصور السائد أن إثيوبيا «جزيرة مسيحية تعيش فى بحر إسلامى».
وخلال حكم هيلا سيلاسى (١٩٣٠-١٩٧٤) الذى أسس لنظام شديد المركزية تحت سيطرة الأمهرة، فرضت عقوبات وحشية على جماعة الأورومو، إلا أن نظام الحكم الاشتراكى منحهم بعض الحقوق الاقتصادية، ولكن اهتمام هذا النظام بمحاولة بناء دولة على النموذج السوفييتى أدى فى النهاية إلى سخط القوميات المختلفة من غير الأمهرة، خاصة الأورومو على هذا النظام.
وخاضت جماعة الأورومو كفاحًا مسلحًا ضد حكم هيلا سيلاسى خلال الستينيات، كما تعاونت جبهة تحرير الأورومو التى نشأت عام ١٩٧٣، مع القوى التى أرادت إسقاط نظام الدرج، واستطاعت تحقيق شعبية كبيرة فى المناطق التى يعيش فيها الأورومو، وفى عام ١٩٩١ انضمت جبهة تحرير أورومو إلى الحكومة الانتقالية بقيادة جبهة تحرير شعب التيجري. وقد شنت جبهة تحرير الأورومو منذ عام ١٩٩٢ «كفاحًا مسلحًا ضد حكومة الجبهة الشعبية الثورية، بعد أن اضطرت للانسحاب من انتخابات يونيو ١٩٩٢، ولم تستطع المشاركة فى البرلمان أو الحكومة منذ ذلك التاريخ، وبعد ابتعاد جبهة تحرير أورومو عن العملية السياسية أصبحت المنظمة الديمقراطية لشعب الأورومو تسيطر على مقاعد مجلس النواب الخاصة بولاية أوروميا، وأصبحت هذه المنظمة تحتكر بصورة شبه كاملة السلطة السياسية فى الولاية منذ عام ١٩٩٢. فيما احتفظت جبهة تحرير أورومو بمكانتها الروحية باعتبارها أقوى رمز معبر عن قومية الأورومو، وهى محور الخطاب السياسى فى أوروميا. نأتى إلى نقطة مهمة، وهى أسباب إخفاقات الفيدرالية الإثنية فى التجربة الإثيوبية لنعود إلى عام ١٩٨٩ حينما اندمجت جميع الفصائل المعارضة للنظام لتشكل الجبهة الإثيوبية الشعبية الثورية الديمقراطية تحت قيادة جبهة تحرير شعب التيجرى لقلب نظام حكم الدرج الاشتراكى، وفى مايو ١٩٩١ سيطرت الجبهة الشعبية على البلاد واختارت نموذج «الفيدرالية الإثنية» لمعالجة مشكلة الاندماج الوطنى وتسوية النزاعات العرقية، إلا أن حزب الجبهة الشعبية الثورية الحاكم عانى من إخفاقات مختلفة فى تحقيق هذه الفيدرالية، والتى أقرها دستور عام ١٩٩٤ حيث انقسمت البلاد إلى تسع ولايات ومنح الدستور هذه الولايات حق المطالبة بالانفصال عن الدولة الإثيوبية وفقا لشروط حددها الدستور، كما عمل الحزب على استغلال الدستور فى الاستيلاء على الأراضى حيث يقر بإن جميع الأراضى هى ملك للدولة. وفى إطار برنامج توسيع العاصمة أديس أبابا، امتدت المدينة إلى قرى الأورومو المجاورة واستولت الحكومة على الأراضى الزراعية والغابات بها حيث تم طرد أكثر من ١٥٠ ألفًا من المزارعين الأورومو من أراضى أجدادهم دون تعويض مناسب، أو إعادة توطين سليم حتى أصبحوا عمال يومية على أراضيهم. وفى الوقت الذى حاول فيه بعض المسئولين الحكوميين استيعاب موجة الغضب، أصرت وسائل الإعلام الحكومية على إظهار جهل المحتجين بإنجازات النظام الحاكم، والجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية.
الخلاصة: انتصر الشعب الأورومو بالاحتجاجات السلمية، ودافع عن جميع حقوقه بالصبر والتحدى والنضال، وأجبر هذا الشعب الاتحاد الأوروبى وأمريكا للانصياع لإرادتة فى اختيار أبى أحمد رئيسًا للوزراء بدلاً من ديسالين.
وبناء على ما سبق سنجد أن إثيوبيا كدولة ليست هى الكيان الذى يمكن أن نعتبره عدواً صعب المراس، هذا إن جاز أن نسميه عدوًا من الأساس، فهل ننتظر مستقبلًا مشرقًا بين مصر وإثيوبيا؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.
حفظ الله مصر وشعبها وجيشها.