رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

مؤتمر دولي حول "الليتورجيا والفن المقدس بالتراث السرياني"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نظم معهد الليتورجيا في كلية العلوم الدينية والمشرقية، وقسم الفن المقدس في كلية الفنون التطبيقية والفنون الجميلة بجامعة الروح القدس "الكسليك"، مؤتمرًا دوليًّا بعنوان "الليتورجيا والفن المقدس في التراث السرياني".
شارك الحضور عميدو الكليتين المنظمين الأب يوسف طنوس والدكتور بول زغيب، رئيس قسم الدراسات السريانية والإنطاكية ومدير قسم الفن المقدس الأب عبدو بدوي، مدير معهد الليتورجيا الأب زياد صقر، إضافة إلى أعضاء مجلس الجامعة وعدد من الآباء والإخوة والأخوات والأساتذة والطلاب.
وقال الأب زياد صقر، في كلمته التي القاها اليوم الثلاثاء بالجامعة، إن "الفن المقدس قد وضع في قلب الـممارسة العملية للمؤمن أي في قلب الليتورجيا كوسيلة للصلاة والتأمل وخاصة توطيد حدس من يرى ومن يسمع، إذ يلعب بجميع أبعاده دورًا تعليميًّا تربويًّا في الليتورجيا، التي من خلالها يعيش المؤمن حياته الروحية في أبعادها الجوهرية، فالليتورجيا هي عمل الإنسان في تمجيد الله وعمل الله في خلاص الإنسان وعمل الله والإنسان معًا في إعداد الملكوت السّماويّ وتقديس الإنسان والكون".
وتساءل: "من منَّا يستطيع إذًا حجب رؤية الفنّ المقدّس الذي نراه في كنائسنا؟ ومن يستطيع أن يخرس الكلمات أدبًا وشعرًا عندما يصلّي ويتأمّلَ أو يَصمَّ أذنيه عن الموسيقى والنّغَم والألحان والتّرانيم عندما يناجيَ الله؟ أليسَ من خلال اللّيتورجيا والفنّ يتجسَّد حضور الله في الجماعة الـمصليّة؟ اللّيتورجيا بمعزل عن الفنّ جسد من دون روح، والفنّ بمعزل عن اللّيتورجيّا أرض بلا سماء، اللّيتورجيا إذًا من دون الفنّ الذي تصوغه بلونها، وتطبعه بطابعها وتندمج به، وتقدّسه بنعمتها، تبقى مصلى فقيرا هزيلا لا يجذب روح المؤمن المصلى ولا يسمو به إلى مراقي العلاء، كعمارة بدائيّة حقيرة الشّكل والمضمون، من يحيا روحيا ليتورجيّة الكنيسة الجامعة وبصلاة وتمجيد وباستقامة رأي، هو وحده يستطيع الارتقاء بواسطة الفنّ المقدّس إلى مستوى الاتّصال بعالَم الألوهة".
بينما أكد الأب يوسف طنوس، عميد كلية العلوم الدينيّة والمشرقية، أن "الليتورجيا كانت ولا تزال عمل الشعب وصلاته، فاستخدمت كل العناصر التي تساعدها على تحقيق أهدافها، واستعانت بجملة من الفنون، وأطلق عليها لقب "الفنّ المقدّس"، لأنها ارتبطت بعمل مقدّس وبالمساعدة على إضفاء جو احتفاليّ منظّم، فبات هدفها ليس الفنّ بحدّ ذاته، بل تمجيد الله وتقديس المؤمنين بطريقة فنّيّة تليق بالمحتفى به أي بالله، وتسمح للمحتفلين بأن يرتقوا بأفكارهم وتطلّعاتهم إلى عالم الرّوح، إلى عالم القداسة، وللكنائس السّريانيّة تراث مهمّ وأصيل في الفنّ المقدّس، حافظت على بعض عناصره، واستعارت عناصر من الكنيسة اللّاتينّية، ومن جديد تطوّر الفنون التي تتلاقى واللّيتورجيا في الاحتفالات الطّقسيّة، وهذا التّراث الإنطاكيّ في الفنّ المقدّس، يفرز رصيدًا مهمًّا مشتركًا بين عائلات الكنائس السّريانيّة، وحتّى مع الكنائس الإنطاكيّة البيزنطية".
وتابع: أمل أن "تساعد الأبحاث التي ستقدم في هذا المؤتمر على فهم أعمق للتراث والحفاظ عليه من دون تقوقع، وعلى اختيار العناصر الجديدة التي تتآلف وخصائص هويّة كلّ كنيسة، إنّ العولمة لم ولن تتوقّف عند أبواب الكنائس، بل سبق واقتحمتها منذ زمن طويل ولا تزال، تارة بحجّة التّطوّر، وطورًا بحجّة التّغيير والانفتاح، فلتعمل كلّ كنيسة على إبراز فنّها المقدّس وشرحه للمؤمنين لتثقيفهم فيحافظوا عليه؛ ولتختر كلّ كنيسة ما يناسبها ممّا يقدّم لها من فنون مقدّسة معتمدة في الكنائس الأخرى أو فنون جديدة آتية مع رياح العولمة، فتحافظ بذلك على العناصر الأساسيّة لهويّـتها اللّيتورجيّة، وإلّا ستجد نفسها إمّا مطوّقة بعادات هجينة أو باحثة عن مؤمّنيها خارج دور العبادة".
بعد ذلك، قدّم الأب عبدو بدوي رئيس قسم الدراسات السريانية والإنطاكية ومدير قسم الفن المقدس المحاضرة الأساسية بعنوان "الفن المقدس والفن الديني"، شارحًا الفرق بين الاثنين، فالمقدس هو اختبار روحيّ عاشته الكنيسة لمئات من السّنين وأعطته طابعًا ثقافيًا وتقليدًا كنسيًا انطبع في ذاكرة المؤمنين وقلوبهم وأصبح شعورًا رائعًا لا لزوم لشرحه، بينما الديني هو شعور آنيّ يزول بعد لحظات ولا دوام له، إلّا ببعض النّواحي الفولكلوريّة الشّعبيّة ولا عمق فيه ولا ديمومة".
وأضاف: "المقدس في العرف الفني اللّيتورجيّ ينطبق على الأيقونوغرافيا التي هي، في عصرنا الحاضر، حسب تاريخ الفنّ، اللّيتورجيا واللّاهوت، مدخل للتّأمل وللغة الخطوط الصّامتة، الألوان والأحجام الخاصّة بالصّور المتعلّقة بالأسرار المسيحيّة. الأيقونوغرافيا المسيحيّة هي فنّ لاهوتٍ وليتورجيا. في الصّلاة، الأيقونوغرافيا تستوحي الكتاب المقدّس والنّصوص اللّيتورجيّة، فنّ الكنيسة يجب أن يكون فنًّا ليتورجيًّا والأيقونوغرافيا التي نتأمّلها ليست فقط إطارًا للصّلوات لكنّها مقاربة كاملة للصّورة والنّصّ".
كما ميّز بين "الصّورة المقدّسة أيّ الأيقونة والصّورة الدّينيّة التي هي فنّ دنيويّ بمواضيع دينيّة. مفهوم الجمال في الفنّ اللّيتورجيّ يختلف تمامًا عن فنّ باراليتورجيّ هدفه الأوحد هو الانفعال الآنيّ لا غير، الصّورة المقدّسة هي البهاء الإلهيّ وجمال الأيقونة ليس شخصيًّا لأنّها تكسر المثلّث: فنّان وعمل ومشاهد وتنتج حدثًا رابعًا، استلهام الماورائيّ الذي تمثّله. كلّ أيقونة هي نموذج التّفسير الأمين لخطوط صورة القدّيس بأبعاده الرّوحيّة".
أمّا عن الصّورة الدّينيّة، فقال الأب بدوي: "هي كثيرة في كنائسنا وفي عقولنا المستغربة والمشبعة بروح الكنيسة الغربيّة. الفنّ الدّينيّ هو مبنيّ على أسس أكاديميّة معروفة في مدارس الفنّ الأوروبيّ في عصر النّهضة وما بعد. هو فنّ يرتكز على تقنيّة كاذبة مبنيّة على وهم عيوننا بأشياء حسّيّة نظنّها حقيقيّة لكنّه وهم نظريّ يرتكز على تقنيّة المنظور والظّلال والأضواء. نتيجته الانفعال السّريع الذي لا يدوم بل ينتهي مع اللّحظة. هذا الفنّ يجعلنا نشهق له ونندهش به إلى حين وبعدها لا نرى فيه غير استنفار واستثمار لمشاعرنا ويوقعنا في العبادات التّقويّة التي لا عمق فيها من النّاحية اللّاهوتيّة إنّما تجرّنا إلى نوع من الفولكلور الشّعبيّ. وما أكثر الصّور الدّينيّة التي تملأ كنائسنا ومنها صورة قلب يسوع، قلب مريم، الرّحمة الإلهيّة بشعاعاتها اللّيزريّة الملوّنة، ناهيك عن صور القدّيسين العديدة والمتعدّدة الأشكال والأنواع، ويتضمن هذا النوّع التّماثيل المحدودة زمانًا ومكانًا".