الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

شبح العنوسة.. قنبلة موقوتة تهدد الأسر المصرية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

العنوسة هي الشبح المخيف الذي يلاحق كثيراً من الفتيات المصريات اللائن تعدين سن الزواج المتعارف عليه في كل بلد، وهنالك بعض الناس الذين يخطئون ويظنون أن المصطلح يطلق على النساء فقط من دون الرجال، والصحيح أنه يطلق على الجنسين، ولكن المتعارف عليه مؤخراً هو إطلاق اللفظ على النساء في لأغلب.
وتعتبر الفتاة العانس في المجتمعات البدوية وأهالي القرى، هي كل فتاة تجاوز عمرها العشرين، أما المدن فتحدد الثلاثين، وما بعدها سنا لمن تطلق عليها صفة العانس، نظراً إلى أن الفتاة يجب أن تتم تعليمها قبل الارتباط والإنجاب.
وتنتشر العنوسة في مصر بدرجة كبيرة، وأكدت الإحصاءات الرسمية أن 13 مليون شاب وفتاة تجاوز أعمارهم 35 عاماً لم يتزوجوا، منهم 2.5 مليون شاب 10.5 مليون فتاة فوق سن الـ35، ومعدل العنوسة في مصر يمثل 17% من الفتيات اللاتي في عمر الزواج، ولكن هذه النسبة في تزايد مستمر وتختلف من محافظة لأخرى، فالمحافظات الحدودية النسبة فيها 30% نظرًا لعاداتها وتقاليدها، أما مجتمع الحضر فالنسبة فيه 38% والوجه البحري 27.8%، كما أن نسبة العنوسة في الوجه القبلي هي الأقل حيث تصل إلى 25% ولكن المعدل يتزايد ويرتفع في الحضر.
ويتضح أن ظاهرة العنوسة في مصر أدت لزيادة بعض الظواهر غير المقبولة اجتماعيا ودينيا، مثل ظواهر الزواج السري والعرفي بين الشباب في الجامعات، والشذوذ الجنسي بين الفتيات، والإصابة بأمراض نفسية، وبالنسبة للرجال فقد دفعت البعض للإقبال على إدمان المخدرات.
أسباب انتشار العنوسة في مصر
ارتفاع معدلات البطالة، وغلاء المهور، والإسكان على وجه الخصوص، وارتفاع أسعار تكاليف الزواج الأخرى الناتجة عن العادات والتقاليد المتبعة، وكذلك ارتفاع معدل التعليم بالنسبة للإناث وأيضا تباين الكثافة السكانية من حيث الجنس، حيث إن عدد الإناث أكثر من عدد الرجال.
الحلول المقترحة للقضاء على العنوسة
ومن الحلول المقترحة للحد من تزايد نسبة العنوسة تخفيض تكاليف الزواج من مهور وتأثيث السكن، وقبول فكرة تعدد الزوجات اجتماعيًا، ودعم وتشجيع الحكومة للمتزوجين من خفض الضرائب على المرتبات للمتزوجين، ودعم المؤسسات الخيرية عينيا لغير القادرين على مصروفات الزواج، وزيادة التكافل الاجتماعي بين الأفراد بالمساهمة في تكاليف الزواج.
وللتقرب أكثر من تلك الظاهرة والتعرف عليها بشكل أعمق استطلعنا آراء بعض الفتيات والمتخصصين وعلماء النفس والاجتماع:
واعتبرت المحامية “,”سمية إبراهيم“,”، 32 عاما، أن تأخر النضج الفكري والنفسي لدى الشباب المعاصر هو من أهم أسباب عنوسة المرأة.
وقالت “,”سمية“,”: “,”إن الشاب يظل معتبرًا نفسه طفلاً طوال فترة مراهقته، وينظر إلى نفسه كمراهق في فترة شبابه، فثمة مرحلة كاملة ضائعة في حياة شباب هذه الأيام إلا ما ندر، لذا فإنه لا يفكر في الزواج تفكيرًا جديًا إلا بعد تقدمه في السن“,”.
وتضيف: “,”لم يعد الزواج يحتل نفس مكانته القديمة وأهميته السامية لدى شباب اليوم، وذلك لضعف الإحساس بالمسئولية، بل الخوف والنفور منها، فالزواج لم يعد في حس الكثيرين سكنًا ومودة ورحمة، بل أصبح قيدًا وسياجًا“,”.
أما “,”ريهام .ح“,”، طالبة بالفرقة الرابعة بكلية التجارة جامعة القاهرة، فرفضت إطلاق لقب (عانس) على المرأة التي تأخر زواجها، مؤكدةً أن الفتاة لم تعد مهيئة للزواج في سن مبكرة، نظرًا لاهتماماتها التعليمية.
وتقول: “,”كانوا قديما يعتبرون الفتاة إذا بلغت العشرين عانسا، فبأي منطق يتفق هذا التصور مع واقعنا اليوم؟ ولماذا نضع رقما واحدا عمريا أمام المرأة للحكم عليها، وتصنيفها؟“,”
العنوسة اختياري
من جانبها تقول “,”سحر محمد“,” خريجة كلية الإعلام جامعة القاهرة 35 :“,”إن العنوسة لا تسبب لي إشكالا، لأنني أنظر لهذا الأمر من منظار القضاء والقدر، وطالما أنني استطعت أن أكون ناجحة في ذاتي وأسرتي ومجال عملي، فلا أعتقد أني بحاجة للزواج، فليس شرطا أن يقترن النجاح بالزواج، فالكثير من الفتيات المصريات المبدعات حققن إنجازات عظيمة وهن غير متزوجات، وقد يكون الزواج عائقا أمام تحقيق العديد من الطموحات“,”.
وأكدت بسمة عبدالحميد “,”معيدة بالجامعة“,” أنها لا تخشى العنوسة، مشيرة إلى أنها تشترط مواصفات محددة في زوج المستقبل، ومنها أن يكون على خلق ودين، وأن يكون بينهما توافق وتكافؤ اجتماعي، واحترامه للمرأة حق الاحترام، وأشارت إلى أن التأخر عن الزواج قد يكون برغبة الفتاة، أو لظرف خارج عن إرادتها، وقد يدفع وصف “,”عانس“,” بالفتاة إلى القبول مرغمة بمن لا يمثل أحلامها من أجل أن تخرس الألسنة فقط، لتدخل قائمة المتزوجات ولو على حساب نفسها.
وأكدت سارة محمود “,”موظفة“,” أنها تفضل العنوسة لأسباب منها أن المرأة المصرية تقع دائما تحت ظل الرجل من الناحية المادية أو الوظيفية، وأغلب الشباب الآن يبحثون عن المرأة المتعلمة ليس لأنها متعلمة، بل طمعا في الحصول على الراتب، فالتعامل الذي تجده المرأة مع هذا الرجل لا يحقق لها المسار النفسي الصحيح الذي يقوم عليه الزواج.
شروط متعسفة
ووجدت “,”عايدة سليمان“,” نفسها في قطار العنوسة مكرهة في اللحظة التي كان حلمها في الزواج يوشك أن يتحقق، وتقول عايدة: “,”تقدم لخطبتي شاب مثقف ومن عائلة طيبة، وعندما تمت الرؤية الشرعية شعرت بارتياح تجاهه، لكن والدي اشترط لإتمام الزواج أن أعطيه راتبي كاملا أول كل شهر، وهنا قرر خطيبي صرف النظر عني والابتعاد هربا من شروط والدي المتعسفة“,”.
وتحكي صالحة عبد القادر “,”معلمة بالمرحلة الابتدائية“,” تجربتها قائلة “,”تقدم لخطبتي أكثر من شاب، يشهد لهم الجميع بحسن الخلق، لكن أبي كان يرفض دائما، وكان يضع عيوب الدنيا كلها في كل عريس، وعندما أحاول إبداء رأيي يتهمني بعدم معرفة مصلحتي، ويمر بي العمر وأنا بانتظار من يرضى عليه أبي، والسبب راتبي الذي يخاف أن يأخذه زوجي“,”.
أما “,”خلود عبدالغني“,” فإن أحلامها كبيرة في زوج المستقبل، وهذا ما جعلها ترفض كل من يتقدم لها لأنها لا ترى فيهم الشخص المثالي الذي رسمته في خيالها، ولذلك فضلت أن تظل من غير زواج طيلة هذه الفترة، تقول “,”لم أشعر بالندم إلا بعد أن تقدم بي العمر وأصبحت على مشارف 38 سنة“,”.
وتقول سميرة طاهر “,”فتاة جامعية“,”: “,”عمري الآن ثلاثون عاما، ولم يتقدم لي الشخص المناسب حتى الآن، شبابنا أنانيون؛ يريدون الزوجة الصغيرة التي لا تعي شيئا حتى ولو كانت جاهلة، لست أدري لماذا يخشى الرجل الشرقي المرأة المتعلمة صاحبة الشخصية القوية؟“,”.
هل الشعوذة أصبحت حلاً؟
وفي المدن المصرية أدى تأخر زواج إحدى الفتيات وبلوغها سن الأربعين دون زواج إلى لجوء الوالدات عن حل لدى المشعوذين، ودفع مبلغ كبير لهم.
البطالة سبب في العنوسة
الشباب كان لهم رأي في القضية، حيث قال الشاب فايز عبد الرحيم: “,”رغم أنني أرغب في الزواج، ولكن الزواج الناجح له مرتكزات أساسية، فكيف أكون أسرة وليس لي دخل يفي باحتياجاتها الأساسية، فقبل أن أفكر في الزواج لابد أن أبحث عن مصدر رزق، حيث إنني حاصل على الشهادة الجامعية، ورغم محاولاتي العديدة للبحث عن وظيفة إلا أنها باءت بالفشل“,”.
ويؤكد الشاب “,”نادي عثمان“,” أن الزواج حلمه الوحيد، ولكن مرتبه لا يفي بتكاليف الزواج، حيث إن مرتبه ضعيف، وهو العائل الوحيد لأسرته المكونة من والده ووالدته وسبعة إخوة.
أما الشاب “,”سامي محسن“,” والذي يبلغ من العمر 33 عاماً فكان له رأي آخر، حيث قال “,”أنا لا أفكر بالزواج حالياً رغم وظيفتي المرموقة، فما زلت أتمتع بحياتي الإجرائية الخاصة دون قيود، فالزواج يقيد الحرية، وأنا لا أجد نفسي سائقاً لأسرة أو حتى مربياً للأطفال، وأنا أفضل الزواج بعد سن الأربعين“,”.
وفي رأي الباحث السعودي الدكتور “,”عبد الرحمن الصايغ“,” فإن “,”أزمة العنوسة“,” تحتاج إلى مشروع وطني للتصدي لها، ليس على المستوى المحلي وحده، بل على مستوى العالم العربي والإسلامي.
وأكد الباحث الاجتماعي في دراسته (الزواج من أجل الحياة) أن القضاء على العنوسة يحتاج إلى حلول واضحة، منتقدًا الدراسات التي تقتصر على نصائح عامة.
وترتكز فكرته على أن تقوم كل دولة عربية إسلامية تعاني من هذه المشكلة بتأسيس لجنة وطنية ترتبط بها لجان محلية في كل مدينة ومحافظة ومنطقة ريفية، تكون بمثابة أذرع اللجنة الوطنية التي تُفعل تنفيذ هذا المشروع، وأن يكون أعضاء تلك اللجان من القيادات الاجتماعية في مجتمعاتهم رجالا ونساء، ممن لهم تأثير وكلمة مسموعة في مجتمعهم المحلي، وممن عرفوا بالصلاح وحب الخير للمجتمع.
وأكد الصايغ أنه لا يمكن اختزال سبل مواجهة خطر العنوسة في سبيل واحد، بل يجب تكاتف أسباب التيسير، وإزالة العوائق الفكرية، والاقتصادية، والاجتماعية، والعرفية أمام الزواج.