السبت 01 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أوقفوا إجراءات السفر إلى سيناء.. عندنا باربكيو

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما أسهل أن تكون معارضًا مشمأنطا من كل ما تأتى به الحكومة، أى حكومة، وأى نظام، خصوصا على صفحات التواصل الاجتماعى، التى أصبحت تضج بآلاف الصفحات المزيفة، والصحيحة، التى لا يعلم بها إلا «مارك زوكربيرج».
فى المعارضة صيد سهل لمئات «الإعجابات»، و«المشاركات»، بما يغرى النفوس بالمزيد من اللاءات، والعبارات اللاذعة، أو«بوستات» السخرية. أيا كان الأمر، وأيا كان القرار، وأيا كانت الملابسات. ودون أن يعلم صاحب «البوست» شيئا عن متابعيه، أو حتى يهتم بمعرفة من هؤلاء، أو ما هى ميولهم، وأفكارهم، وتوجهاتهم، فكلما زاد العدد، زاد شعوره بالشهرة، والأهمية، وكأنه أصبح يستمد وجوده من عدد «اللايكات»، وأعداد «المتابعين»، وهو صيد لو تعلمون، سمينٌ وثمين للجماعات الإرهابية، وعناصر التنظيمات التى انطلقت تعيث فى الأرض كلها قتلا وتدميرا. وما نصيب مصر منها بالنصيب الهين، خصوصا فى شبه جزيرة سيناء التى وصل عدد مرات تدمير الجماعات الإرهابية لخط الغاز بها إلى ما يزيد على العشرين مرة، ولا تكاد ترتاح حتى يأتينا منها نبأ حزين ومفجع.
لم يعد الأمر قاصرا على سوريا والعراق وليبيا واليمن، ولم تعد العمليات الإرهابية حكرا على المسلمين، وبلاد المسلمين، فقد نجحت تلك التنظيمات فى ضم الكثير من أبناء الغرب والشرق وبناتهم، خلال السنوات الأخيرة. وأصبحت العمليات تتم فى لندن وبرلين ونيس وفلوريدا، وكلنا نعرف كيف تعمل هذه التنظيمات على شبكة الإنترنت، وعلى صفحات التواصل الاجتماعى على وجه الخصوص، لكن ما لا يعرفه الكثيرون هو كيف تتحول «بوستاتنا» أو عباراتنا الساخرة، إلى مادة خصبة لهذه الجماعات، يحرصون على ترويجها، حرصهم على نشر القتل والتدمير، فبها ترتفع شحنات الغضب، وجرعات التحريض، ومع تزايدها يتزايد الشعور بالحشد ضد الحكومات، والأنظمة، فى أركان الأرض كافة.
والحقيقة أننى منذ سنوات لم أعد أهتم كثيرا بالدخول فى «مهاترات» الأصدقاء على صفحات «الفيسبوك»، وغالبا ما أكتفى بقراءة بعض ما يكتبون، والمرور عليه مرور الكلام، مع قليل من الابتسمات الساخرة، والشعور بالشفقة على بعضهم من أسرى «اللايكات» و«التعليقات»»، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمسألة لا تحتمل الالتباس، ولا تقبل المزايدات.
إلا أننى توقفت طويلا أمام رد فعل الكثير من الأصدقاء، على إعلان مدير أمن جنوب سيناء عن إجراءات أمنية مشددة لجميع العابرين عبر نفق الشهيد أحمد حمدى. 
أعرف عددا كبيرا منهم معرفة شخصية، وكنت لا أشك يوما فى رجاحة عقولهم، وقدرتهم على وزن الأمور، ولم أظن يوما بعقولهم السوء، حتى جاء هذا الإعلان، وجاءت موجة الهجوم، وردود الفعل على صفحات التواصل، والصحف، والمواقع الإلكترونية.
تتمثل الإجراءات فى أن يحمل الشخص المسافر إلى سيناء، أيا كانت جنسيته، بطاقة الهوية، وفى حالة كونه موظفًا أو عاملًا بشبه الجزيرة، فيجب أن يحمل كارنيها أمنيا صادرا من جهة عمله. وفيما يتعلق بالجانب السياحى، فلا بد أن يحمل المواطن عقد ملكية أو إيجار شقة أو شاليه، أو صورة من حجز الفندق على تطبيق «واتس آب»، والحقيقة أننى لم أر فى أى من هذه الأوراق عبئا على من يريد الاستمتاع بقضاء عدة أيام فى المنطقة، أو حتى التخييم، أو إقامة حفل شواء «باربكيو» فى الصحراء.
لكن هؤلاء الأصدقاء انساقوا وراء مزاد «الإفيهات الحمقاء»، والمتهافتة، وراحوا يسوقون ما يطيب للإرهابيين الكامنين بين الجبال، والصخور، والوديان، من تعليقات تطالب بتسهيل المرور إلى سيناء، والسخرية من تأمين العبور إليها، وكأنهم ليسوا أحد المستهدفين فى عمليات القتل والإرهاب، وكأنهم بمأمن من عصابات التدمير. ودون أن يسأل أحدهم نفسه، أيهما أهون، أن ينفق بعضا من الوقت فى تجهيز الأوراق والمستندات المطلوبة، أم ينفق روحه بطلقات غادرة، لا تهتم بغير حصاد ما تطوله ذخيرتها من أرواح متعبة، لا تفرق بين مصرى وأجنبى، أو بين مسلم ومسيحى أو حتى لا دينى، ولا تعرف شيئا عمن تنغرس رصاصاتهم الجبانة فى جسده، وأنه ربما يكون شابا أو فتاة فى مقتبل العمر، لا يريدون من الرحلة سوى ساعات من البهجة، والمرح، أو عجوز يريد أن ينهى أيامه فى سلام. ربما يكون جندى يغادر أهله دفاعا عن هذه البلاد، أو سائح جاء حبا فى هذه الأرض، وكنوزها المبهرة. 
ماذا يضير الحريص على المقيمين فى سيناء من أهالى، وعمال، ومدرسين، وأطباء، ووافدين مصريين، أو أجانب، من التفتيش عند نقاط العبور إليها، وإبراز بطاقة الهوية؟!
ماذا يضير المهموم بأمن الوطن، أو المهتم بأرواح الجنود فى سيناء، وعلى حدودنا، من إنفاق بعض الوقت فى إعداد الأوراق الخاصة ببيانات رحلته، أو إقامته، أو حتى فسحته، فى شبه الجزيرة التى يكمن القتلة فى أركانها؟! 
أحب أبنائى، وأخشى عليهم من تقلبات الأيام، وسوء الحال. أحب أصدقائى، وجيرانى، وأهلى، وأنتمى لفقراء هذا الوطن، ويؤذينى ما يمكن أن نتعرض له جميعا مع تقدم الأيام، لكننى لا أنساق خلف عبارات السخرية، ولا تستهوينى «لايكات الفيسبوك»، ولا أقرأ حرفا دون مراجعة، وتدقيق، وسؤال، فكلنا نعرف أنه ليس كل ما يلمع ذهبا، وليست كل «لا» لوجه الحق، أو الحقيقة، أو لوجه الوطن.
ولا أظن أنه من الحكمة، أو العقل، أن يكتب أحدهم مطالبا بوقف إجراءات تأمين السفر إلى سيناء، فى هذه الأوقات العصيبة، لمجرد أنه يريد التخييم فى الصحراء.. أو لأنه «عايز يعمل باربكيو».
استقيموا يرحمكم الله.