رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"فقاعات لملء الفراغ الإعلامي"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
انتشرت بين الشباب كلمة "الهري" على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي حواراتهم الخاصة والعامة. والكلمة كما تفهم من السياقات التي تستخدم فيها، تعني "اللغو الذي لا طائل من ورائه حول قضية تافهة لا تستحق أدنى اهتمام".
وهو معنى يختلف عن المعنيين التاريخي والشعبي للكلمة التي تستخدم لوصف حالة فردية لشخص استغرقته قضية ما واستحوذت عليه، وأحالت حياته لجحيم فيقال: "فلان بيهري في نفسه"، بذلك يكون قد تطور مفهوم الكلمة، وأصبحت تستخدم للتقليل من شأن القضية المثارة، وللتأكيد على تفاهتها وربما تفاهة من يمنحها قيمة.
تأملت الكلمة واستخدمتها بدلالتها القديمة والجديدة وألقيت بها في وجه صديقتي الغاضبة بعد أن قالت لي بصوت يتقطع ويتحشرج من شدة الانفعال: "إنت لازم تردي على تصريحات توكل كرمان وقلة أدبها على مصر". رددت عليها قائلة :"كفاية هري بقى"، فأنا لم أقرأ تصريحاتها ولم أهتم بها أصلا، فهي فقاعة هواء مثلها مثل فقاقيع كثيرة لا قيمة لها، غير أن الإعلام قد منحهم هذه القيمة بملء الفراغ الواسع بسيرتهم بداية من هذه "التوكل" التي وصفها أبوها بأنها "بنت قليلة أدب وناقصة رباية "،وهو الذي رباها ويعلم حدود تقصيره في تربيتها.وهي وإن كانت عضواً في التنظيم الدولي للإخوان الإرهابيين فالتنظيم يضم في عضويته من هم أكثر وقاحة منها وإجراما.
ينطبق الأمر نفسه على قصة ملء مساحة الزمن والورق الإعلامية على هؤلاء الذين يملأون الدنيا ضجيجا، وهم في الحقيقة مثيرون للشفقة من شدة الوهم الساكن في عقولهم، فهم يعتقدون أنهم يصنعون التاريخ بينما ومن فرط فشلهم ليسوا قادرين على أن يصنعوا تأثيرا في محيط العمارة التي يسكنونها، ورغم ذلك ينتشرون ويتوغلون في ثنايا السطور والساعات لملء الفراغ .
والحقيقة أن هؤلاء وعندما نهدأ سوف يكونون مادة خصبة للكتابة الكوميدية بامتياز مع الإقرار بأنهم في الواقع غير محتملين من فرط ثقل ظلهم.
ولعل الإعلام يبدأ في الفترة المقبلة وينتبه لضرورة تنظيف المشهد الإعلامي تدريجيا من وجوههم وأخبارهم وتصريحاتهم، فنحن في حاجة ماسة لأن نستعيد الهدوء والحديث عن الأدب والموسيقى والرسم والنحت والسينما، وأن نسمع اسم نجيب محفوظ وصلاح جاهين ويوسف إدريس ونجيب الريحاني وفاتن حمامة وشادية ولطيفة الزيات وإنجي أفلاطون ولتتوارى عن أسماعنا وأبصارنا أسماء ووجوه لا هي نجيبة ولا محفوظة.
نحتاج لأن نتنفس بعمق وأن نجد الوقت لعبور كوبري قصر النيل إلى متحف محمود مختار لنرى حركة جسد الفلاحة المصرية فقد تعبت عيوننا من رؤية "تشويح" أيدي المحللين والنشطاء والخبراء الذين اغتصبوا هذه الألقاب والحقوها بأسمائهم، علنا نجد الوقت والروح لعبور الشارع إلى مبنى الأوبرا ونغني أغنية "تلات سلامات يا واحشني تلات تيام" لنشفى من التلوث السمعي والهبوط اللفظي المنبعث من أصوات نشطاء الهري الكلامي.
لقد وحشتنا مصر التي أوشكنا أن نفقدها في سنة حكم مرسي وجماعته السوداء، ولم نعد نحتمل أكثر من ذلك غياباً لروح مصر.