الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حرية المرأة عند زكي نجيب محمود.. «5-5»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أما عن الفروق العقلية بين الجنسين «Intellectual Differences»، فنجد أن العقل ـ كما أوضح «ديورانت» ـ فى الرجل أشد عمقًا وأوسع مدى، لأن الرجل منذ بدء الحياة قد اضطر إلى مغادرة المنزل إلى العالم الخارجى، فكان عليه أن يلقى ظروفًا جديدة يواجه بها هذه الحياة؛ فلم تعد الغريزة وحدها تكفيه، فقد استطاع ـ على مر العصور ـ أن يروض قواه العاقلة حتى بلغت من المرونة حدًا بعيدًا، أما المرأة فقد ظلت إلى عهد قريب لا تعنى فى حياتها إلا بالسعى وراء زوج تصادفه «إلا قليلًا من نساء المدن»، ثم تنصرف بعد ذلك إلى تدبير منزلها وتربية أبنائها؛ فهى أكثر من الرجل استعدادًا بفطرتها لمباشرة شئون الحياة اليومية وأسرع منه نضجًا وأقرب إلى بلوغ الرشد وأعرف بما يرضى المجتمع. المرأة مقيدة بما ورثته، والرجل مغامر مخاطر مجدد، هى عامل الاستقرار المطرد وهو أداة التغير؛ وهذا الاستقرار فى طبيعتها قد ولّد فيها جمودًا فى الشعور وقصورًا فى الفكر، فأفقها لا يتسع إلى أكثر من بيتها وأسرتها. وقد يحدث أن تتسع نظرة المرأة حتى تشمل بعطفها الإنسانية جمعاء، ولكن ذلك لا يكون إلا فى صدر شبابها، حتى إذا ما صادفت زوجها سارعت إلى ذلك العطف وحصرته فى بيتها. 
وقد اتفق «ديورانت» مع «شوبنهاور» فى أن المرأة بحكم طبيعتها وتكوينها، لم تخلق للأعمال الذهنية أو الجسدية، فرسالتها فى الحياة منحصرة فى الإنجاب ورعاية الأطفال وطاعتها للرجل وخضوعها له. ولقد أرغمتها طبيعتها على أن تسلك فى حياتها سبيلًا مطمئنة وادعة، لا تصادف فيها ما يصادفه الرجل ـ فى حياته ـ من التطرف فى اللذة والألم، وإذا كانت الحياة قد ركنت إلى المرأة فى أن تكون أداة تتعهد الصغار فى طفولتهم المبكرة، فمعنى ذلك أن عقلها يلائم الغرض من وجودها؛ فجاءت ضعيفة العقل قصيرة النظر وكأنها «طفل كبير» لكى يتم بينها وبين أطفالها شىء من التناغم والتناسق. بهذا المعنى تشكل المرأة مرحلة عقلية بين الطفولة والرجولة، أما الرجل فهو الكائن البشرى الحق الذى قصدت إليه الحياة.
وحول هذا المعنى يذهب «العقاد» فيقول: «إن المرأة لها تكوين عاطفى خاص، لا يشبه تكوين الرجل، لأن ملازمة الطفل الوليد تستدعى شيئًا كثيرًا من التناسب بين مزاجها ومزاجه، وبين فهمها وفهمه، وبين مدارج جسمها وعطفها ومدارج جسمه وعطفه، وهذا أصل من أصول اللين الأنثوى الذى جعل المرأة سريعة الانقياد للحس والاستجابة للعاطفة، فيصعب عليها ما يسهل على الرجل من تحكيم العقل وتغليب الرأى وصلابة العزيمة. فهما ـ ولا شك ـ مختلفان فى هذا المزاج اختلافًا لا سبيل إلى المماراة فيه».
والمعضلة تكمن فى أن هذه الآراء السابقة رغم انطلاقها من خصائص مكتسبة سببها حبس المرأة داخل جدران البيت وملازمة الأطفال، فإن قطاعًا كبيرًا من الناس فى بلادنا تحولت ـ فى ظنه ـ تلك الخصائص المكتسبة إلى جبّلة ثابتة راسخة منسوبة إلى المرأة، واعتقد هذا القطاع من الناس أن هذه الخصائص والصفات هى «لب» التكوين الأنثوي؛ وأخطر من ذلك أن هذه الخصائص النفسية المكتسبة تحولت فى ظن هؤلاء إلى صفات عقلية ألصقت بالمرأة وغير قابلة للتعديل، فتنحبس المرأة فى سجن «العاطفة» وينطلق الرجل فى آفاق العقل والرأي. وهذا الخلط يعد من أخطر الآفات الفكرية والاجتماعية فى مجتمعاتنا العربية والإسلامية.
فى نهاية دراستنا عن «حرية المرأة عند زكى نجيب محمود»، لا بد أن نشير إلى بعض النتائج التى انتهت إليها هذه الدراسة. وهى على النحو الآتى:
■ حرية المرأة عند «فيلسوفنا» جزء لا يتجزأ من المشكلة الأساسية وهى «مشكلة الحرية» بمعناها السياسى ومعناها الاجتماعى، وهما المعنيان اللذان تدور حولهما معظم أرجاء الحياة المعاصرة.
■ لا شك أن لفظ «الحرية» قد استخدم بكثرة قبل «زكى نجيب محمود»، لكن دوره الأساسى يكمن ـ بصفة خاصة ـ فى عملية التحديد والتعريف لا سيما للجانبين السلبى والإيجابى لهذا اللفظ.
■ حاول «زكى نجيب محمود» تأكيد أن قضية «المرأة» قضية إنسانية اجتماعية، بمعنى أنها قضية لا تنفصل عن قضية الرجل، فهى من ثمَّ جزء جوهرى أصيل فى قضية الوجود الاجتماعى للإنسان.
■ لا ينكر «زكى نجيب محمود» الجانب البيولوجى الطبيعى المميز لكل من «المرأة» و«الرجل»، لكن هذا الجانب يتم تكييفه وإعادة صياغته ـ ثقافيًا وفكريًا ـ وفقًا للشروط المحددة للوضع الإنسانى بصفة عامة.
■ إن تحرر «المرأة» المتمثل فى ممارستها لحقوقها الطبيعية والإنسانية لا يفارق عند «زكى نجيب محمود» تحرر «الرجل» المتمثل فى قدرته على ممارسة حقه الطبيعى على المستويات والأصعدة المختلفة. لكن هذا التحرر الإنسانى مرتهن بسياق تحرر اجتماعى وفكرى عام.
■ إن «المرأة» ـ كما رآها «هذا المفكر الكبير» ـ ليست بمثابة ديكور أو لوحة جميلة أو قطعة موسيقية أو تحفة فنية.. كل مهمتها فى الحياة إضفاء لمسات من النعومة والدفء على حياة الرجل، مثل هذه العلاقة أشبه بعلاقة التابع بالمتبوع أو العبد بالسيد.
■ حرص «زكى نجيب محمود» على عدم حبس «المرأة» داخل أسوار البيت، لأن ذلك يفقدها عناصر الوعى الاجتماعى المكتسب. معنى هذا أن الدعوة إلى عودة المرأة إلى بيتها تؤدى إلى عزل الأم عن المحيط الاجتماعى، فيحرمها ذلك من التفاعل مع هذا المحيط، ويؤدى ـ من ثمَّ ـ إلى فقدان فعاليتها فى اكتساب الوعى اللازم لعملية التنشئة ذاتها.
■ حرص «مفكرنا»، أيضًا، على عدم حبس «المرأة» داخل سجن الحجاب الذى يعد تجسيدًا رمزيًا لكل معانى التغطية العقلية والاجتماعية.
■ وأخيرًا بما أن «المرأة» هى نصف المجتمع، لذلك رأى «زكى نجيب محمود» ضرورة تغيير النظر إلى «المرأة» تغييرًا كاملًا شاملًا، بحيث يلائم روح العصر الجديد.