السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

رسائل ماجستير ودكتوراه للاستهلاك.. تُهدر ملايين الجنيهات دون استفادة.. 20 رسالة جيدة من بين 100 تناقش سنويًّا.. جامعيون: المشكلة في المجاملات بين الطالب والأستاذ والعكس.. ومراقبون: فساد علمي

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
البحث العلمي في مصر مقهور ومضطهد ومذموم، لا يريد أحد أن يدعمه، يبتعد عنه الجميع كما لو كان من الأشياء المُعدية والوبائية رغم أنها أصل التنمية في البلاد وللبلاد، رسائل ماجستير ودكتوراه بالآلاف نوقشت بنفقات ملايين، والنتيجة انتهت بها الحالة لتزيين المكتبات في أرفف مكتبات الجامعات، بعضها جيد، والغالبية منها نوقش لمجرد المناقشة ومنح الدرجة العلمية في غياب رقيب للبحث العلمي. 




قبل أيام عرض وزير التعليم العالي الدكتور خالد عبدالغفار، تقريرًا عن البحث العلمي المصري فى عام 2016، جاء به أن عدد البحوث العلمية المنشورة فى مجلات مفهرسة عالميًّا 192840 بحثًا، منها 17970 بحثًا فى عام 2016 فقط، بمعدل بحث كل 29.2 دقيقة، مضيفًا أن مصر متميزة فى 59 تخصصًا علميًّا فى أعلى قائمة 20% من دول العالم.
وأضاف أن تقرير الإحصاء الدولي لبحوث النانوتكنولوجي لعام 2017 جاء به أن مصر رقم 25 دوليًّا بإجمالي 1606 أبحاث خلال عام 2016 فى النانوتكنولوجي، وماذا فعل الوزير بهذا الكم من الأبحاث، الإجابة: "لا شيء".

هنا يقول الدكتور سعيد خليل، مستشار وزير الزراعة السابق: إن ما يتم من أبحاث في مركز البحوث وبعض الجامعات المصرية استهلاك للوقت وليس أبحاثًا تتواكب مع التطور العلمي كبحث إنتاجي حتى نَحُلَّ مشكلة فى المجتمع، وما هو إلا بحث للترقية فقط، ثم يُلقَى فى الأدراج أو على الرف، بدليل أن مصر بها الكثير من المشاكل بالفجوة الغذائية والإنتاج الغذائي لا حصر لها، فأين دور مركز البحوث الزراعية فى ذلك؟ 
وتابع أن المركز خلال عشر سنوات أنتج بما يفوق 337 ألف بحث لم يستفد منها المجتمع، أغلبها رسائل لا تسمن ولا تغنى من جوع، ولا يمكن لها أن تحل مشكلة واحدة من مشاكل المجتمع على أرض الواقع، مضيفًا أنه لا بد من النظر بواقعية للبحث العلمي فى مصر؛ حتى يتم حصر المشاكل ثم حلها بأبحاث تجرى خِصِّيصى لها على أرض الواقع، وتكون هناك فِرق علمية متكاملة بدلًا من العمل في جُزُر منعزلة.
وأضاف خليل أن إهمال البحث العلمي فى مصر بسبب الفساد المتراكم على مدى 35 سنة أدى لإسفاف عقول العلماء، وأي عالم أو باحث يبتكر بحثًا خلاقًا يحل مشكلة حقيقية يتم التخلص منه والتنكيل بهم؛ بسبب سوء القيادات العلمية فى مصر.
وأوضح أنه إذا تم وضع دراسة جيدة لرسالة دكتوراه لحل مشكلة ما، بمجرد أن ينتهى البحث ويحصل الباحث على الدرجة العلمية، يتم وقف هذا البحث ولا يتم تتبعه؛ لأن إدارة المعهد البحثي نفسه وإدارة القسم والمركز لا تتابع هذه الأبحاث للاستفادة منها نهائيًّا، وهذا يرجع لسوء الإدارة وسوء التخطيط، وهذا يدل على أن الزراعة المصرية لا تعمل باستراتيجية، وما تم وضعه هو حبر على ورق بلا تنفيذ، بدليل المشاكل التي يعيشها الفلاح والاقتصاد المصري حاليًّا فى الإنتاج الحيواني والنباتي والداجني والسمكي.

وقال الدكتور محمد كمال، المتحدث الرسمي لنقابة أعضاء هيئة التدريس: إنه بسبب عدم وجود أي قيود وفتح الباب بشكل كبير أمام الدراسات العليا وانتشار حالة البطالة الكبيرة فى صفوف الخريجين، أصبحت الدراسات العليا وسيلة للهروب من البطالة، ولا توجد جامعة تستطيع رفض ذلك، مضيفًا أن بعض الأساتذة يتساهلون فى الخطط المقدَّمة لهم من الباحثين، فتخرج لنا رسائل كثيرة ليس لها أي قيمة ولا تفيد المجتمع، وهذا يضر الرسائل القيِّمة والمفيدة للمجتمع، فمثلًا لو نوقشت 100 رسالة، تجد منها 20 جيدة، والباقي غير جيد ويُلقَى فى الأدراج.
وأضاف أنه فى بعض الكليات العلمية قد تجد بعض الرسائل جيدة جدًا ولا يتم الاهتمام بها؛ لأنها قد تؤثر على بعض شركات القطاع الخاص الذى يمتلكه رجال الأعمال وبالتواطؤ مع بعض المسئولين يتم هدم هذه الرسالة وعدم تطبيقها، مضيفًا أننا لا يوجد لدينا فى مصر ربط بين الزراعة والصناعة والبحث العلمى.
وتابع كمال أن معظم الأساتذة الذين سافروا للخارج فى بعثات لا يريدون العودة لمصر مرة أخرى، وهنا نحن نتركهم للدول العربية والعالم الغربي يستفيد من علمهم.

ولفت الدكتور محسن صالح، أستاذ الإنتاج السمكى بكلية الزراعة جامعة الأزهر، إلى أن بعض رسائل الماجستير والدكتوراه تكون ضعيفة حتى لا ينفق عليها الباحث أموالًا وتُلقى فى الدرج فى نهاية المطاف فيقوم أستاذ باختيار موضوع للباحث فينقله الباحث بتغيير بعض المعلومات به ويقدمها كرسالة ماجستير دون أى جديد فيها ودون أن يكلف نفسه إلا طبع البحث.
وأضاف صالح أن من يفعل ذلك يشوه صورة الباحث الجيد مع الباحث الذى يبحث عن الترقي فقط، ومن ثم فإن كل الأبحاث فى النهاية تُلقى في الأدراج، وهذا جعل ترتيبنا فى البحث العلمي متأخرًا لأن من يقيم الأبحاث يجد أن هذا البحث قد نُشر عدة مرات لباحثين مختلفين مع تغيير قليل به.
وأوضح أن مصر بها علماء أفاضل متخصصون على أعلى مستوى، أغلبهم يهرب للخارج بسبب ضعف البحث العلمي فى مصر؛ لأن بحثه لا يطبق على أرض الواقع نتيجة قلة الإمكانيات، مضيفًا أنه طالب رئيس الجمهورية بإعطائهم 3 أحواض من المزرعة السمكية العملاقة بقناة السويس نجرى عليها أبحاثنا وتجاربنا العلمية وسننتج لمصر أفضل إنتاج سمكي بأعلى جودة.

ولفت الدكتور حسين بدر التربانى، رئيس قسم الإنتاج الحيوانى بكلية الزراعة جامعة الأزهر، إلى أن هناك بالفعل نسبة لا يُستهان بها من الرسائل غير الجيدة والتي لا تضيف شيئًا للمجتمع، مضيفًا أن الكثير من الهيئة المعاونة وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات ينفقون على أبحاثهم من جيوبهم الخاصة مما يؤثر على الحالة المعيشية لأُسرهم، وميزانية البحث العلمي غير كافية ولا يتم تنفيذها كما نص الدستور على ذلك.



ورأى الدكتور هشام سرور، أستاذ الكيمياء الفيزيائية والبيئية، أن النتيجة الطبيعية لإهمال البحث العلمى فى مصر أنه لا توجد بيئة بحث علمي فالطالب ولا المشرف يستطيع أن يقتحم موضوعات جديدة تحتاج إلى تحاليل مكلفة أو عينات كثيرة، وينطبق هذا على أبحاث الترقية لأستاذ وأستاذ مساعد، والنتيجة تخرج لنا أبحاث هشة لا قيمة لها تنشر فقط من أجل الحصول على الدرجة او الترقية ويصبح لديناه أشباه علماء أو أشباه باحثين يصبحوا عالة لا مبتكرين موظفين لا علماء يضيع يومهم في المواصلات وراء لقمة العيش بل أغلبهم يعمل عملًا آخر إضافى لكى يستطيع أن يعيش لا أن يبتكر.
وأضاف سرور أنه في الدول المحترمة التي تخطط لسنوات يصبح لديها تصور لما يحدث بعد 10 سنوات و20 سنة فتصبح رسائل الماجستير والدكتوراه في خطة تخدم التنمية بل توجد برامج تمويلية بين المصنع والمشاريع وبين جهات البحث العلمي لتحل مشاكل تطويرية أو مشاكل إنتاجية، فالكل رابح فالقاعدة الذهبية تقول إن كل دولار يتم إنفاقه على البحث العلمي الحقيقي يحقق عائدًا قدره 5 دولارات عندنا لا دولار يصرف على البحث العلمي ولا عائد لأنه لا توجد بيئة بحث علمى.
وتابع أن هناك دراسة أجرتها أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، كشفت أن أكثر من 750 ألف عالم هاجروا من مصر، من بينهم 620 عالمًا في علوم نادرة، منهم 94 عالمًا متميزًا في الهندسة النووية، و26 في الفيزياء الذرية، و72 في استخدامات الليزر، و93 في الإلكترونيات، و48 في كيمياء البوليمرات، إضافةً إلى 25 في علوم الفلك والفضاء، و22 في علوم الجيولوجيا وطبيعة الزلازل، بخلاف 240 عالمًا في تخصصات أخرى لا تقل أهمية.
وقال سرور: إنه على الورق تضم مصر حوالى 125 ألف عالم وباحث يعملون فى حوالى 387 مركزًا ووحدة بحث، والعائد لا شيء، ومن خلال دراسة من وزارة التخطيط سنكتشف أن متوسط ما يحققه كل عالم وباحث فى مصر سنويًّا بلغ 124 جنيهًا عام 2012، انخفض إلى 116،8 جنيه عام 2013، لكنه ارتفع إلى 234،4 جنيه عام 2014، و244 جنيهًا عام 2015، أى أن متوسط إنتاجية- إذا جاز التعبير- العالم والباحث فى مصر بلغت 67 قرشًا فى اليوم، وهذا ليس ذنب الباحث في مصر ولكن ذنب دولة تسير دون تخطيط وتضع البحث العلمى في آخر أولياتها ولا تؤمن أن البحث العلمى هو قاطرة التنمية وأنه هو المخرج الوحيد لما نحن فيه.
وأشار إلى أن تل أبيب أنفقت على البحث العلمي فى العام الأخير 19 مليار دولار، فحقق لها عائدًا بلغ 59 مليار دولار، أى ما يوازى 590 مليار جنيه مصري، وهو ما يقارب ثلث ميزانية مصر والمفاجأة أن عدد علماء إسرائيل الذين يحققون كل هذه العائدات أقل من عدد علماء مصر، ففى تل أبيب 120 ألف باحث وعالم فقط، منهم أكثر من 80 ألف عالم وباحث عربى، أما عندنا فكل في اتجاه ولا توجد خطوط عريضة لسياسة بحث علمى مثلًا لماذا لا نركز جهود الدولة في النانوتكنولوجى ونتفوق في هذا المجال ونتميز به.

وأكد المهندس جمعة طوغان، الباحث فى الزراعة، أن مخرجات البحث العلمي بمصر من براءات الاختراع قائمة على الباحثين الأحرار بنسبة 90% ولا يخصص لهم أي بند للإنفاق من أي جهة، وهؤلاء المخترعون لا توجد لهم أي جهة ترعاهم وعرضة للنصب ممن يدّعون الرعاية وشراء الابتكارات وهم ليسوا إلا سارقى الأفكار.
وطالب طوغان بإنشاء كيان موازٍ لمراكز الأبحاث يهتم بالحاصلين على براءات الاختراع والعمل على الاستفادة من العقول المتميزة والتي أحدثت حلولًا غير مسبوقة للمشكلات متمثلة في براءة اختراع بحيث يكون هذا التجمع لتشجيع البحث العلمي التطبيق للاستفادة منهم في حل مشكلات الوطن من خلال حل علمي قابل للتطبيق، ويتم معاملة هؤلاء الحاصلين على براءات الاختراع معاملة الباحثين الأكاديميين من النواحي المالية والأدبية.