الإثنين 03 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

إرهاصات ثورة 25 يناير «2»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
انتقلت الولايات المتحدة الأمريكية فى مرحلة أخرى إلى فرض النموذج الديمقراطى من خلال غزو العراق عسكريًا، وتحويله إلى نظام ديموقراطى تحتذيه باقى الدول العربية! وسقطت هذه الخطة بعدما تبين الفشل الأمريكى الذريع، الذى لم ينجح إلا فى تمزيق نسيج الشعب العراقى، والحكم العسكرى الذى لم ينجب إلا حكمًا سياسيًا عميلًا يأتمر بأوامر الحكومة الأمريكية من ناحية، ويتيح الفرصة لإيران من ناحية أخرى - بصورة غير مباشرة - إلى أن تتحكم فى بعض الأوضاع العراقية. 
فشل النموذج الديمقراطى الأمريكى المزعوم فى العراق، ولم يبق إلا التلويح بتقييد المعونات الاقتصادية والضغوط السياسية على بلد مثل مصر، والتى رفضت رفضًا باتًا التدخل فى شئونها الداخلية. 
ثورة ٢٥ يناير هدفت فى المقام الأول إلى ضرب قلاع السلطوية وهدمها، تمهيدًا لبناء الديموقراطية وفتح الآفاق الواسعة أمام الشعب كى يعبّر عن نفسه حرًا طليقًا من كل قيد. 
وإذا كانت السلطوية تشير إلى طبيعة بعض النظم السياسية التى تقوم على تقييد حرية المجتمع بشكل عام، وممارسة القمع السياسى بشكل خاص، إلا أنها لا تتعلق فقط بممارسات النخب السياسية الحاكمة، ولكنها أيضًا تنصرف إلى ممارسات بعض القوى الاجتماعية والثقافية، والتى قد تمارس القهر أيضًا ضد المجتمع نتيجة تبنى رؤى مغلقة للحياة. ولعل أبرز مثال لهذه القوى محاولة بعض التيارات الدينية المحافظة والرجعية محاصرة دور المرأة فى المجتمع، أو رفع شعارات الحلال والحرام، أو الإيمان والكفر، لإرغام المجتمع على قبول رؤاهم فى الحياة، والتى تقوم على الانغلاق الثقافى وعدم التسامح والعداء إزاء الآخر المختلف. 
ولو أردنا أن نلخص الهدف الرئيسى من هدم السلطوية فى عبارة واحدة، لقلنا إنها ترسيخ فى الواقع لمقولات الحداثة كما عرفتها المجتمعات الغربية المتقدمة. 
وأهم هذه المقولات على الإطلاق ضمان حرية التفكير وحرية التعبير وحرية التنظيم وحرية العمل السياسى، وأهم من ذلك تقنين مبدأ تداول السلطة، الذى يضمن عملية التجديد المستمرة لبث الحيوية فى الممارسة السياسية والاجتماعية. 
ولو ألقينا البصر على السمات الرئيسية للسلطوية كما مورست فى مجتمعات شتى فى الشرق والغرب على السواء، لاكتشفنا أن هذه السمات تتركز فى عدد محدد من الظواهر يمكن تحديده بدقة، وبالتالى نستطيع أن نقترح البدائل الديموقراطية التى تضمن تحقيق تحرر المجتمع من كل القيود التعسفية التى فرضت من خلال القمع السياسى على كل الفئات الاجتماعية. 
ولعل أولى سمات السلطوية السياسية انفراد الطبقة الحاكمة المهيمنة باتخاذ القرار. وهذه الطبقة الحاكمة قد تمارس الحكم من خلال حزب واحد مع إلغاء كل الأحزاب السياسية الأخرى، كما كان الحال فى البلاد الشيوعية، أو من خلال حزب يزعم أنه هو الذى يمثل الأغلبية مع وجود أحزاب سياسية معارضة مهمشة ولا وزن لها. 
وكان هذا هو الوضع فى بلادنا، حيث هيمن الحزب الوطنى الديمقراطى على الساحة السياسية، باعتباره حزب الأغلبية طوال ثلاثين عامًا كاملة من حكم الرئيس السابق مبارك، وذلك اعتمادًا على انتخابات مزورة. 
وقد سمح هذا الوضع غير الديمقراطى للحزب الوطنى أن يهيمن على عملية صنع القرار وتوجيهها ليس لصالح الشعب فى مجموعه، ولكن لصالح قلة من أصحاب النفوذ السياسى ورجال الأعمال المنتفعين من النظام، مما ألحق أضرارًا جسيمة بالاقتصاد القومى، ليس ذلك فقط، بل أدى إلى استقطاب طبقى حاد بين من يملكون كل شيء، ونعنى السلطة والقوة والنفوذ والثروة، وبين الغالبية التى لا تملك أى شيء. 
ومن هنا فثورة ٢٥ يناير – كما ظهر من ممارستها منذ نجاح الثورة بالقضاء على النظام السلطوى وحتى اليوم – تؤكد أهمية المشاركة الجماهيرية فى اتخاذ القرار. 
والسمة الثانية، البارزة من سمات السلطوية هى التزييف المنهجى للوعى السياسى. ولعل أبرز مظاهر هذا التزييف هو ادعاء النظام السياسى فى عصر مبارك بأن الحزب الوطنى الديمقراطى، والذى يضم كما زعم قادته، ثلاثة ملايين عضو كذبًا والادعاء بأنه هو حزب الأغلبية! 
والسمة الثالثة، من سمات السلطوية السياسية هى الإقصاء القمعى للخصوم السياسيين، كما مارس النظام السياسى فى عصر مبارك إقصاء الشيوعيين والإخوان المسلمين على وجه الخصوص. 
وليكن شعار الثورة الأساسى هو لا إقصاء بعد اليوم!، بمعنى ضرورة إتاحة الفرصة لكل القوى السياسية، يمينية كانت أو يسارية، بالعمل السياسى، ولكن فى حدود الدستور والقانون. 
وكما رأينا فى الإعلان الدستورى الذى أعلنه المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وكذلك فى القانون الخاص بالأحزاب السياسية أن هناك خطرًا كامنًا يتمثل فى تشكيل أحزاب فئوية أو دينية. 
والسمة الرابعة، للسلطوية هى وضع القيود على حرية التفكير، سواء من قبل النظام السياسى الحاكم أو من قبل بعض معاقل السلطوية الفكرية الدينية على وجه الخصوص. السلطة السياسية الحاكمة تضع القيود على حرية التفكير بحجة ضمان استقرار المجتمع، والتيارات الدينية المرجعية تمنع حرية التفكير تحت شعارات الكفر والإيمان لوقف عملية التفكير وتجميدها حفاظًا على مقولات بالية وممارسات تعداها الزمن بقرون طويلة. 
والسمة الخامسة، من سمات السلطوية السياسية هى وضع القيود على حرية التعبير بفرض الرقابة المسبقة أو اللاحقة على كل الإنتاج الفكرى والفنى. وسواء تم ذلك من خلال الرقابة الحكومية أو من قبل بعض التيارات الدينية الرجعية عن طريق استخدام آلية «الحسبة» للاعتراض على بعض الإنتاج الفكرى أو الفنى.