السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

جريمة وزير الأوقاف

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يبدو أننا فى طريق العودة إلى أجواء الابتزاز الدينى والمزايدة والتملق، وهى الحالة التى تسببت فى الدفع بمصر لأجواء الفتن الدينية وإتاحة المجال واسعًا لتعميق وتكريس مفاهيم التطرف والتشدد الدينى وما تلا ذلك من ظهور لجماعات العنف والإرهاب.
تساؤلات كثيرة فرضت نفسها مع الحملة غير المبررة التى يتعرض لها وزير الأوقاف د. محمد مختار جمعة لمجرد إعلانه بعدم استخدام الميكروفونات الخارجية فى صلاة التراويح.
الحقيقة هى حملة غير مفهومة، لأنها خلطت بين ما هو دينى وبين ما هو اجتماعى، وهى مزايدة لأنها شهدت ألوانًا من التوصيفات لا يمكن التعامل معها بصدق أو باقتناع أنها انعكاس لمواقف محددة.
الرجل جلّ ما قاله بتنظيم صلاة التراويح، ومنع استخدام المكبرات الصوتية فى الصلاة، ولا أفهم ما هى الصلة بين هذه الدعوة وبين التعدى على الدين الإسلامى.
فجأة تحولت المسألة إلى «سوق» كله يهتف ويصرخ «أنقذوا الإسلام» «إنهم يخططون لإقصاء الدين من حياتنا»، «المسألة ليست فى الميكروفونات إنما فى منع صلاة التراويح»، «طب كان يغلق المساجد بقى ونحول رمضان إلى مسلسلات ونتفرغ للتليفزيون».
المدهش أن الحملات لم تقتصر على حملة المباخر المزايدين المنتفعين والمتربحين من وراء هذه الجُمل والكلمات الزائفة، وإنما امتدت إلى بعض النواب الذين لم نسمع لهم حسًّا فى قضايا عديدة تمس مصالح الناس وهمومهم اليومية، الذين انطلقوا يتنافسون مع أصحاب اللحى المزيفة فى اتهام وزير الأوقاف بالخروج عن صحيح الدين.
نعم نحن نعانى معاناة لا أول لها ولا آخر من ميكروفونات الزوايا و«المساجد التايوانية» وهو تعبير شائع عن هياكل مزيفة عبارة عن مربع لا يسع إلا لسيارة تحول بقدرة قادر إلى مسجد لا يدخله أحد وإنما يصطف الناس خارجه تلاحقهم الميكروفونات، وبين كل زاوية والأخرى أحيانًا مساحة لا تزيد على عشرات الأمتار، ويتنافس كل إمام مع زملائه، فتتحول الأحياء السكنية إلى أسواق، تعلو فيها قراءات القرآن الكريم وأنت مثل «الأطرش فى الزفة» لا تفهم من هذا أو ذاك سوى المزيد من ارتفاع الصوت، وليذهب الناس إلى الجحيم، فلا رحمة بمريض ولا تقدير لطالب فى استذكار دروسه، ولا احترام لرغبة أسرة فى بعض الهدوء.
وليت الأمر يتوقف عند هذه الحدود، فقد استباح البعض الطرقات العامة وأحالها من مسار للبشر والسيارات إلى قاعات مغلقة بـ «الفِراشة» ولتتحول إلى مساجد تستقبل المصلين طوال صلاة التراويح وحتى الفجر، فتغلق الطرق ليلًا نهارًا، لأنه مش ممكن نفرش السرادق بالليل ونزيله بالنهار كل يوم لمدة ٣٠ يومًا، ولا يجرؤ مسئول بالتوجه لإزالة هذه المخالفات، ولتذهب مصالح الناس إلى الجحيم، ولا أدرى أى صلاة تلك التى يتوجه بها مصلون إلى الله وهم يعتدون على حقوق العباد ويمنعون مصالحهم. 
لا أفهم ما الصلة بين تنظيم هذه الفوضى وبين إعلان الحرب على الإسلام؟ وما الصلة بين ترتيب شئون العباد وبين المسلسلات الرمضانية، وهل الدعوة إلى التنظيم واحترام حقوق الناس تعنى أن نتفرغ للفضائيات ونهجر المساجد؟
يجب أن نتوقف عن المزايدة ونمتنع عن أجواء التكفير التى يثيرها البعض بين الحين والآخر، وأن نتعامل مع قضايانا بعقلانية وهدوء، حتى لا نعود مرة أخرى لأجواء خضعت فيها الدولة لمزايدات وابتزاز المتسترين خلف شعارات دينية لا صلة لها بالدين وإنما بمصالح ليست كلها سياسية وإنما بعضها أيضًا منافع شخصية.. لك الله يا د. مختار.