الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مبارك ‮"‬بريئًا‮"‬

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد‭ ‬قيام‭ ‬الثورة‭ ‬البلشفية‭ ‬فى‭ ‬روسيا‭ ‬عام‭ ‬١٩١٧‭ ‬اعتُقِل‭ ‬القيصر‭ ‬نيكولاس‭ ‬الثانى،‭ ‬ووُجِّهت‭ ‬له‭ ‬تهم‭ ‬كثيرة،‭ ‬وأُعدِم‭ ‬مع‭ ‬عائلته‭ ‬فى‭ ‬السنة‭ ‬التالية،‭ ‬بعد‭ ‬محاكمات‭ ‬سريعة‭ ‬بالخيانة‭ ‬والقتل‭ ‬والفساد‭. ‬محاكم‭ ‬الثورات‭ ‬دائمًا‭ ‬سياسية،‭ ‬لأنها‭ ‬تعطى‭ ‬الشرعية‭ ‬للحكم‭ ‬الجديد‭.‬
حسنى‭ ‬مبارك،‭ ‬هو‭ ‬المصرى‭ ‬الأطول‭ ‬عمرًا‭ ‬فى‭ ‬حكم‭ ‬البلاد؛‭ ‬ست‭ ‬فترات‭ ‬رئاسية،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يتصور‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬ينتهى‭ ‬ذليلًا‭ ‬مسجونًا، فاز‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬انتخابات،‭ ‬بالقليل‭ ‬من‭ ‬الجهد،‭ ‬لأن‭ ‬نظام‭ ‬التصويت‭ ‬يضمن‭ ‬له‭ ‬الفوز،‭ ‬وحتى‭ ‬بعد‭ ‬تعديله‭ ‬فى‭ ‬آخر‭ ‬مرة‭ ‬كان‭ ‬فوزه‭ ‬سهلًا‭ ‬وساحقًا،‭ ‬لأن‭ ‬الانتخابات‭ ‬عادة‭ ‬مسرحية‭ ‬مصمَّمَة‭ ‬للفوز‭ ‬فقط‭.‬
لكن‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬الخلل‭ ‬الواضح‭ ‬فى‭ ‬شرعيته،‭ ‬فإن‭ ‬مبارك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬حاكمًا‭ ‬مستبدًا‭ ‬كما‭ ‬يُشاع،‭ ‬كلهم‭ ‬فى‭ ‬عهده‭ ‬عملوا‭ ‬فى‭ ‬العلن،‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬المعارضة،‭ ‬مثل‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬الذين‭ ‬كانت‭ ‬لهم‭ ‬كتلة‭ ‬فى‭ ‬البرلمان،‭ ‬ووسائل‭ ‬إعلام‭ ‬ومساحة‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬الحرية‭.‬
ويقول‭ ‬أحمد‭ ‬ماهر،‭ ‬من‭ ‬حركة‭ ‬شباب‭ ‬٦‭ ‬إبريل،‭ ‬وهو‭ ‬تنظيم‭ ‬معارض‭ ‬تأسس‭ ‬فى‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬قبل‭ ‬انتفاضة‭ ‬ميدان‭ ‬التحرير،‭ ‬إن‭ ‬خطة‭ ‬الشباب‭ ‬الثورى،‭ ‬خلال‭ ‬ثورة‭ ‬٢٥‭ ‬يناير،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬فى‭ ‬الأساس‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬حبس‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬حسنى‭ ‬مبارك‭ ‬أو‭ ‬إعدامه‭. ‬الشعب‭ ‬شارك‭ ‬وهتف‭ ‬بضرورة‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬العيش‭ ‬الكريم‭ ‬والعدل‭ ‬والحرية‭ ‬والكرامة‭ ‬الإنسانية‭ ‬فقط‭.‬
أخيرًا‭ ‬برّأت‭ ‬محكمة‭ ‬النقض‭ ‬مبارك‭ ‬من‭ ‬التهم‭ ‬الموجهة‭ ‬إليه،‭ ‬من‭ ‬قتل‭ ‬المتظاهرين،‭ ‬تهمة‭ ‬يقول‭ ‬محامى‭ ‬الدفاع‭ ‬إنه‭ ‬لم‭ ‬يظهر‭ ‬ما‭ ‬يسندها‭ ‬طوال‭ ‬مراحل‭ ‬الحكم‭ ‬الثلاث‭ ‬التى‭ ‬أعقبت‭ ‬تنحيه‭ ‬عن‭ ‬السلطة،‭ ‬وهى‭ ‬المجلس‭ ‬العسكرى‭ ‬ثم‭ ‬حكم‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين،‭ ‬والآن‭ ‬فى‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬السيسي‭. ‬ولا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬البراءة‭ ‬مهمة‭ ‬للرئيس‭ ‬مبارك‭ ‬تفاديًا‭ ‬للعقوبة،‭ ‬فهو‭ ‬فى‭ ‬سن‭ ‬الثامنة‭ ‬والثمانين،‭ ‬ومصاب‭ ‬بأمراض‭ ‬كثيرة‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬سقوطه،‭ ‬لكن‭ ‬أتوقع‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬يهمه‭ ‬هو‭ ‬براءةٌ‭ ‬للتاريخ‭. ‬مبارك‭ ‬كان‭ ‬حاكمًا‭ ‬إداريًا‭ ‬رديئًا،‭ ‬وعرف‭ ‬الفساد‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬عائلته‭ ‬وأعضاء‭ ‬حزبه،‭ ‬إنما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬دمويًا‭.‬
ويقول‭ ‬محاميه،‭ ‬فريد‭ ‬الديب‭:‬ إنه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المنطقى‭ ‬أن‭ ‬يقضى‭ ‬شخص‭ ‬٢٢١١‭ ‬يومًا‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬يُحاكَم‭ ‬على‭ ‬تهمة‭ ‬لم‭ ‬يفعلها‮»‬،‭ ‬متسائلًا‭: ‬‮«‬مَن‭ ‬يعوضه‭ ‬عن‭ ‬سنوات‭ ‬عمره‭ ‬تلك؟‮»‬‭.‬
الحقيقة،‭ ‬استمرار‭ ‬سجن‭ ‬مبارك،‭ ‬أو‭ ‬توقيفه‭ ‬لنحو‭ ‬ست‭ ‬سنوات،‭ ‬ثمنًا‭ ‬لعناده‭ ‬وتجاهله‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬التحذيرات‭ ‬الداخلية‭ ‬والدولية،‭ ‬مِن‭ ‬التسيب‭ ‬الذى‭ ‬دبَّ‭ ‬فى‭ ‬بلاط‭ ‬الحكم،‭ ‬وتهميشه‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬الذى‭ ‬تسبب‭ ‬أخيرًا‭ ‬فى‭ ‬إزاحته‭. ‬وكثيرون‭ ‬صاروا‭ ‬يميلون،‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت،‭ ‬إلى‭ ‬القبول‭ ‬بنظرية‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬ثورة‭ ‬٢٥‭ ‬يناير‭ ‬عام‭ ‬٢٠١١‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تنجح‭ ‬لولا‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬كان‭ ‬راضيًا‭ ‬بالتغيير‭. ‬وذلك‭ ‬بخلاف‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬فى‭ ‬تونس‭ ‬وليبيا‭ ‬واليمن‭ ‬وسوريا،‭ ‬من‭ ‬ثورة‭ ‬شعبية‭ ‬جارفة‭ ‬تحدَّت‭ ‬كل‭ ‬الكيانات‭ ‬والقوى‭ ‬وجرفتها‭.‬
سيختلف‭ ‬الناس‭ ‬لعقود‭ ‬طويلة‭ ‬مقبلة‭ ‬على‭ ‬سيرة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق،‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬ناقم‭ ‬ومدافع،‭ ‬ولن‭ ‬يكون‭ ‬إعلان‭ ‬المحاكم‭ ‬براءته‭ ‬هو‭ ‬الفيصل،‭ ‬بل‭ ‬سيقرره‭ ‬رواة‭ ‬التاريخ‭.‬
نقلًا‭ ‬عن‭ ‬صحيفة‮ «‬الشرق‭ ‬الأوسط‮»‬