الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

مطران الروم الأرثوذكس ببيروت: الـمواطـنة وعي للمساواة بـين الناس

جانب من المؤتمر
جانب من المؤتمر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قال المطران إلياس بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس، أودُّ أوّلًا أن أشـكـرَ مـنظّمي هــذا الــلــّقــاء الـدّولـيّ: «الـحــوار بــيــن أتــــاع الأديـان مــن أجــل السّلام وتــعـــزيــز الــتــّعــايــش الــسّــلــمــي والــمــواطَــنــة الــمــشــتَـــركَــة» لأنّ أكــثــرَ ما نــفــتــقــدُه فــي عــصــرنــا هــو الــسّــلام، الــسّــلامُ الــدّاخــلــيّ الــذي يــنــبــعُ مــن اطــمــئــنــان الإنــســان إلى ربـــّه وخـــالـــقــه، والـسـّلامُ بــيــن الـــبــشــر وبــيــن الــدّول.
وأضاف الياس خلال كلمته التي القائها منذ قليل، في المؤتمر الدولي الذي ينظمه مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في العاصمة النمساوية فيينا بعنوان "الحوار بين أتباع الأديان من أجل السّلام وتعزيز التّعايش السّلمي والمواطَنة المشتركة"، فــي عــالــمــنــا الــحــاضــر، الــذي يــتّــســمُ بـــالــعـــنــف عــلــى أنــواعــه، وتــســودُ فـــيــه الــحــروبُ والـــنــّزاعــاتُ والأحـــقــاد، عــلــيــنــا جــمــيــعًــا تــوطــيــدُ روح الــسّــلام، وتــربــيــةُ أبــنــائــنــا عــلــى الــحــوار، وتـــنــشـــئــــتـــُهـــم عـــلــى الانـــفــتــاحِ عــلــى الآخـــر وقـــبـــولِــه واحـــتـــرامِـــه. 
وأكد الياي علي ان جــمــيــعُــنــا أخــوةٌ فــي الإنــســانــيـّـة وإن اخــتــلــفــنــا بالــدّيــن أو الــلّــغــة أو الــعــرق أو الــوطــن. إنّ الـــعــنــفَ لا يــحــلُّ الــنـّزاعــاتِ بــيــن الــبــشــر. مــؤســفٌ جــدًا أن يــلــجــأ الإنــســانُ إلــى الــعــنــفِ لــلــدّفــاع عــن ديــنــه أو مـــعـــتـــقـــده. مــؤســفٌ جــدًا أن يــتــمَّ الــقــضــاءُ عــلــى الـــبــشــر، ومــحــوُ الـــحــضــارات والــتــّاريــخ، بـــاســم الــديـــن. إنّ الـــتــّطـــرّفَ قـــتـــلٌ لــلــدّيــن، والــمــتـــطــرّفُ الــذي يــتــوسّــلُ الـــعــنــفَ دفــاعًــا عـــن ديــنــه يـــســيءُ إلــى ديـــنـــه ويـــحــمـّــلُـــه مـــا لـــيـــس فــيــه، ويـــفـــضــي إلـــى عـــكـــسِ الـــغـــايـــةِ الـــمــرجــــوَّةِ مـــن الـــدّيـــن.
الــــمـــؤمـــنُ الـــحــقــيــقـــي، إلــى أيّ ديـــنٍ انـــتـــمــى، إنـــســانٌ مــــنـــفـــتــحٌ، وديـــعٌ، مــتـــواضــعٌ، مــحـــبٌّ، رحـــومٌ، يـــرى اللهَ فــي وجــه أخـــيـــه الإنـــســـان، لـــذلـــك لا يــمــكــنُ أن يـــســيءَ إلـــيــه أو يــقــتـــلَــه. إنّ إيــمـانَــنــا المــســيــحــي يــقــومُ عـــلـــى وصـــيــةِ الـــرّبِّ يـــســـوع: «أحـــبّـــوا أعـــداءَكــــم، بـــاركــــوا لاعـــنـــيـــكـــم، أحــســنـــوا إلــــى مـــبـــغـــضـــيــكـــم وصـــلّـــوا لأجــــل الـــذيــــن يـــســـيــــئـــون إلـــيـــكـــم» (مــتى 5: 44). فـــي إنـــجـــيـــلــنــا، عـــنـــدمــا ســـأل إنـــســانٌ مـــجــــرِّبــًـا الـــرّبَّ يـــســـوع: «مــاذا أعـــمـــلُ لأرثَ الـــحــيــاةَ الأبـــديــّـة أجــــابـــه يــســـوع: تـــحـــبُّ الـــرّبَّ إلـــهَـــك مـــن كـــلّ قـــلــبــك ومــن كـــلّ نـــفـــســك ومـــن كـــلّ قـــدرتـــك ومـــن كـــلّ فـــكـــرك، وقـــريـــبَــــك مِـــثْـــلَ نفسك» (لو 10: 27). وعـــنــدمــا ســـألـــه بــطــرس: «يـــا ربُّ كــم مـــرّةً يخطئُ إلـــيّ أخـــي وأنـــا أغـــفــرُ لــه؟ هــل إلــى ســبــع مـــرّات؟ قـــال لــه يــســوع لا أقـــول لــك إلــى ســبــع مـــرّات بـــل إلـــى ســـبــعـــيــن مـــرّة ســـبــع مـــرّات» (متى 18: 21-22).
هـــذا يـــعـــنــي أنّ الإيـــمــانَ يــتــجـــلّــى فــي الــمــحــبـّــةِ وفـــي الـــرّحـــمـــةِ. طـــبــعـًــا هـــنــاك فـــوارقُ واخــتــلافــاتٌ، لـــكــنّ واجـــبَــنــا أن يــحـــتــرمَ واحـــدُنـــا الآخـــرَ وأن يـــقـــبـلَــه كــمــا هـــو. واجـــبُـــنــا أن نــحــتــرمَ حـــريّــةَ الآخـــر، وأن نـــصــونَ كـــرامـــتَـــه مــهــمــا كــان مـــخــتــلــفــًا، وأن نــجــري مــعــه حــوارًا صــادقًا، صــريـحًــا وعــمــيــقـًــا.
قــد يـــكــونُ مــن حُــسْــنِ حــظّــنــا أنّــنــا نــعــيــشُ فــي الــشّــرق الأوســط، لأنّ مــنــطــقــتَــنــا مـــنــبــعُ الأديـــانِ الــسـّـمــاويـّــة، ومــا زال الإيـــمـــانُ راســـخـًـا فــي قـــلـوبِ مــعــظــمِ ســكّــانــهــا. لــكــنّــنــا شَــهِـــدْنــا فـــي الــعَـــقْــدِ الأخــيــرِ مـــوجــةَ تــكــفــيــرٍ وتـــطــرُّفٍ أجّــجــت الــتّــعــصــبَ والأحــقــادَ وأدّتْ إلــى مــا أدّتْ إلــيــه مــن قــتــلٍ وتــدمــيــرٍ وتَـــعَـــدٍّ عــلـى الــحــرّيــاتِ، والــمــخــيــفُ كــان تــســارُعُ الأحـــداث، وعــســكــرةُ الــطــّوائــف، والــلــّجــوءُ إلــى الــســّلاحِ والــقــتــلِ والتّهجيرِ والإبــادةِ الــجــمــاعــيـّة. 
مــشــكــلــةُ عــالــمِــنــا أنّ الإنــســانَ فَـــقَـــدَ الــمــحــبــّة، مــحـــبـّـةَ الله ومــحــبّــةَ الـــقــريــب. إنــســانُ هــذا الــعــصــر لا يــحــبُّ إلاّ نـــفــسَــه، والأنـــانــيّـةُ تــدفــعُ الإنــســانَ إلــى قـــتــلِ أخــيــه كــمــا فَــعَــلَ قــايــيــن. قــايــيــنُ الـــشــّريــر، قــاتِــلُ أخــيــه، يــســكــنُ فــي كــلِّ إنــســان. مــن هــنــا تــأتــي أهــمــيـّـةُ الــتــّربــيــةِ عــلــى الــمــحــبّـةِ وعــلى الــدّيــمــقــراطــيّــةِ واحــتــرامِ الــتـّـنــوّعِ والاخــتــلاف، وضــرورةُ تــعــزيــزِ روحِ الــمــواطَــنَــةِ والــعــمــلِ عــلى صَــهْــرِ الأفـــرادِ فــي بــوتــقــةِ الــوطــنــيـّـةِ لــيــضــعَ الــجــمــيــعُ طــاقــاتِــهــم فــي خــدمــةِ وطــنــهــم عـــوضَ أن تــســتــغـــلَّ كـــلُّ فــئــةٍ الــوطـــنَ لــحــســابــهــا. فـــالـــمـــواطـــنــون هــــم أولًا أفــــرادٌ فــــي الــمـــجـــتـــمــــع قــبــل أن يــكــونـــوا مــجـــردَ أعـــضــاء فـــي جـــمــاعـــاتٍ، أو أجــــزاء مـــن جـــمـهـــور مــــتـــجـــانـــس بـــفـــعــل الانــــتـــظــام الــدّيــنــيّ أو الــسّــيــاســيّ، وبـــفـــعـــل الــعـــداءِ لــجـــمــهــور آخــر أو الـــخـــوفِ مـــنـــه والـــصّــراعِ مــعــه عــلــى الــسّــلــطــة.
إنّ الانــتــمــاءَ إلى جــماعــةٍ ديــنــيـّـةٍ أو حـــزبــيــّةٍ لــيــس مـــبـــرِّرًا لـــقـــيــام كــتــلٍ اجــتــمــاعــيّــةٍ مــتــقــابــلــة أو مــتــصارعــة. وغــالــبًـا ما تــــؤجــجُ الــتّــدخــلاتُ الــخــارجــيـّـةُ الــصّــراعَ بــيــن الــمــذاهــب أو الأديــان لأنَّ الــطّــوائــفَ تــنــظــرُ إلــى الــخــارجِ لــتــأمـــيــنِ حـــمــايـــتِــها عـــوضَ الاعـــتـــمــادِ عـــلى مــــؤسـّــساتِ الـــدّولـــةِ لـــضـــمـــانِ حـــقـــوقــهــا. هـــذا يـــؤدي إلــى تـــفــــكـــيـــكِ الأوطــــانِ وشــــرذمــــةِ الــــشـّــعــوب. لــــذلـــك، عـــنـــدمــا يـــنـــضـــوي الــجـــمــيــعُ تــحـــت لــــواءِ الـــوطـــنِ الــــذي يــحــكــمُـــه الــقــانــــونُ والــــعـــدالـــةُ والـــمـــســـاواةُ رغــــم تـــنـــوّع أبــــنـــائـــه، تــــنـــتــــفــــي الــخــلافـــاتُ ويـــصــبــحُ الـــتـّــعـــدّدُ مـــصـــدرَ غـــنـىً، ويـــنـــتـــقـــلُ الــحـــوارُ مـــن الـــمـــســـتـــوى الـــنـــّظـــريّ الأكـــاديـــمـــّي وهـــو تــــرفٌ فــــكـــريّ، إلــى مـــســـتـــوى الـــحـــيـــاةِ الـــمـــعـــاشـــة. الـــوطـــنُ يـــؤمّـــــــنُ الــحـــمـــايــــةَ لـــجـــمـــيـــع أبــــنـــائـــه مـــهـــمـــا كــــان انــــتـــمـــاؤهــــم، فـــيـــطـــمـــئـــنُّ الـــجـــمـــيـــعُ ويـــتـــنـــافـــســـون عــلــى خـــدمـــةِ وطـــنــهـــم عـــوض الـــتـّــنــاحـــرِ فــــيـــمــا بـــيـــنــهــم وتـــقـــاســـمِ الـــوطـــن.
هـــنــا تــلــعــب حـــكـــمـــةُ الــــقـــيـــاداتِ الــــدّيـــنــيـّــةِ والـــسّـــيــاســـيّـةِ دورًا بـــارزًا فـــي تـــصـــويـــبِ الأمــــورِ والــحـــثّ عـــلــى قـــبــولِ الــعـــيــشِ الـــمـــشـــتــرك الــذي هــــو لـــقـــاءٌ بــيــن مـــواطـــنـــيـــن تـــجـــمـــعُـــهــم الـــرّغـــبــةُ فــي الـــبـــقـــاءِ مـــعـــًا، ويـــفـــتــرضُ اخـــتـــلاطـــًا وتـــبــادلًا وتـــفـــاعـــلًا فــي الاقـــتــصــادِ والاجـــتـــمــاعِ والـــثـــّقـــافــة، وشــراكـــةً فــي الــــقـــيـــمِ الاجـــتـــمــاعـــيـّـةِ والأخـــلاقـــيـّــةِ والـــرّوحــيّــة، تـــعــــزّزُها مـــمـــارســـةُ الـــدّيــمـــقـــراطــيــّة لا لأنـــهــا تــحـــتـــرمُ قـــواعـــدَ الـــتـــّمـــثـــيــلِ الــصّــحــيــحِ وحــســب بــل لأنــّهــا تـــتــجـــاوبُ مـــع الـــنـّــزعـــةِ الإنــســـانـــيــّةِ إلــى الـــعـــدالـــةِ والـــمــســاواة. فـــنـــفـــسُ الإنــســان الأمّــــارةُ بـــالـــسّـــوء، ســـوءِ الـــظـّــلـــمِ والـــعـــنـــفِ واســـتــغـــلالِ الآخـــر تـــجـــعـــلُ مـــن الـــدّيــمـــقـــراطــيـّـة أمـــرًا ضـــروريًّـــا، ومـــن وعـــي الإنـــتـــمــاءِ إلــى الـــوطـــن حـــاجـــةً مـــلــحـّـة.
الـــمـــواطـــنــةُ هــــي وَعْـــيٌ لـــلـــمــســــاواةِ بـــيــن الـــنّــاس الـــذيـــن يـــعـــيـــشـــون عــلـى أرضٍ واحـــدة ويـــتـــشـــاركـــون طـــريـــقـــةَ حـــيــاةٍ واحـــدة. إنّ الـــمــواطـــنَ لا يـــولـــدُ مـــن الـــتـــّواريـــخِ الـــمـــنـــفـــصــلــةِ والـــمـــتـــعـــارضــة، ولا مـــن الـــمـــعـــاركِ الـــكـــبـــيـــرة، الـــقـــومـــيـّــةِ أو الـــطــّـائـــفـــيــّـة، ولا مـــن ســـيـــاســـةٍ مـــســـتـــبـــدّة. لـــعـــلّــه يــــولـــدُ مـــن الـــتــّـخـــلّـــصِ مـــن الــــتـّــمـــاهـــي مــــع الـــجـــمـــاعـــة الـــدّيـــنـــيـــّة أو الــســّـيــاســـيــّـة. فـــالـــسّـــيـــاســـةُ، إذا مـــا اســـتـــتـــبـــعـــت الـــمـــجـــتـــمـــعَ وأَلْـــهَـــــتْــــه بـــالــــمـــنـــازعـــات، تـــولّـــدُ عـــداواتٍ وكـــراهـــيّـــات. لـــذلـــك إنّ الــــقــــيـــاداتِ الـــدّيـــنـــيــّـة مـــدعـــوّةٌ ومــــؤهَّـــلـــةٌ لـــوضـــعِ الــــسّـــيـــاســـةِ فـــي نـــصــابِــهــا والـــتّـــشـــديـــدِ عــلــى هـــشـــاشـــتِــهــا ونـــســبـــيـــتِـــهـــا وبُـــعـــدِهـــا عــــن الـــقـــيـــم، فـــتـــســـهـــمُ عـــنــدئـــذٍ بـــتـــحـــرّرِ الـــنّـــاسِ مـــن قـــيـــدِ الـــمـــنــازعـــاتِ الــمــفــتَــعَــلَــة، فـــلا يــجـــدون أمـــامـــهـــم ســـوى مـــشـــروع الـــدّولـــة والـــمـــواطـــنـــة. ولا تـــتـــعـــزّز فـــكـــرتـــا الـــدّولـــة والـــمـــواطـــنـــة مـــن طــــريـــقِ الـــســّـيـــاســـةِ وحـــدهـــا، بـــل تــــأتــي أيـــضًـــا مـــن قــــوى الـــمـــجـــتـــمــع الــحـــيــّـة ومـــنــهــا الـــمـــؤســـّســات والـــجـــمـــعـــيــّات الـــتــي نـــشـــأت فـــي كـــنـــف الــجـــمـــاعـــات الــــدّيـــنـــيّــة أو الـــتـــي تـــحـــمـــل قـــيـــمـًــا ديـــنـــيـّــة.
طـــبــعـــًا يـــتـــعـــذّرُ الـــفـــصــلُ الـــتـّـامُ بـــيـــن الـــدّيـــن والـــسّــيـــاســـة. إلاّ أنّ عـــلــى الـــقـــيــادات الـــدّيـــنــيّـــة، عـــنـــد تـــعـــبـــيــــرِها عـــن هـــمـــومِ الـــنـّـاس وتـــأكـــيـــدِ حـــرصِـــهـــا عـــلــى الــخـــيــــرِ الـــعــام، مـــســـؤولـــيــّةُ الـــحـــؤولِ دون إضـــفـــاءِ الـــشــّـرعـــيــةِ الـــدّيـــنـــيـّـةِ عـــلــى الـــمـــواقــــفِ الـــسّـــيـــاســـيـــّةِ، واســـتـــثـــمـــارِ الـــمـــشـــاعـــر الـــدّيـــنـــيـــة فـــي إثـــارة الـــعـــصــبـــيـــّات، وذلــــك حــــفـــاظًـــا عــــلـى الــــدّيــــن وتــــأكـــيـــدًا عــــلــى نــــســـبـــيــّـة الـــسّـــيــاســـة. الـــمـــطـــلـــوبُ الاســــتـــرشـــادُ بـــمـــبـــادئ الـــدّيـــن الأخـــلاقــــيــّة مـــع عــــدم اســـتـــغـــلالــــه فـــي الـــسـّــيـــاســــة.
فـي هــذا السّــيــاق تــأتــي أهــمــيــّةُ الــحــوار بــيــن الــمــؤمــنــيــن عــلــى نــحــوٍ لا يــبــعــدهــم عــن شــؤونــهــم الــعــامّــة بــل يــتــيــح لانــخــراطــهــم فــيــهــا أن يــكــون شــهــادةً لإيــمــانــهــم، فــي خــصــوصــيّـة الــتــّراث الــدّيــنــيّ لــكــلّ جــمــاعــة، كــمــا فــي الــمــشــتَـــرَك بــيــنــهــا. ولــقــد أصــبــح مــن الــبــداهــة، والــبــداهــة لا تــعــفــي مــن الــتــّكــرار، الــقــولُ أنّ قــصــد الــحــوار بــيــن الــمــؤمــنــيــن لــيــس فــي إقــنــاع الــواحــد الآخــر بــصــحــّة ديــانــتــه بــغــيــة هــدايــتــه، بــل الــوصــول إلــى لــغـّـةِ تــخــاطــبٍ ونــهــجِ تَــعــامُــلٍ ونــوعــيّــةِ عــلاقــةٍ مــســتــدامــة. لــكــنّ الــحــوار الــحــقــيــقــيّ هــو أيــضًـا ارتضــاءُ أن يــســائــلَ الــشّــريــكُ شــريــكَــــه فــي الــمــواطــنــة فــي ظــلّ احــتــرامٍ مــتــبــادلٍ لــلــقــنــاعــات وقــبــولٍ، فــي الــوقــت نــفــســه، بــاحــتــمــال الــخــطأ فــي مــا يــذهــب إلــيــه كــلُّ فــريــق لــدى تــأكــيــد قــنــاعــاتــه. هــذا يــفــتــح مــســاحــةً لــكــي يــفــسّــر الــواحــدُ نــفــسَــه ويــصــغــي إلــى الآخــر مــفــسِّــرًا نــفــسَــه بــنــفــسِــه. فــمــن شــروط الــحــوار الــحــقــيــقــيّ أن تــســودَه الــصّــراحــةُ والــصــدقُ والــشّــفــافــيــّةُ والانــفــتــاح، وأن تُــــطــرحَ فــيــه الأمــورُ بــجــديــّةٍ وعــمــق، بــعــيــدًا مــن الــلـّـــيــــاقــــات والــشــّعــارات الــتــي أصــبــحــت مــبــتــذلــةً ومــمــجــوجــة، وعــدم الــخــوف مــن طــرح الأمــور الــخــلافــيـّـة بــمــوضــوعــيـّـةٍ وروحٍ إيــجــابــيّــة والــسّعــي إلــى إيــجــاد الــحــلــول لــهــا.
هــنــا أود الــتــأكــيــد عــلــى أنّ مــحــبـّـةَ الآخــر واحــتــرامَــه مــنــطَــلَــقٌ واجــب. الــمحــبــةُ لا تــعــنــي انــعــدامَ الــصّــدق، كــمــا أنّ الــصّــدقَ لا يــعــنــي انــعــدامَ الــمــحــبـّـة. روحُ الاحــتــرام الــمــتــبــادَل، إن ســادت، تــســهّــلُ الــحــوار. الاخــتــلافُ لا يــمــنــعُ الــحــوارَ والــتــّقــاربَ، والــصّــراحــةُ لا تــلــغــي الاحــتــرام. الــمــطــلــوبُ فــكــرٌ مــنــفــتــحٌ، واســتــعــدادٌ لــلإصــغــاء، وتــحــرّرٌ مــن الأحــكــام الــمــســبَــقَــة والأفــكــار الــجــاهــزة. هــذا يــقــودُ إلــى مــعــرفــة الآخــر، فــــتــــنــــتــــفــــي الــمــســافــاتُ بــيــن الــمــــخــــتــــلــــفــــيــــن. الــجــهــلُ بــالآخــر يــقــودُ إلــى تــشــويــه صــورتــه، وتــشــويــهُ الــصّــورة يــؤدّي إلــى الــخــوف مــنــه فــيــمــا الآخــرُ لــيــس عــدوًّا بــل هــو أخٌ وشــريــك. 
قــد لا يــرى الــبــعــضُ مــســوِّغًــا كــافــيًــا ولا حــاجــةً تــدعــو لــلاهــتــمــامِ بــالــبــعــدِ الــرّوحــيّ والــدّيــنــيّ لــحــوار الــمــؤمــنــيــن، وقــد يــرى فــيــه عــجــزًا عــن مــعــالــجــةِ الــقــضــايــا الــعــامـّـة الــمــلــحّــة أو هــروبـًـا مــنــهــا. ويــعــتــبــر بــالــمــقــابــل أن الــتـّـصــدي لــمــشــكــلاتِ الــمــجــتــمــعِ والــسّـيــاســةِ مــحــكُّ الإراداتِ الــطـّـيّــبــة، وهــو خــيــرٌ مــن الــغــوصِ فــي أمــورِ الــدّيــن لأنَّ الــتّــنــوّعَ الــدّيــنــيّ حــمَّــالٌ لــلاخــتــلاف، فــيــمــا يــجــتــمــعُ الــنـّاسُ فــي وحــدةِ الــوطــنِ والــمــواطــنــة. ولــعــلَّ مــقــولــةَ "الــدّيــنُ لله والــوطــنُ لــلــجــمــيــع" الــتــي راجــت أيــّامَ الــحــركــاتِ الإســتــقــلالــيَّــة ومــا زالــت تــتردَّدُ، تــوحــي بــإبــعــادِ الــدّيــنِ عــن الــحــيــاةِ الــعــامـّـة بــحــجّــةِ الارتــفــاعِ بــه إلــى مــا فــوقــهــا. بــالــمــقــابــل، لا يــطــمــئــنُ عــددٌ مــن أهــل الإيــمــان إلــى إمــكــانــيّــةِ إغــراقِ الــحــوارِ فــي الــسـّـيــاســة ويــخــشــى عــلــيــه مــن أن يــوظَّــفَ لأغــراضٍ لــيــســت، فــي الأســاس، غــرضَــهُ، وأن يــقــعَ فــي أســرِ الــلــّحــظــةِ الــرّاهــنــة والــحــســابــات الــضّــيــقــة.
إنَّ إخــراجَ الــديــن مــن حــوار الــمــؤمــنــيــن يــفــقــدُهُ روحَــهُ، كــمــا أنَّ تــجــاهُــلَ أمــور الــمــجــتــمــع والــسّــيــاســة يــجــعــل الــحــوارَ نــاقــصًا، لــذلــك يــســتــدعــي الــحـــرصُ عــلــى تــقــدُّمِ الــحــوارِ ضــرورةَ الــتّـمــيــيــزِ بــيــن الــدّيــنــيّ والــسّــيــاســيّ. هــذا الــتّــمــيــيــزُ يــســتــدعــي الإحــجــامَ عــن تــســيــيــس الــدّيــن أو تــســخــيــرهِ لــحــســابِ الــمــواقــف الــسّــيــاســيــةِ، واســتــلــهــامَــهُ بــحــيــثُ تــنــيــرُ حــقـــائــقُ الإيــمــان الــنــاسَ وتــرشــدُ إلــتــزامــهــم شــؤونَ الأرضِ والــمــجــتــمــع.