الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عزيزي الرجل هل حقًا غيَّرت لـون الجاكت؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ثمة سؤال منطقى: لماذا أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة ٢٥ نوفمبر يومًا عالميًا لمناهضة العنف بكل أشكاله ضد النساء؟! 
هذا اليوم أصبح مُلهِمًا للعالم كله؛ لأنه ذكرى اغتيال الشقيقات الثلاث «ميرابال» من قبل مجهولين، بتوجيه حكومى عام ١٩٦٠ بجمهورية «الدومنيكان» فى عهد الديكتاتور «راڤاييل تروخيلو»، الذى فرض سيطرة مطلقة على البلاد، بتحالفه السرى مع الكنيسة، والأرستقراطيين، والصحافة، وإدارته لسلطة عسكرية، بوليسية، وإعدامه الآلاف من المعارضين.
حضرت إحدى الأخوات «مينيريڤا»، وكانت تسعى لتكون محامية، إحدى المناسبات العامة، التى تواجد فيها «راڤاييل»، الذى حاول «التحرش الجنسى» بها، فواجهته بشكل رافض، مهين، ثم غادرت المناسبة مع عائلتها، لتشكل فيما بعد حركة ضمت عددًا من المعارضين السياسيين، والشقيقات الثلاث اللواتى لقبن فيما بعد بالفراشات؛ لجهودهن، وحيويتهن.
اعتقل النظام الديكتاتورى الشقيقات الثلاث، ونكَّل بهن، ثم قتلهن بطريقة وحشية بعد الإفراج عنهن، لتكون الضربة القاضية له، باغتياله بعد ستة أشهر فقط من الحادثة.
و«العنف ضد النساء» لمن لا يعرف: «هو أى فعل عنيف، تدفع إليه عصبية الجنس، قد يترتب عليه أذى للمرأة سواء من الناحية الجسمانية، أو الجنسية، أو النفسية، أو التهديد بأفعال مماثلة، أو القسْر، أو الحرمان التعسفى من الحرية؛ سواء فى الحياة العامة، أو الخاصة، فضلاً عن عنف الإهمال، والحرمان، والعنف الناتج عن تدنى الاقتصاد».
ما زال يتخطى هذا العنف كل الحدود، والعرق، والثروة، والثقافة، والجغرافيا، كواحد من انتهاكات حقوق الإنسان، الأوسع نطاقًا فى العالم؛ لأنه يحدث فى كل مكان؛ المنزل، العمل، الشوارع، المدارس، أوقات السلم، أو الصراع، كنتيجة لعوامل تاريخية مركبة، تفاعلت معًا، لتشكل الثقافة الأبوية الطبقية، التى تخضع بمقتضاها النساء للوصاية، والقمع الجسدى، والمعنوى، والقتل، وهو قاسم مشترك فى العديد من الوقائع الدامية فى ظل غياب الحريات العامة، والحقوق الديمقراطية، وتحكم الاستبداد، حتى أصبح هذا الخضوع مستساغًا، ومستعذبًا.
يعكس هذا العنف علاقات القوى غير المتكافئة بين الرجل والمرأة عبر التاريخ الطويل، وهو يفرض على المرأة بحسم وضعية التبعية للرجل، وممارسته التمييز ضدها، الذى يبطل تمتع المرأة بالحريات الأساسية بموجب القانون الدولى واتفاقيات حقوق الإنسان. 
تفضح الإحصائيات العالمية حجم الكارثة، بعد أن أشارت دراسة بُنِيَتْ على نتائج ٥٠ مسحا ميدانيا من شتى أنحاء العالم، أن امرأة واحدة على الأقل من كل ٣ نساء تعرضت فى حياتها للضرب، أو الإكراه على ممارسة الجنس، أو انتهاكات أخرى.
رغم الاعتراف العالمى بحقوق الإنسان، إلا أن الغالبية العظمى من الدول قد تحفظت على الاتفاقية الدولية لإلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة «السيداو»، بدعوى الخصوصية الثقافية، والدينية، التى تستخدم فى كثير من الأحيان لإذلال المناضلات السياسيات المعارضات، كما حدث فى عدة دول، حينما أجريت «فحوص العذرية» لنساء سياسيات فى الحجز، وكما لقيت ١٥ فتاة حتفهن حرقًا، وأصيبت عشرات غيرهن فى حريق شب بمدرستهن فى مكة بالمملكة العربية السعودية يوم ١١ مارس ٢٠٠٢، حينما رفض المتطوعون السماح لهن بالخروج من المبنى، عندما شب الحريق؛ ومنعوا رجال الإنقاذ من دخول المدرسة؛ حتى لا يختلطوا بالفتيات؛ لأنهن لا يكنَّ يرتدن الحجاب.
المؤسف هو «تراث العنف السينمائى» المصرى، الذى يساهم فى تأصيل ثقافة «العنف» فى المجتمع؛ لأنه يجسد الحياة الاجتماعية، التى ينهل منها كل كاتب، حسب ثقافته، فنجد العديد من الصفعات والركلات والإهانات، التى تتلقاها الزوجة من الزوج فى العديد من الأعمال الفنية.
ألقت أيضًا غالبية الأعمال السينمائية فى الخمسينيات لعنة العقوبة على المرأة، التى تجبرها الظروف إلى التماس طرق غير مشروعة، لا يقبلها المجتمع، دون مناقشة مبرراتها بموضوعية، وصدق، ورحمة.
تأثر بالتبعية «التليفزيون المصرى»، الذى تبنى وجهة نظر عدم مناقشة أى موضوعات تجرح الأسرة المصرية مثل «الختان» أو «الاغتصاب» أو غيرهما فى البرامج أو الأعمال الفنية.
انحرف عن السياق فيلم «أريد حلاً» المحفور فى ذاكرة السينما، للكاتبة الصحفية «حسن شاه»، بهدف تهيئة الأجواء لتشكيل رأى عام، يعارض قانون «الأحوال الشخصية»، الذى يطبق على الأسرة المصرية من ٧٨ سنة؛ لتوقف الاجتهاد فى فقه «الشريعة» من القرن الخامس الهجرى.
حدثت تغييرات متعددة منذ التسعينيات مع حلول الفضائيات، التى تعنى بشئون المجتمع، ومناقشة مشاكله، التى يتم التعتيم عليها، فضلاً عن العاصفة التى أثارها فيلم لأحد البرامج الأمريكية عن وحشية جريمة «الخِتان» فى مصر، وتسببه فى وفاة العديد من الفتيات، فى الوقت الذى لم يكن يجرؤ أحد على إعلان ذلك فى كافة وسائل الإعلام.
أخيرًا يوجه مسلسل «قضية رأى عام» صفعته الدامية، كنقلة نوعية فى تاريخ التليفزيون المصرى، وهو معالجة درامية متقنة، يتحقق فيها قدرا كبيرا من النضج؛ لأنه قدم بوضوح شهادة على النفاق الاجتماعى المزمن فى مجتمعنا، الذى يغتصب حقوق ضحاياه القانونية والاجتماعية، ويدعوهم إلى الانسحاب من الحياة، بدلاً من مساندتهم، ودعمهم. 
إذن العنف ضد المرأة ليس مشكلة محلية فحسب، ولا يقتصر على الدول النامية، لكنه موجود فى كل العالم، ويتحدث بكل اللغات.
فى النهاية.. أسألك عزيزى الرجل المغرور جدًا: هل حقًا غيَّرت لون عقلك الأسود كما غيَّرت لون الچاكت الذى ترتديه إلى الأبيض؟!.. لعله أحبتى سؤال قديم جدًا، ما زال يبحث حتى الآن عن إجابة شافية، وافية!