رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إسدال الستار على داعش لا يكفي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بإعلان القوات العراقية نهاية داعش فى الموصل، وتطويق عناصرها الذين ذبحوا مدينة ذات أغلبية سنية بامتياز، وقتل ضباطها الأشاوس الذين قاتلوا فى حروب العراق فى الوطن من جيش العراق السابق، إذ كان منهم المئات من أشجع وأخلص الضباط، المؤمنين بالأمة العربية، وبالعراق وجل تاريخهم لنصرة العروبة والإسلام، ذبحهم داعش وألقى بهم فى الصحاري، والقفار شأنهم شأن آلاف المدنيين من أهل نينوى حتى تركت المدينة فى خراب أسطورى، إذ دمرت معالمها ومتاحفها وتاريخها وتراثها ومراقد الأنبياء فيها والأولياء والمساجد فى سابقة لم يقدم عليها حتى المغول والتتار من قبل، فقد دمر مقامى النبيين يونس وشيت، والمدن الآشورية، وحطمت الثيران المجنحة فى المعابد، وفجرت الكنائس القديمة والأديرة، وهجّر مئات الآلاف من أهل نينوى، المحافظة الثانية بعد بغداد، وعاصمة العراق الصيفية.

لقد شهدت المدينة خلال السنوات الثلاث المنصرمة، الأهوال والمصائب فى ظل ما يسمى «الدولة الإسلامية»، والإسلام منها براء، جمعت فيها كل القتلة وعتاة المجرمين الذين انتهكوا كل محرماتها، وجعلوا أعزة أهلها أذلة، صاغرين بقوانين لم يعرفها التاريخ من قبل، لقد صفّوا رجال الدين من أهل السنة، وشيوخ العشائر والقبائل، وقتلوا ضباط الجيش العراقى السابق، وقتلوا قيادات من حزب «البعث» و«الحركة الوطنية»، وجندوا الأطفال وأجبروهم على تعلم القتل أمام أمهاتهم وآبائهم العاجزين عن منعهم، وفصلوا الرضع عن صدور أمهاتهم، واعتدوا على القاصرات، واستباحوا الإيزيديات، وباعوهنّ جوارى فى سوق النخاسة، واستقدموا غرباء من بقاع الأرض ليقتلوا الناس بلا رحمة، وسرقوا أموال الناس الخاصة.

إنها تجربة مريرة وقاسية وخطيرة أن يُقدم الإسلام الحنيف بهذه الصورة البشعة، وكأنها حرب الإسلام المتمثل بدين «الدولة الإسلامية» مع الكفار، وجلّهم مسلمون وأهل كتاب، إن الفكرة الداعشية التى خلفت كل هذا الدمار والخراب، بلا شك كان وراءها مُعيل إقليمى، وراعٍ دولى، يريد أن يحقق مسألتين رئيسيتين:

الأولى الإجهاز على صورة الإسلام السمحة وتشويهها فى الخارج والداخل ومن مخرجاتها «الإسلاموفوبيا».

والثانى تكريس الانقسام بين الطوائف حد الاحتراب والقتل وتعطيل وشلل إرادات الدول التى زرع فيها المشروع كالعراق وسوريا، لكنه طوّق بشجاعة المصريين وجيشهم الأغر، الذى حال دون تفشى المشروع فى مصر والحول دون أن يكون حاضنة له، وما عمليات سيناء سوى ذراع لذلك، بترته القوات المسلحة المصرية، ويقظة شعب مصر، بشجاعة واستباقية، وحسن تقدير.

إن العرب، ودولهم جميعًا عليهم أن يدرسوا هذه الحركة الإجرامية كفيروس أخرجته مختبرات دولية معروفة التوجه، مشخصة من أجهزتنا الوطنية العربية وخبراتنا الأمنية، فلا بد من تضافر عربى لا يكتفى بالإدانة، بل بقطع أذرع هذه الحركات التدميرية وامتدادها أينما حلت؛ فقد شوهت تاريخنا وعطلّت مسار نهضتنا، وخلفتْ صورة نمطية مضللة عن ديننا الحنيف، الذى يوصى بأهل الكتاب، ويبجل أنبياءهم رسلًا وأنبياء من الله.

لا مناص من وقفة عربية كى لا تتكرر مثل هذه الحركات التى تجرأت يوما على سرقة الحجر الأسود من بيت الله ونصبته فى مكان آخر.

كلنا مستهدفون بوجودنا وباندحار نهضتنا حين نكون متفرقين، وبانحدار العمل العربى المشترك، وباستخدام مالنا وقدراتنا، والتغرير بأبنائنا، ودفعهم إلى مناطق التطرف والغلو، التى كان داعش المنتحر أحد صورها البشعة.

لا بد من دراسة تقييمية عن هذا المشروع الذى اندحر فى العراق بتضحيات جسيمة، وإمكانات لا تعد أو تحصى، تخرج بتوصيات ورفع شكاوى دولية على الأطراف التى كانت وراء المشروع، ورعايته، احترامًا لدماء الضحايا وخدمة للإنسانية، كى يعرف العالم من هم القتلة الرعاة لهذه المشاريع التى تعتدى علينا، وتذبح أبناءنا كالخراف، وتحرق وتسلب دونما رحمة.