رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

فرح أنطون.. يعلمنا كيف يكون الثوري رومانسيًا «2»

فرح أنطون
فرح أنطون
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وبعد أن قرأنا ما قال فرح عن نفسه، وما قاله معاصروه عنه.. يمكن أن نأتى إلى حكايته من بدايتها.
ولد فرح فى طرابلس عام ١٨٧٤ لأب ميسور كان تاجر أخشاب، تخرج فى مدرسة كفتين وتاجر مع أبيه فى الأخشاب ثم استقل بتجارة لنفسه، لكنه وجد نفسه غير قادر على ممارسة مهنة التجارة «فهى لا تتفق مع ذوقه والأخلاق اللازمة للتجارة ليست فيه، ولأن نفسه كانت تنزع إلى العمل العقلى» (مجلة السيدات والبنات- ملحق خاص فى رثاء فرح أنطون- سبتمبر ١٩٢٣- صفحة ١٠). ثم تولى إدارة مدرسة أهلية فى طرابلس أنشأتها جمعية خيرية للروم الأرثوذوكس، لكنها لم تكن مدرسة طائفية بل تأسست كمدرسة ضد الطائفية، فرئيسها بروتستنتى، ومديرها وناظرها كانا مارونيين، وأستاذ اللغة العربية مسلم ولم يكن بها سوى مدرس أرثوذكسى واحد. وكان هذا النموذج غير الطائفى جديدا بل كان ملهما لتلاميذه ولفرح (مدير المدرسة) الذى كتب عنها قائلا «إن هذه المدرسة تركت أثرا لم يترك نفسى قط، ولعله ظل ذا أثر فكرى ونفسى فى كل حياتى». وقد أسس فرح فى طرابلس جمعية أدبية، وبعد هذه الجولة قرر أن يتخذ من مهنة القلم حرفة كانت على يديه شريفة وسبيلا لخدمة الشرق، وكان يقول «إن صرير القلم خير صارخ فى الآذان لإيقاظ أهل الأوطان الشرقية، فصار جنديا من جنودها» (نقولا الحداد-المرجع السابق). وفى ١٨٩٧ أتى فرح إلى الإسكندرية ليمارس مهنة الصحافة فيها لأنه كما قال يرى «أن مصر هى المركز الأوسط لجميع العالم العربى ومنه تنتشر المعارك الوطنية الأدبية»، وبدأ فرح فى الكتابة بالصحف بأسماء مستعارة ومن أهم مقالاته فى هذه الفترة مقال بالأهرام عنوانه «دائرة الحق» ووقعه باسم سلامة. وفى عام ١٨٩٩ أصدر مجلة «الجامعة العثمانية» ثم ترك لفظ «العثمانية» واكتفى باسم «الجامعة» وبدأ على صفحاتها دعوة كل شعوب الشرق للعمل المشترك من أجل الحرية والعلم والتوحد ضد الغرب الاستعمارى. لكن علوم الغرب ومذاهبه الفكرية احتلت مساحة كبيرة من «الجامعة» وهكذا «كان فرح شرقيا يكره الغرب لكنه يحب الكثير من مذاهبه الفكرية والاجتماعية» (مارون عبود - جدد وقدماء - ص٢٥)، ويقول أحمد أبوالخضر منسى فى كتاب عنوانه «فرح أنطون» أصدره عام ١٩٢٣ «ازدهرت الجامعة ازدهارا غير متوقع، ولقى الأدباء والمفكرون فى هذه المجلة الطريفة معنى ومرتعا، وتجلى لهم فيها الابتكار فى أجمل أثوابه وبهيج ألوانه، بحيث أصبحت واحدة من أهم الصحف العربية وأوسعها انتشارا، وقد نمت وأوفرت بحيث أصبحت حديث المفكرين، وسوق عكاظ لرجالات العلم والحكمة، فيها يتجادلون ويتساجلون ويتنافرون.. وكتب عنها محمود إبراهيم صاحب مجلة «الإكسبريس» «إنها مجلة أصحاب المبادئ الجديدة، الذين حرروا عقولهم من القديم، وكان صاحبها يحاول تحرير العقول الشرقية من ربقة الماضى. ففاز بعد نضال كبير وأوجد حزبا كبيرا يناصره هو حزب العصر الجديد عصر الانطلاق والإفلات من كل قيد إلا ما يأمر به العقل» (ملحق مجلة السيدات والرجال - المرجع السابق - ص٢٨).
وعندما قرر تقلا باشا الانتقال بجريدة «الأهرام» من الإسكندرية إلى القاهرة، اتفق مع فرح على أن يتولى رئاسة تحرير طبعة الإسكندرية باسم «صدى الأهرام» وقبل فرح على وعد من تقلا باشا أن يبيعه «الصدى» متى استتب له أمر الأهرام بالقاهرة. لكن «الصدى» ما لبثت أن تفوقت على الأهرام ولفتت الأنظار إليها ما دفع تقلا باشا إلى إغلاقها بعد ستة أشهر. (لطفى جمعة - خطاب فى حفل تأبين فرح - ملحق السيدات والرجال - المرجع السابق).
وظلت «الجامعة» تتألق على يديه. وإعرابا عن فكر تقدمى ونظرة إيجابية لدور المرأة أصدر لشقيقته روز (زوجة نقولا الحداد) مجلة أسماها «السيدات» وعاونها فى تحريرها. وفى عام ١٩٠٧ سافر الثالوث «فرح - روز- نقولا» إلى نيويورك بناء على نصيحة ابن عمه الخواجة إلياس أنطون التاجر هناك بأن يمارس نشاطه الصحفى فى أمريكا باعتبار أنها «حقل واسع لبث مبادئ الحرية». وهناك أصدر الثالوث «الجامعة» شهرية وأسبوعية ويومية، لكن هذا المشروع الطموح لإصدار ثلاث «جامعات» ما لبث أن توقف لأسباب مالية. وفى أمريكا تبنى فرح فكرة أن يتوجه المغتربون السوريون واللبنانيون للزراعة وجاب أمريكا لتحقيق دعوته واستجاب له كثيرون.. وفى جولته وقف خاشعا أمام شلالات نياجرا وصاغ مقالا أصبح شهيرا وتداولته صحف عديدة. جاء فيه «أتذكر أيها الشلال يوم كان شاطئك مرتعا لأولئك الهنود المساكين قبل أن يصل إليك البعض ليغتصبوا أرضهم هذه ظلما وعدوانا، لقد غيروا أرضك أيها الشيخ وهم يظنون أنهم حسنوها وحسنوك وجملوها وجملوك وما جمالهم إلا كجمال المرأة الدميمة زخرف خارجى وطلاء سطحى تحته جيفة منتنة».
وهكذا أدان فرح دون أن يفصح عملية البناء الرأسمالى فى أمريكا..
وواصل فرح أنطون.. ونواصل معه.