الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الدور الغامض لـ"قطر" في خدمة "الشيطان الفارسي"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ظلت القضايا العربية، بفعل الهيمنة الأمريكية، نقطة هامشية، لا تمثل رقما مؤثرا فى تفاعلات السياسة الدولية، أما السبب فيعود للعرب أنفسهم، وليس لغيرهم، هم يعرفون جيدًا أن سياسة الولايات المتحدة واضحة، ولا تأخذ بمبدأ التقية السياسية، لديها مخططات استراتيجية، تهدف إلى تفكيك المنطقة العربية، فى إطار ما تطلق عليه مراكزها البحثية هيكلة النظام العالمى، بما يعنى إعادة ترتيب المناطق الأكثر رخاوة فى العالم، ودشنت مصطلح «الحرب على الإرهاب»، لإضفاء الشرعية على الحروب العسكرية، حيث مثل العراق هدفا مثاليا لها، رغم أنه لا يمثل خطرا على مصالحها، كالخطر النووى الإيرانى مثلا، لكن العراق يسهل تفكيك بنيته العسكرية دون خطورة، وهو ما جرى بالفعل، لذا لم يكن غريبا أن تتلاقى المصالح الأمريكية فى المنطقة مع مصالح قوى إقليمية، لها تطلعات إمبراطورية، مثل إيران وتركيا وقوى أخرى هامشية، تبحث عن دور يبرز مكانتها على الساحة الإقليمية، مثل قطر، فإيران يتنامى وجودها فى المنطقة العربية بصورة لافتة للأنظار، عبر أذرعها فى العراق وسوريا ولبنان «حزب الله» والحوثيين فى اليمن، حيث أدى التدخل الإيرانى المدعوم سرا من قطر إلى تهديد مباشر لدولتين مؤثرتين سياسيا واقتصاديا على المستويين الإقليمى والدولى، وهما المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية.
على جانب آخر، إذا كانت سوريا بالنسبة لإسرائيل تمثل هدفا عزيزا على النحو الذى مثله نفط العراق بالنسبة لأمريكا، فإن اليمن بالنسبة لإيران هدف أكثر مثالية، لتحقيق أهداف الإمبراطورية الفارسية، التى ترتدى رداء مذهبيا، لكن هل تستطيع واشنطن السيطرة على المنطقة برمتها للدرجة التى تتيح لها حرية التصرف فيها على النحو الذى تريده؟ الواقع على الأرض يؤكد أن المنطقة العربية على امتدادها الجغرافى، ستدفع ثمن تفكك النسيج المجتمعى، وستدفع ثمن حالة الفوضى فى العديد من الأقطار العربية، وسيؤدى ذلك إلى تراجعها الاقتصادى وإبطاء تطورها السياسى، طالما لم تتقدم الدول المؤثرة فى المنطقة العربية لملء الفراغ، بتشكيل محور أو تحالف استراتيجى، يضمن فى حدوده الدنيا تأمين المنطقة أو قيادتها حضاريا وسياسيا. 
واشنطن لا تخفى أنها تعمل على ترسيخ قواعد نفوذها فى المنطقة، لكنها تبتكر ادِّعاءات متنوعة، منها التصدى للإرهاب، ومجابهة المد الشيعى الفارسى، إلا أن الشق الغامض فى العلاقة مع قطر وإيران هو تنفيذ الأجندة الصهيوأمريكية، لتفتيت المنطقة، أما دور النظام الحاكم فى قطر فهو الإنفاق على مشروعها الاستراتيجى.
فى المقابل، تداعب خيالات حكام قطر أوهام التوسع الجغرافى، بالحصول على نصيب من تقسيم شبه الجزيرة العربية ومملكة البحرين، وانطلاقا من هذه الزاوية تحديدا تقوم السياسة القطرية على الازدواجية، أى الأخذ بمبدأ التقية السياسية، وهو منهج إخوانى، لا يعكس ظاهره حقيقة باطنه، ففى إطار محاولاتها لتوسيع دوائر نفوذها السياسى، أنفقت على مشروعين لنشر الفوضى، بما تتيح الفرصة لتحويل بعض البلدان العربية إلى دول فاشلة، للسيطرة عليها، المشروع الأول أطلق عليه مشروع النهضة ويعمل على تفتيت ثوابت الأنظمة العربية، بالحشد ضدها والتنفير من سياساتها، وهذا يتماشى مع ما أطلقت عليه الدوائر الأمريكية وروج له الإعلام القطرى «الربيع العربى»، الذى جعل أحداث المنطقة على اتساعها مساحة رخوة يمكن تشكيلها على النحو المخطط له، بما يعنى تفريغ مضمونها، فتحت هذه اللافتة جرى تنفيذ مخططات تدمير الجيوش واستنزاف قدراتها، فى حروب أهلية، أو فى مواجهات مسلحة مع تنظيمات إرهابية، تتمتع بغطاء سياسى، يمنح ممارساتها قدرا من المشروعية، ويلبسها أردية المعارضة، حيث تحول الصراع بين المعارضة وأنظمة الحكم فى البلدان العربية المحورية، من صراع سياسى إلى صراع مجتمعى قائم على أسس طائفية وعرقية ومذهبية، بدون حسابات للأمن القومى، كما بات مفهوم الأمن القومى عرضة للاجتهادات والتفسيرات القائمة على ترديد أطروحات ومصطلحات إعلامية «شعارات»، لا ترقى لعمق المفهوم، كما أن الاجتهاد العشوائى خلق فجوة بين المواقف الشعبية والمواقف الرسمية فيما يتعلق بقضايا الأمة، حيث انقسمت الآراء حولها، إلى تيارين رئيسيين، أحدهما يدور فى فلك أطروحات التيارات الإسلامية، ويرى أنها أمة إسلامية، والتيار الثانى يرى أنها أمة عربية وفق موروثات القومية العربية.. ما بين انتصار أنظمة الحكم العربية لأحد التيارين وتصديها للآخر، وفق تكتيكات المواءمات والتوازنات الداخلية، وتبادل التيار القومى والتيار الدينى مراكز النفوذ السياسى، فما إن يتنامى أحدهما يتوارى الآخر، وكلاهما يعتمد بشكل عام على ابتكار مفردات للخطاب العاطفى، دون النظر إلى أبعد من ذلك، وعندما انتصرت إرادة الشعوب على التيارات المتحالفة مع أمريكا، والمدعومة من إيران وقطر، تنامى الإرهاب، وأصبح مهددا ليس للاستقرار، بل بقاء الدول ذاتها.
مواقف واشنطن تتسم دائما بالتكتيك، حسبما تقتضى ظروف كل مرحلة من مراحل تطور الأحداث فى المنطقة، فالولايات المتحدة نجحت إلى حد جعل الفرصة سانحة أمام التمدد الفارسى الشيعى فى «لبنان العراق، وسوريا، واليمن»، أنهكت الجيوش فى حروب طويلة، وأنعشت من خلالها خزائنها بمئات المليارات من الدولارات.
الأحداث التى تعصف بالعالم العربى تحت لافتة الربيع العربى لم تكن يوما مجرد رغبة أمريكية أو رؤية قطرية، الهدف منها تشجيع الشعوب على اقتناص حق حرية التعبير، أو كسر الإرادة السياسية المقيدة للحريات، كما جرى الترويج لذلك، فالأمر يتجاوز النظرة الضيقة، المحدودة، ويمتد إلى تكتيكات التدمير المنهجى للبلدان العربية، لكن أمام وهج الخطب الرنانة، ذات الوقع الحماسى والثورى، اكتسبت المصطلحات بريقها، وأخذت بسحرها وبريقها شرائح مجتمعية إلى عوالم الروايات التاريخية، التى كان لها الأثر فى ترسيخ المبادئ الإنسانية والقيم الاجتماعية، للاقتداء برموز سياسيين ومناضلين ثاروا ضد الظلم والاستبداد، وقادوا الشعوب للتحرر من أغلال القهر، لكن شتان بين التحرر ومساعى إسقاط البلدان.