الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"داعش وحماس والإخوان" ثوابت أيديولوجية ومتغيرات ظرفية "3/3"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
- ما رأيك فى مبادرة اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا بتغيير اسمها ليصبح «مسلمو فرنسا»؟
- هناك عاملان اسهما فى هذا التغيير، أحدهما فرنسى والآخر دولي من جهة، رأينا منذ بداية حملة انتخابات الرئاسة الفرنسية الأخيرة كيف برزت، على نطاق واسع، قناعة سياسية بالخطر الذى يمثله التنظيم الدولى للإخوان المسلمين الذى ينتمى إليه «اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا»، منذ تأسيسه عام 1983، ولقد حصل إجماع فى هذا الشأن خلال الحملة الانتخابية فى فرنسا، لدى مرشحى اليمين واليسار على حد سواء. 
من جهة أخرى، هناك قائمة المنظمات الإرهابية التى قدمتها الإمارات العربية المتحدة، فى فبراير 2017، والتى وثقت لـ81 منظمة عبر العالم مرتبطة بـ«التنظيم الدولي»، أى بالفرع السرى العالمى للإخوان المسلمين، وكانت من بين تلك المنظمات جمعيات كثيرة تنشط فى أوروبا، ومنها «اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا». 
هذا السياق المزدوج، الفرنسى والدولي، هو الذى دفع «اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا» إلى تغيير اسمها، لكى تنأى بنفسها عن «اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا»، التى شكلت حتى الآن فرعه الفرنسي، وكان الهدف من ذلك محاولة الإفلات من الملاحقات التى قد تصل إلى حد حظر نشاطات هذه المنظمة فى فرنسا، كما اقترحه العديد من رجال السياسة والبرلمانيين والمنتخبين المحليين والخبراء قى قضايا الأمن والتطرف. 
كيف تفسر هذا الوعى المستجد فى فرنسا بخصوص الخطر الذى يمثله «الإخوان المسلمون» فى حين أن «اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا» ينشط فى البلاد منذ 35 سنة، وينظم سنويا، منذ عام 1984، فى «لوبورجيه»، أكبر تجمع للمنظمات المرتبطة بالتنظيم الدولى للإخوان المسلمين؟
- هناك عاملان اسهما فى بلورة هذا الوعي من جهة، هناك تجربة وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم فى مصر وتونس، على إثر ما أُسمى بثورات «الربيع العربي» وهناك من جهة أخرى، انخراط الإخوان فى الاقتتال المسلح فى دول أخرى طالها «الربيع العربي»، مثل ليبيا واليمن وسوريا.
طوال 80 عاما، منذ أن تأسس «الإخوان المسلمون» على يد الإمام حسن البنّا، ظل الإخوان يزعمون على الدوام أنهم معتدلون ينادون بـ«إسلام سياسي» مناهض لـ«الإسلام المسلح» الذى تتبناه الجماعات الجهادية. 
لكن ذلك لم يكن سوى مغالطة فالجهادية المعاصرة خرجت من معطف أحد فروع الإخوان، أى من «القطبية»، نسبة إلى سيد قطب الذى كان أحد أكثر الدعاة راديكالية من بين قيادات الجيل الأول للإخوان المسلمين. 
ومن جهة، بينت تجارب الإخوان فى الحكم، أنهم سرعان ما أسقطوا قناع الاعتدال بعد وصولهم للسلطة، لإقامة حكم تسلطي، على جميع الأصعدة، السياسية والاجتماعية والثقافية، وفقا لرؤية إقصائية للحكم لا تترك أى حرية للمعارضة العلمانية أو للأقليات، ناهيك عن انتهاك حقوق النساء.
أما فى دول «الربيع العربي» التى وقعت فى آتون الحرب الأهلية، فإن الإخوان المسلمين لم يترددوا فى رفع السلاح، مثلهم مثل الجماعات الجهادية. بل إنهم كانوا أحيانا أكثر عنفا من الجهاديين، كما كان عليه الحال طويلا فى ليبيا، على سبيل المثال، قبل أن تصل إليها داعش لاحقا. 
هذا الانهيار لوهم اعتدال الإخوان، الذى أفرزه «الربيع العربي»، شكل منطلقا لبروز الوعى فى فرنسا، وفى الغرب عموما، بالخطر الذى يشكله الإخوان المسلمون ليس بالنسبة للسلم والأمن فحسب، بل أيضا للقيم الإنسانية التى تشكل قوام مجتمعاتنا. 
هل تعتقد أن هذا الوعى الغربى يمكن أن ينخدع مجددا بالبيان الذى أصدره، مثلا، «اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا» معلنا، خلال مؤتمر عقده فى تركيا، خلال شهر فبراير 2017، انسحابه من التنظيم الدولى للإخوان المسلمين؟
- إنه لأمر مستغرب أن يعلن «اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا» انسحابه من التنظيم الدولى للإخوان المسلمين، بعد أن ظل طوال ثلاثين سنة ينكر وجود أى صلة بينه وبين هذا التنظيم، بل إن بعض قيادات «اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا» كانت تنكر أصلا وجود ذراع سرية للإخوان تسمى التنظيم الدولي. 
فى الحقيقة، لا يعدو هذا أن يكون محاولة يائسة للالتفاف على التشريعات الأوروبية الجديدة فى مجال مكافحة الإرهاب إذ حتى لو ابتعد «اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا»، بشكل فعلي، عن التنظيم الدولى للإخوان المسلمين، فإنه بكل الأحوال لن يستطيع بعد الآن أن يخادع السلطات والرأى العام فى أوروبا، أو أن يقنعها مجددا بأن «الإسلام السياسي» الذى يتبناه من شأنه أن يشكل حصنا ضد «الإسلام المسلح». 
" رولان جاكار" كاتب ومستشار فرنسى، رئيس «مؤسسة رولان جاكار للاستشارات الأمنية الشاملة».