السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رائدات في تراثنا الإسلامي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كتبت قبل فترة عن نماذج نسائية، كانت لها أدوار مهمة فى تراثنا الإسلامى وذلك فى فترات مبكرة. فدور المرأة فى تلك المراحل لم يكن مقتصرا على الوظائف البيتية والأسرية، وإنما كانت لها أدوار اجتماعية مهمة، فالنساء فى تلك المراحل كن يتعلمن ويعلمن ويمارسن الوظائف المهمة فى الدولة ولدينا نموذج رائد ومهم قد أهملت دراسته عن عمد بسبب أفكار ذاتية اجتماعية، وأعنى هنا نموذج الشفاء العدوية، وقد ذكر لنا هذا النموذج الإمام أبومحمد بن حزم (الشفاء العدوية: ولاها عمر بن الخطاب رضى الله عنه السوق وكانت أهلًا لذلك).
وكما نعلم أن ابن حزم كان يرى جواز أن تلى المرأة الوظائف المهمة مثل القضاء وما يتبع ذلك، كما صرح بذلك فى كتاب «المحلى»، ولم يكن ابن حزم حينما تبنى هذا الرأى بدعا فى ذلك، بل سبقه إلى هذا الرأى ابن جرير الطبرى، وللأسف لم يصلنا من كتب ابن جرير الطبرى إلا كتاب التفسير وكتاب التاريخ. كما ذكر ابن حزم بعد ذكره للشفاء العدوية «امرأة قعدت للمظالم مثل القهرمانة: قعدت للحكم بين الناس بالمظالم وحضر مجلسها القضاة والفقهاء»، فهذه المرأة فى الدولة العباسية، وكما نرى أن فى الكتابات المبكرة لم يكن هناك حرج من ذكر هذه النماذج المضيئة والرائدة فى عطائها وخدمتها لأمتها، إلا أن ما استجد بعد ذلك من هيمنة الفكر الوعظى والصوفى خصوصًا على المنابر، بحيث ساد الخطاب الذى يعرض بقصور المرأة عن مثل هذه الوظائف، وأصبح من المسلم به أن يقال إن النساء ليس لهن إلا المنزل، وإنهن جنس متآمر على الرجال. فألف أحد وعاظ الصوفية قصيدة يذكر فيها نماذج من النساء اللواتى كان لهن دور فى النكبات، وكان اسم هذا الكتاب «تحذير الأخيار من النساء الأشرار» ولم يتورع هذا الرجل عن ذكر نساء صالحات قد غفر الله لهن ورضى عنهن بشهادة النصوص. المهم أننا ومنذ القرن الخامس تقريبا أصبحنا نطلع على مؤلفات تبكت أدوار النساء وعقولهن وأدوارهن الخلاقة من غير مراعاة لأصول وقواعد قد ذكرها التراث الإسلامى بشكل صريح مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم «النساء شقائق الرجال».
وأهمل ما قامت به المرأة العربية من أدوار فى الطب والعلوم والفلك والتجارة، وإلا فمن الذى اخترع الأسطرلاب المعقد ! إنها مريم الأسطرلابي. لقد أهمل التاريخ والمدون خصوصا محاسن النساء عن عمد وكرّس صورة المرأة اللعوب. وخير نموذج على ذلك كتاب «ألف ليلة وليلة» الذى كان يقرأ فى تجمعات العامة ومنتدياتهم قد طرح صورة للمرأة ظالمة وغير سوية فالمرأة فى هذا الكتاب خائنة كما حدث مع الأخوين شهريار وشاه زمان وهى ساحرة شريرة ومتآمرة. إن الكتب التى عرضت بالنساء وقدمت نموذجًا للمرأة الشريرة هى الكتب التى غالبًا تقرأ عند العامة، فأرست دعاية ضد النساء وضد عقولهن وضد قدراتهن انعكست سلبًا على التراث العربى والتراث الشعبي. ولنأخذ مثلا كتب الأمثال الشعبية التى تناولت المرأة، فنحن نجدها غالبا تأتى فى سياق الذم والحط والتبكيت مما ولَّد بشكل عام فى المجتمعات العربية صورة نمطية للمرأة، ورأيًا قاطعًا فى الموقف منها. وإلا فمن يذكر لبنى بنت عبدالمولى عالمة حساب ونحو وقد كانت كاتبة المنتصر بالله الأموى توفيت سنة ٣٧٤هـ.
لقد أعز الإسلام المرأة ورفع من شأنها، وأكد على أدوارها وكما رأينا فى الفترات المبكرة كيف كانت الصحابيات يصحبن الجيوش للقيام بأدوار الطبابة والمواساة والمراعاة، وهذا أمر ثابت كما رأينا كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحث على التعليم للمرأة والرجل بشكل عام، ورأينا كيف كانت أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها تصحح للصحابة رضوان الله عليهم آراءهم ورواياتهم. حتى ألف الإمام الزركشى كتابا بعنوان «الإصابة لما استدركته عائشة على الصحابة» وهو مطبوع متداول.
لقد منع بعض المتطرفين المتأخرين المرأة من تعلم الكتابة والقراءة فألّف أحدهم رسالة صغيرة تحت عنوان الإصابة فى منع النساء من الكتابة، ورد عليه أحد مشايخ نجد المتنورين برسالة صغير أسماها «الإصابة فى حث النساء على الكتابة».
وهذه الآراء التى تمنع النساء من الكتابة من الآراء التى شاعت فى الفترة المملوكية؛ ففى هذه الفترة وأعنى هنا الفترة المملوكية سادت حالة من الدعاية الموجهة ضد النساء، ولعل ذلك يرجع إلى ما لقيه المماليك من شجرة الدر؛ فظهرت دعاية موجهة ومكثفة ضد النساء وضد تعلمهن وضد قدراتهن الذهنية والعقلية. إننا لا نجد هذا الخطاب المهين للنساء وقدراتهن إلا فى دولة المماليك، وكما نعلم أن النساء فى الأندلس كان لهن أدوار علمية ومعرفية رائدة، وكم أتمنى أن تظهر عندنا كتابات تتلمس حقيقة هذه الأدوار. لقد أتلف الكثير من المخطوطات التى كانت تطرح خلاف ما هو سائد، وظهرت حكايات تكرس مفهوم أن المرأة كائن متآمر بطبعه، وعورة لا يذكر اسمها، فإذا ذكرت الأم أو الأخت يلحق ذكرها بجملة أعزك الله! وهذا خلاف ما عليه الدين الحنيف وللأسف فنحن نتأثر بالقوالب الجاهزة والمشاعة بين العامة خصوصًا، وحتى تأثر بها الخواص من العلماء.
* نقلًا عن «الرياض» السعودية