رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

سيناريوهات المشهد السياسي الليبي بعد الانتهاء النظري لصلاحية اتفاق الصخيرات

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بالرغم من الانتهاء النظري والشكلي لصلاحية اتفاق الصخيرات الموقع بين الأطراف الليبية في منتجع الصخيرات المغربي في السابع عشر من ديسمبر 2015 ، إلا أنه من الناحية الفعلية والواقعية ما زال هو الإطار الحاكم لعملية التسوية السياسية في ليبيا، خاصة أن دول الجوار الإقليمي وفي مقدمتها مصر والجزائر وتونس، ومنظمة الأمم المتحدة ومواقف القوى الكبرى أكدت أن الاتفاق هو الآلية السياسية الثابتة والدائمة نحو إقرار الأمن والاستقرار في ليبيا مع إدخال بعض التعديلات محل التوافق عليها.
ومن هنا يمكن القول أن يوم 17 ديسمبر يشكل ذكرى اتفاق الصخيرات وليس تاريخ نهاية صلاحية الاتفاق الموقع بين أطراف الأزمة الليبية قبل عامين بالمنتجع المغربي، كان الاتفاق الذي رعاه مارتن كوبلر الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، قد قضى بأن يكون مدة حكومة الوفاق الوطني - التي يترأسها فايز السراج - عام واحد قابل للتجديد لعام إضافي حال عدم إنجاز مشروع الدستور الليبي وإقراره بالاستفتاء.
وفور الانتهاء النظري لاتفاق الصخيرات في 17 ديسمبر 2017، جاءت تصريحات المشير خليفة حفتر بإعلانه نهاية الاتفاق السياسي وعدم اعترافه بأي قرارات تصدر عن الأجسام السياسية المنبثقة عنه، لتثير الكثير من علامات الاستفهام بشأن مستقبل عملية التسوية السياسية في ليبيا، وارتباك المشهد السياسي الليبي بشكل عام.
لكن ما يبعث بروح التفاؤل حول تساؤلات ومآلات المشهد السياسي الليبي، هو التوافق الإقليمي من دول الجوار والتوافق الدولي من قبل القوى الدولية كافة، ويدعم هذا التوافق تأكيد الأمم المتحدة على استكمال مسار التسوية في ليبيا بالطرق الدبلوماسية مرتكزة في ذلك على اتفاق الصخيرات باعتباره الأساس.
على ضوء ذلك يمكن استقراء صورة المشهد السياسي الليبي خلال الفترة المقبلة والتي ربما تتسم بحالة من الارتباك والتعقيد والتشابك، على خلفية المواقف المتباينة لأطراف المعادلة السياسية في ليبيا، ومواقف القوى الإقليمية والدولية المنسجمة والمتوافقة، وذلك على النحو التالي:
أولا: أن توقيت الإعلان المفاجىء للمشير خليفة حفتر القائد العام للقوات المسلحة الليبية بأن فترة صلاحية الاتفاق السياسي (الصخيرات) قد انتهت بحلول 17 ديسمبر"، كانت مبعثاً لقلق البعض خاصة وأنه كان قد انخرط مؤخراً، في لقاءات واجتماعات ومبادرات تصب جميعا في بوتقة الوفاق الليبي، وهو ما قوبل بالترحاب من قبل أطراف كثيرة في العملية السياسية بالبلاد، فقبل ثلاثة أشهر، استقبل حفتر في مكتبة غسان سلامة مبعوث الأمم المتحدة والراعي للحوار والاتفاق السياسي.
واختتمت في أكتوبر الماضي في تونس ثاني جولات مفاوضات تعديل الاتفاق السياسي الليبي، بمشاركة لجنتي حوار من مجلس النواب في طبرق (شرق) والمجلس الأعلى للدولة (طرابلس)، برعاية البعثة الأممية بالبلاد، وفور انتهاء تلك الجولة، سلم المبعوث الأممي، مجلسي النواب والدولة صيغة موحدة مكتوبة تتضمن جميع التعديلات على الاتفاق الموقع في المغرب قبل عامين.
وتعتمد الخريطة، التي طرحها المبعوث الأممي ثلاث مراحل من المفترض أن تنتهي الأولى والثانية خلال عام، وتأتي المرحلة الثالثة بعد عام من العمل، وتشمل إجراء "استفتاء لاعتماد الدستور"، يلي ذلك، وفي إطار الدستور الجديد، "انتخاب رئيس وبرلمان"، والوصول إلى هذه النقطة يؤشر إلى نهاية المرحلة الانتقالية.
وأكد مبعوث الأمم إلى ليبيا غسان سلامة، أن المفوضية الليبية للانتخابات تكثف جهودها لإيجاد ظروف سياسية وأمنية مناسبة من اجل إجراء الانتخابات في سبتمبر 2018، وشدد على حرص المنظمة الدولية على تقديم الدعم الفني اللازم لتنظيمها.
ثانياً: تأكيد رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج على أن حكومته مستمرة في عملها المعتاد وأنه لا وجود لتواريخ لنهاية الاتفاق السياسي إلا عند التسليم لجسم منتخب من الشعب، وجدد التزامه بإجراء الانتخابات في ليبيا خلال العام المقبل، مؤكدا "لن نسمح بوجود فراغ تملؤه الفوضى والانتهاكات ويتسلل إليه التطرف والإرهاب".
ونجح فايز السراج خلال جولته الخارجية الأخيرة التي قام بها في انتزاع تأييد خارجي لبقاء المجلس الرئاسي حتى إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، وهو ما عكسته خاصة مواقف مصر والولايات المتحدة الرافضة للانقلاب على العملية السياسية.
ثالثاً:الموقف العربي الداعم لاستمرار الاتفاق، إذ أكدت جامعة الدول العربية بأن صلاحية اتفاق الصخيرات لم تنته بعد، وقال المبعوث الخاص للجامعة إلى ليبيا صلاح الدين الجمالي إن الجامعة العربية تدعم المسار السياسي السلمي في ليبيا، موضحاً أن تاريخ 17 ديسمبر لا يعني نهاية صلاحية الاتفاق السياسي وإحداث فراغ سياسي في ليبيا، بل على نقيض ذلك هو تأكيد على استمرارية الاتفاق السياسي.
كما جددت مصر وتونس والجزائر دعمها للاتفاق السياسي الليبي باعتباره إطارا للحل السياسي في ليبيا، مرحبة ببيان مجلس الأمن الصادر بتاريخ الرابع عشر الجاري والمتعلق بالوضع في ليبيا.
ودعا وزراء خارجية مصر وتونس والجزائر الأطراف الليبية كافة إلى إعلاء المصلحة الوطنية للشعب الليبي الشقيق، وتغليب لغة الحوار والتوافق بما يسمح بتنفيذ "خطة العمل من أجل ليبيا"، والتي اقترحها الممثل الأممي إلى ليبيا، وإنهاء المرحلة الانتقالية في أقرب وقت وفي أجواء سلمية بإنجاز الاستحقاقات الدستورية والتنفيذية وتوفير المناخ الأمني والسياسي الإيجابي لتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية.
ووسط هذا المشهد السياسي الليبي، ثمة ثلاثة سيناريوهات تلقي بظلالها على المشهد الليبي خلال الفترة المقبلة، وهي:
السيناريو الأول: تمديد عمل المؤسسات السياسية القائمة إلى حين الوصول إلى مرحلة الانتخابات العامة في البلاد والتي بدأ يدور الحديث عنها بشكل مكثف محليا وإقليميا وعالميا وهو السيناريو الأقرب للواقع.
السيناريو الثاني: استمرار تعنت الأطراف الليبية كل على موقفه مع عدم القبول بالذهاب إلى مرحلة الانتخابات، وبالتالي دخول البلاد في فوضى سياسية وعسكرية جديدة لا تقل آثارها عن الدمار الذي خلفته الحروب السابقة، وهذا السيناريو لن يكون محل رضا دول الجوار الجغرافي سواء في مصر والجزائر وتونس لما لذلك من تداعيات خطيرة على الأمن الإقليمي العربي.
أما السيناريو الثالث وهو المتعلق بإنفاذ المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش، وعده الذي أطلقه منذ يونيو الماضي والذي أكد عليه غير مرة، بحسم الأمور عسكريا، إذا لم يتوصل القادة السياسيون لحل للتسوية السياسية، وهذا السيناريو يلقى رفضا قاطعا من قبل الدول الإقليمية ومن قبل المجتمع الدولي عامة.
يبقى التأكيد على أن ما تحتاج إليه ليبيا الآن تلاحم وتكاتف أطياف القوى السياسية الليبية كافة ومكونات المجتمع القبلي الليبي من أجل الحفاظ على وحدة التراب الليبي وحقن الدماء ومواجهة تحديات مرحلة بناء الوطن من جديد، الأمر الذي يتطلب وجود قيادة سياسية تؤمن بالمهمة، وتستطيع مواجهة التحدي في مهمة تاريخية لا مجال فيها للنزعات الفئوية، وتطور مشروعاً وطنياً خالياً من نزعة الثأر والانتقام والإقصاء، وتتخذ من التوافق السياسي أساساً له، وصياغة عقد سياسي اجتماعي جديد بالاستناد إلى دستور يمثل خريطة طريق لتنظيم الحياة السياسية في ليبيا.