الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الأحزاب وتوازن الكيانات المفقود

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تلعب الأحزاب السياسية دورًا مهمًا في التوازن الداخلي لأي دولة، فضلًا عن الإنتاجية والتفاعل ضمن منظومة متناغمة تتمثل في كونها مفرخة تمد الدول بالطاقات والقيادات المؤهلة لتنفيذ خططها وبرامجها في آن واحد، ويتسق مع منطلق الحداثة الذي تتبناه الدولة منذ أربع سنوات، لكن ينقصه أن يتبلور في مجهودات تلك المنصات السياسية، لينعكس عليها هي الأخرى بالتزامن مع المجتمع وما يحتاجه من إستعادة الثقة فيها رغم صعوبة الأمر.
ومن أجل أن تخلق تناغماً ما بين الأحزاب والحكومات فإن الحل يكمن في فضاء التأهيل مع الوقوف على حقيقة المجتمع وطباعه، فضلا عن إدراك أهدافه، وإيجاد وسائل لتحقيقها، وذلك من خلال مؤسسات الدولة وقطاعاتها المختلفة، ليصبح كل منها ملف، يتم دراسته وتطويره بنفس الإمكانيات، وهو ما يجعل الحزب القادر على تحقيق ذلك يتمتع بثقة المجتمع، فهذا الأمر بات غير ذي جدوى لدى القائمين على قيادة الأحزاب المصرية بعد أن إكتفوا بمناصبهم القيادية داخل تلك الكيانات البالغ عددها ١٠٦ أحزاب، لا يسمع أحد عن أغلبهم شيئاً، ليتفاجئ مكوني الكتلة الصماء بفوضى الأحزاب وعبثية ندرة الأفكار والمشاريع السياسية الخاصة بها.
لا توجد مبالغة إذا قولنا هنا أن الأحزاب والمؤسسات التابعة لها تعتبر قنوات للتعبير وإمتصاص للطاقات وجسراً للتواصل كأحد الأطر القانونية القائمة على برامج معينة وتدخل ضمن آلية محددة، إلا أن تلك المفاهيم ليس لها وجود فعلي في بنية الأحزاب بالعالم العربي، ورغم كثرتها فإنها تفتقد التعددية فصارت شبه ميتة بعد أن إ‏رتضت المحدودية وهو ما إنعكس بكل تلقائية على إنتاجيتها وهشاشتها، فلا أبالغ إذا قولت أن معظم الأحزاب لا يعلم القائمون عليها هوية ودور ما يترأسونه، وما هي مرجعيتهم السياسية، فما جمعهم في كيان واحد ليس الأفكار والتوجهات بقدر ما يسمى بالشللية، لصبح هي الأخرى تمارس ما تنتقده في الدولة، لذا غابت العملية التنموية في القطاع البشري بداخلها.
تفتقد مصر وجود أحزاب سياسية بمفهومها الصحيح، فجميع الأحزاب الموجودة لا تعدوا أكثر من "كشك" سياسي، فالقائمون عليها ينظرون إلى الوطن من منظور ضيق لأنه يرتكز على ما هو شخصي ويفتقد العمومية، فأضحت بلا برامج جاذبة، فباتت خاوية من الأعضاء باستثناء أسرة رئيس الحزب ومعاونوه، فافتقدت التماسك، لأنها بلا جبهة سواء بداخلها أو خارج باب شقة المقر، مما إنعكس على الكتلة الصماء بتضخم جبهتها التي أعلنت بشكل ضمني وفاة تلك الأحزاب، فمن يولد ميت لن يقدر على استعادة الروح، وهو ما تأكد بشكل فعلي خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي لم يكن للأحزاب دوراً خلالها يذكر سوى البيانات الركيكة الخاصة بالتأييد للرئيس فقط، وذلك ليس إلا انحيازا من ملقوه لمصالحهم الشخصية والتي جعلتهم يتنازلون عن الهدف الرئيسي لقبام أي حزب وهو المشاركة أو المحاصصة في الإدارة أو التنافس من أجل الوصول لها، فإفتقدت الرؤية وغاب عنها المستهدف فتاهت في دروب الضياع. 
ثمة عوائق أمام بناء كيانات سياسية في مصر رغم أن القيادة السياسة تدعم تذليلها، إيماناً منها أن الدول الديمقراطية ووفق دساتيرها يجب أن تخلق تناغم هيكلي متوازن في حياة مواطنيها، وهو ما يجعل العلاقة سلسلة ومنتظمة داخل النسيج المجتمعي بكامله، لكن الأحزاب القائمة لا تتوافق مع هذا النهج، ليصبح العائد الحقيقي هو الأحزاب نفسها، فأصبح الحل لوجود حياة سياسية يتمثل في قيام أحزاب جديدة، يكون لديها القدرة على العمل الحزبي والوصول للمواطنين ليصبح لديها قواعد جماهيرية تعبر عن محيطها وتمدها أيضاً بمن يتوفر فيهم سيمات القيادة، لتصبح قادرة فيما بعد على المنافسة في الوصول للسلطة لأن ذلك من المفترض أنه هو الهدف الرئيس للأحزاب وبدونه تصبح غير جديرة بحمل هذا اللقب.
ومن هذا المنطلق، فإن الضرورة تحتم علينا تأسيس حزب يتمتع بالمقاومات التي تؤهله على إعداد كوادر تكون لديها القدرة على تولي الدفة فيما بعد، ليكون حزبا حاكماً خلال السنوات العشر القادمة، وهو ما يفتح باب المنافسة أمام الأحزاب الأخرى حال بحثها عن سبل إستعادة الروح لجسدها، أو يشجع الآخرون في تدشين أحداب جديدة لديها الطموح على غرار ما تم، هكذا تصبح مصر على الطريق الصحيح من الناحية السياسية.