الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المسلم بين الإيمان الحق .. والتأسلم (39)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وكان تنظيم صالح سرية (شباب محمد) والذي سُمّي إعلامياً "تنظيم الفنية العسكرية" يضم تسعين عضواً، قبض على ثمانين منهم، وفكرة التنظيم بسيطة، كل عضو يشكل مجموعة ويضم إليها كل من يقوم بتجنيده، ورغم القول بالسرية فإن "صالح سرية" كان في عجلة من أمره، فبدأ يقابل جميع الأعضاء ليمنحهم المزيد من الحماس، وهكذا اعترف كل المقبوض عليهم بأنهم تقابلوا بشكل ما مع "صالح سرية"، كما كانت الدورات التثقيفية تضم أعضاء من مجموعات مختلفة، على العكس من التصور الأول الذي نقله "صالح سرية" عن أستاذة "تقي الدين البنهاني". وقال أحد المتهمين - وهو أحمد صالح عامر - في تحقيقات النيابة، إنه حضر اجتماعاً في حديقة الأورمان، تلقّى فيه الأعضاء بعض التدريبات البدنية [المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية – الندوة الرابعة – المرجع السابق – صـ235]، ولم يكن هناك نظام لجمع الاشتراكات، فكل من يستطيع يدفع ما يشاء، وممّا يثير الدهشة هو هذه المغامرة التي قادها مغامر متأسلم للاستيلاء على السلطة بتنظيم صغير جداً وهشّ وغير مدرّب، وما يثير الدهشة أيضاً هو أن الأمن لم يحرّك ساكناً إزاء هذا التنظيم، أو لم يعلم حتى بوجوده، ما دفع اللواء فؤاد علام، إلى التأكيد بأن تعليمات عليا كانت تشلذ يد الأمن عن ملاحقة مثل هذه الجماعة، والخطة ساذجة، اعترف المتهمون بها في محاضر التحقيق، ويتلخص الأمر كما يلي: 
• رئيس التنظيم اجتمع مع أعضائه لوضع خطة الاستيلاء على الحكم في اجتماعات جرت أيام 12،15،16 أبريل 1974. 
• تجمع أعضاء التنظيم من القاهرة الكبرى والإسكندرية مساء الأربعاء في ميدان العباسية في مجموعات صغيرة متناثرة، حيث جرى اختيار 18 عضواً لاقتحام الكلية الفنية العسكرية بمساعدة عدد من طلبتها أعضاء التنظيم. 
• قام أعضاء التنظيم بمهاجمة حرس البوابة الخلفية للكلية بالأسلحة البيضاء، واستولوا على بندقتي الحارسين، ثم تمكنوا من دخول الكلية وانضموا إلى زملائهم بعد تلقّي إشارة ضوئية منهم، وقام جميع أعضاء التنظيم - من طلبة الكلية والقادمين من الخارج - باقتحام مخزن السلاح بالكلية، غير أن حرّاس المخزن تصدّوا لهم، وجرى اشتباك قتل فيه شخص وجرح 23 آخرون، الأمر الذي أدّى إلى فشل العملية" [المرجع السابق – صـ237]. 
أما استكمال الخطة فكان يعتمد على قيام التنظيم من طلبة الكلية بالاستيلاء على غرفة التليفون وإغلاق مخازن السلاح والذخيرة بأقفال أحضروها معهم، ليسهل عليهم فتحها عندما يريدون، أما بقية المخطط فيقوم على القبض على ضباط الكلية ومديرها عند حضورهم في الصباح، واحتجازهم كرهائن، والاستيلاء على الأسلحة ثم يتحرك أعضاء التنظيم بسيارات الكلية إلى قاعة اللجنة المركزية بمبنى الاتحاد الاشتراكي بكورنيش النيل - [البيان الصحفي الذي أصدرته النيابة عقب الحادث] - ثم يقومون بعد ذلك باقتحام قاعة اللجنة المركزية ظهراً خلال اجتماع الرئيس السادات مع أعضاء اللجنة المركزية وأعضاء مجلس الشعب، وذلك بعد إيهام الحراس الموجودين بالقاعة بوجود متفجرات بالقاعة، ما يثير الفوضى في القاعة فيتمكنون من اعتقال الرئيس وأعضاء الحكومة وكل القيادات المهمة، وبعد ذلك يقوم رئيس التنظيم بإلقاء بيان عن طريق الإذاعة والتليفزيون، يعلن فيه الاستيلاء على السلطة، وبرغم سذاجة الخطة ووضوح استحالة نجاحها، إلا أن "صالح سرية" كان واثقاً من نجاحها لدرجة أنه أعدّ نص البيان الذي سيذيعه من التليفزيون، وقد ضُبِط البيان مكتوبا بخط يده، ونلاحظ فيه خلوّه من أية مسحة إسلامية، بما يوحي بأن ثقته بالنجاح جعله راغباً في إبداء مرونة تسمح للناس والقوات المسلحة والدول الأجنبية بقبول انقلابه، ونقرأ في البيان: "أيها الشعب الحبيب، أيتها الأمة المجاهدة الصابرة، لقد نجحنا - والحمد لله صباح اليوم - في السيطرة على الحكم واعتقال جميع المسؤولين عن النظام السابق، وبدأ عهد جديد ونحن لا نكيل الوعود لكم لكننا نعلن: 
1- أن النظام الجديد سيقوم على أسس جديدة لا لبس فيها ولا تناقض 
2- سوف لا تكون الثورة مقصورة على الجوانب السياسية والعسكرية فقط، وإنما تشمل جميع نواحي الحياة الاقتصادية والثقافية والتعليمية والوظيفية والاجتماعية. 
3- سوف تهتم الدولة اهتماماً خاصاً بالإيمان والأخلاق والفضيلة، وأيضاً نطلق الحرية للمجتمع ليقول ما يريد، ولنقد أجهزة الدولة عدا الكذب والافتراء والبهتان، وسوف تحمي الدولة كل مبادئ العدل المشهورة في تراثنا. 
ثم، والله الموفق – صالح سرية – رئيس جمهورية مصر العربية. 
وهكذا الفكر الساذج والخطة الساذجة وبيان إعلان الانقلاب الأكثر سذاجة، هم كل حصاد حركة "صالح سرية"، ويبقى أن نتأمل الأرقام التالية: 
توزيع المتهمين حسب السن..
فئات السن من 18 إلى 25 سنة، من 26 إلى 30 سنة، من 31 إلى 37 سنة، المجموع
العدد 66 8 6 80، ومنهم 42 طالباً جامعيّاً و17 طالب فنية عسكرية و6 طلاب ثانوي و3 مجندين و8 عمال و4 مهندسين، وكالعادة في التنظيمات المتأسلمة اعترف الجميع على الجميع، وحكم على "صالح سرية" ونائبه بالإعدام، ونُفِّذ الحكم يوم 11 أكتوبر 1975. 
لكننا نريد أن نتأمل ماذا حدث للآخرين ولنبدأ من البداية: 
"البنهاني" و"صالح سرية" من الإخوان، حسن الهلاوي وطلال الأنصاري وعدد من الأعضاء من الإخوان،       ثم بعض المفرج عنهم انضموا إلى شكرى مصطفى - الآتى هو أيضاً من الإخوان - أما البعض الآخر من أبناء الإسكندرية فقد انضموا إلى مجموعة صغيرة شكّلها مصطفى يسري سنة 1974، وسمّت نفسها "جماعة الجهاد"، ومن صفوف هذه الجماعة أتى محمد عبد السلام فرج، المهندس الأساسي لعملية اغتيال السادات، وهكذا ودوماً يطل علينا الشبح الإخواني مع كل تحرك من هذا النوع، فقد كان هناك سجين إخواني هو الشيخ طه السماوي، الذي قالت المخابرات الحربية - في تقرير لها يحمل رقم 162 لسنة 1981 - إن الملازم أول أحمد شوقي الإسلامبولي يعتنق فكره، وإنه اصطحبه معه إلى نجع حمادي ليحضر فرح شقيقته [نبيل فارس – الإسلام لا يعرف العنف – الملف السري للجماعات في مصر صـ23]، ولسنا نقصد إلصاق المسؤولية المباشرة بجماعة الإخوان عن كل هذه الأحداث، لكن الجماعة تتحمل بالقطع مسؤولية هذه الخيمة - أو الغيمة - المتأسلمة، التي أحاطت بالمناخ الفكري والسياسي، والتي غرست شوكاً متأسلماً يتنامى كأي شوك ليطفئ وهج الأزهار، ولم يزل طيف الإخوان قادراً على التوالد، فيكون تنظيم التكفير والهجرة وقائده شكري مصطفى.