الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

"علي معزة وإبراهيم".. عودة سحر الحارة

فيلم «على معزة وإبراهيم»
فيلم «على معزة وإبراهيم»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اعتاد صناع الأفلام فى السنوات الأخيرة، وتحديدًا بعد الثورة، تقديم الحارة المصرية والبيئة الشعبية على أنها المصدر الأساسى لتصدير البلطجة والموبقات، وإبراز الشخصيات التى تخرج من هذه الحارة كنماذج عنيفة وانتقامية، نتيجة للقهر الذى تتعرض له على جميع المستويات سواء كان ماديا أو اجتماعيا.
يخرج على معزة وإبراهيم عن هذا الطريق، ليقدم أيضًا شخصيات مقهورة، ولها معاناتها، ولكنها تحاول أن تتعامل مع أزماتها الشخصية، وتبحث لها عن مخرج أو مكان فى هذا العالم، لكن ينحرف بهم المسار فى نهاية الطريق ليدخلوا إلى عالم الفانتازيا دون مبرر واضح لذلك.
فى التجربة السينمائية الطويلة الأولى لشريف البندارى، وسيناريو أحمد عامر عن قصة إبراهيم البطوط، نتتبع رحلة على معزة وإبراهيم.. هما شابان يقطنان أحد أعماق حى الدرب الأحمر، يعمل «على» تباع على ميكروباص والده المتوفى لأنه يخشى القيادة، تربطه بمعزته ندى علاقة حب غريبة، يهتم بها كآدمى ويعاملها كخطيبته، ويرفض أن يقول عليها أحد إنها معزة، يأخذها معه فى كل مكان ويشترى لها الهدايا، الأمر الذى يجعله محط سخرية المحيطين به.
أما إبراهيم فهو شاب موسيقى موهوب، ورث موهبته الفطرية من جده لأمه، يعانى من مرض وراثى يجعله يسمع أصواتا عالية حادة فى أذنيه تفقده السيطرة على نفسه وتجعله يدخل فى نوبات أشبه بالصرع.. هذا المرض الذى أفقد جده السمع، وجعل أمه تنتحر فى إحدى نوباته وهو صغير، يتسبب له فى مشكلة فى عمله، ويجعله هو أيضًا منبوذا من أهل الحارة. بعد أن تصر والدة على (سلوى محمد على) على اصطحابه إلى أحد الدجالين. يلتقى على بإبراهيم عند هذا الدجال الذى يعطى كل منهما كيسا به ثلاث زلطات، وعليهما أن يقوما بإلقائها فى المسطحات المائية الثلاث بمصر حتى يشفيا من أمراضهما، ويتفقان على أن يبدآ رحلتهما معًا.
الرحلة التى استغرقت الجزء الأكبر من الفيلم لم تكن بهدف واحد لكلتا الشخصيتين، فهى بالنسبة لإبراهيم رحلة البحث عن الخلاص من عذابه الوراثى، لكنها بالنسبة لعلى هى من أجل الترويح عن ندى، فهو قانع تمامًا بحبه لها ولا يهتم كيف ينظر إليه الآخرون.
شخصية على معزة التى أداها ببراعة وتلقائية على صبحى، هى أكثر الشخصيات وضوحًا واتساقًا مع نفسها، كما ساعدت مقومات صبحى الشكلية على أن تجعله اختيارا موفقا جدًا لهذا الدور.
على معزة رغم نشأته فى بيئة شعبية وعمله كتباع على ميكروباص غير أنه شخصية رقيقة مرهفة، هذه الرقة يتم تفسيرها ووضوحها أكثر مع تكشف حقيقة ارتباطه بمعزته ندى فى نهاية القصة. هو أيضًا شخص ضعيف فى مواجهة الأزمات حتى البسيطة منها، ويستمد قوته من المحيطين به، وبالتحديد صديقه «كماتا» (أسامة أبوالعطا)، فحينما يبدأ رحلته مع إبراهيم ويسافران إلى الإسكندرية ويتجمع الأطفال حول «ندى» للهو بها، نجده يقف مذعورًا ينادى على كماتا، الذى لا يرافقهما فى الرحلة، لينقذ حبيبته من يد الأطفال، ويظهر ذلك أيضًا فى مشاهد مطاردة الأطفال له فى الحارة وخطف قبعته.
أما شخصية إبراهيم، التى أداها أحمد مجدى، فتحمل فى طياتها جوانب مظلمة أو حلقات مفقودة تجعلنا لا نتماهى معها بشكل كامل، فرغم أن شخصية «إبراهيم» تطل علينا من أعماق حى الدرب الأحمر، غير أنها تبدو شخصية نالت قسطا أوفر من التعليم على عكس «على»، ويظهر ذلك فى طريقة الكلام وبعض الألفاظ والعبارات التى لا تخرج إلا من شخصية قد نالت تعليما جامعيا على الأقل، الأمر الذى يجعلنا نتساءل هل هذه مشكلة السينارست أم أنه عدم توفيق من أحمد مجدى فى أداء الدور.
ورغم النوبات التى تزداد شدتها بمرور الوقت من سماعه للأصوات الحادة، غير أنه لا يحاول التخلص منها بالذهاب إلى الطبيب والبحث عن سببها، خصوصا أنه مرض متوارث أفقده أمه وسمع جده وجعل أباه يهرب بعيدًا عنهم، ورد الفعل الوحيد هو ذهابه إلى هذا الدجال واقتناعه بفكرة الزلطات الثلاث.
أما شخصية نور أو صباح (ناهد السباعى) وقصتها الفرعية مع كماتا فهما دخيلتان على الفيلم، ولا وجود لأى مبرر درامى لوجودهما، وإذا تم حذف الشخصية والقصة فلن تشعر بأى خلل. 
قدم السينارست أحمد عامر حبكة جيدة ومتماسكة إلى حد كبير، رغم وجود بعض المشاهد غير المبررة فى الفيلم وتكرار نوبات الألم التى تصيب إبراهيم دون أن تقدم جديدا، فضلًا عن ابتذال الحوار أحيانًا بسبب كثرة الشتائم، أو وجود عبارات لا تناسب الشخصيات، لكن الفخ الحقيقى الذى وقع فيه السيناريو هو النهاية التى انحرفت بالأحداث ودخلت بها إلى منطقة الفانتازيا والأساطير، والتى ربما كان هناك مغزى لها إذا كانت القصة قد أخذت هذا المنحى منذ البداية، ليجعل من ندى المعزة البطل الحقيقى للفيلم دون سبب واضح. 
يعد الفيلم شهادة الميلاد الحقيقية لشريف البندارى كمخرج واعد متمكن من أدواته قادر على التعبير عن قصته بعناصر بصرية متناغمة أضفت على الفيلم سحرًا مميزًا، خصوصا فى تصوير الحارة الشعبية وداخل بيوت الأبطال. على معزة وإبراهيم، رغم مشكلات السيناريو ورسم الشخصيات غير أنه يقدم نموذجا مختلفا للبيئة الشعبية وشخوصها وقصصها عن الدارج فى السنوات الأخيرة، ويبتعد بنا عن موجة التطرف فى العنف والانتقام من القهر، ويعيد للحارة المصرية وأهلها سحرهم المفقود منذ سنوات.