الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ترامب وحزب الله.. جرد حساب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعادت الولايات المتحدة فتح سجلات أعمال إرهابية لـ «حزب الله» مرّ عليها أكثر من ثلاثة عقود، بعدما ظن هو وإيران أنها طويت إلى الأبد، فأمعن طوال هذه الفترة فى تكرارها، لاعتقاده أنه خارج المحاسبة وأبعد من أن تطاوله يد الدول المستهدَفة، بل انتقل بارتكاباته إلى مستوى إقليمى أوسع.
ومن الواضح أن تذكّر المسئولين الأمريكيين، بعد كل هذا الوقت، عملية تفجير مقر «المارينز» فى بيروت فى ١٩٨٣، والتى سبقها قبل أشهر قليلة تفجير مقر السفارة الأمريكية فى العاصمة اللبنانية، جزء من تغيير جذرى فى السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط، بعد الانسحاب الطوعى من المنطقة الذى نفذته إدارة باراك أوباما على مراحل، وتلاه خصوصًا زحف إيران لملء الفراغ وفرض قوى الأمر الواقع الموالية لها.
ويبدو أن «فترة السماح» الأمريكية لإيران وميليشياتها، لا سيما «حزب الله»، انقضت، وحان الوقت لإجراء «جردة حساب» لتسديد «دَينها» للمنطقة وللعالم، بعدما عاثت فيهما تخريبًا من دون رادع، وتفتيتًا لا يقف عند حدود، ونجحت إلى حد كبير فى تقسيم العرب والمسلمين، مستغلة تبنى الدولة العظمى الوحيدة عقيدة انكفائية، وتسليمها طوعًا بـ «القدر الإيراني» الذى لا يردّ، تاركة حلفاءها يواجهون وحدهم آلة تخريب جهنمية لا تتورع عن أى عمل لبسط نفوذها.
وكانت سياسة المهادنة مع إيران التى اعتمدها أوباما وصلت إلى حد توجيه تعليمات صارمة إلى القوات الأمريكية فى المنطقة، بتجنب أى مواجهة مع «الحرس الثوري» وأذرعه، على رغم استفزازاتهم المتعمدة والمتكررة لها. أما رسائل التطمين التى بعث بها إلى خامنئى، مؤكدًا أن إدارته لا تسعى إلى تغيير نظام طهران، فلم تفعل سوى زيادة عنجهية «المرشد».
اليوم تعود الولايات المتحدة إلى رشدها؛ لأن سياسة دفن الرأس فى الرمال ألحقت بمصالحها خسائر فادحة، وقلصت حلقة أصدقائها ودفعتهم إلى التشكيك فى صدق التزاماتها. لكن هذه العودة لن تكون عملية سهلة، فقد تغلغلت إيران عميقًا فى العراق وسوريا ولبنان واليمن، وتتطلب ردًا بمستوى الخروقات التى أحدثتها، وربما هذا ما جعل إدارة ترامب توسّع مروحة هجومها المضاد ليشمل إيران ذاتها و«حرسها الثوري» و«الحشد الشعبي» فى العراق، و«حزب الله» فى لبنان وسوريا، بالإضافة إلى سائر التنويعات الميليشياوية المذهبية المؤتمرة بأوامرها.
وهذه المواجهة تستلزم خطوات مدروسة قابلة للتطبيق، وقد تكون البداية فى التصويت المرتقب للكونجرس على معاقبة إيران على مواصلة برنامجها الصاروخي، وعقوبات أخرى على «حزب الله» لدوره فى سوريا.
لكن، ما الذى يمكن أن يفعله الحزب ردًا على السياسة الأمريكية الجديدة؟ الكلام يدور عن إعادة تجربة العام ٢٠٠٦، عندما افتعل حربًا مع إسرائيل، هدفها تمكين الجيش السورى من العودة إلى لبنان بعد خروجه الذى تلا اغتيال رفيق الحريري.
هذه المرة سيكون هدف الحزب الهروب إلى أمام، وإعادة تلميع صورته التى بهتت كثيرًا بسبب تورطه فى سوريا، وليس مهمًا ما قد يلحق بلبنان من دمار فى حرب جديدة، فالحزب «ينتصر» كلما كان الدمار أوسع والخسائر البشرية أكبر. وهو فى ذلك يتفق مع إسرائيل ونظام الأسد على أن لبنان ليس وطنًا قائمًا بذاته، بل ساحة لتصفية الحسابات بين إيران ومنافسيها.
إدارة ترامب تبدو مقتنعة بأن النظام الإيرانى لا يمكن أن يتخلى طوعًا عن طبيعته العدائية، ويتراجع من تلقائه عن سياسته التوسعية التى تمليها تركيبته المذهبية، لكن عليها أن تواجه بجدية تهديدات الإيرانيين للمصالح والقوات الأمريكية فى المنطقة؛ لأن أى تراجع ولو بسيط قد يؤدى إلى انهيار سياستها الجديدة بأكملها.
نقلا عن «الحياة» اللندنية