السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صراع القوى السياسية الليبية وحكومة الوفاق الوطنى «1»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى ١٧ فبراير من العام ٢٠١١ انطلقت الثورة الليبية التى تحولت بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافى إلى نزاع مسلح بين أطراف عدة لا يزال قائمًا حتى الآن، ومع بدء التدخل الدولى حينها فى ١٩ مارس من العام ذاته، خرج الرئيس الفرنسى «نيكولا ساركوزى» من مؤتمر حولَ الوضع الليبى كان قد عُقد فى باريس ليُعلن إقرار قرار مجلس الأمن الدولى رقم ١٩٧٣، وبدء الحظر الجوى على ليبيا بعدة ضربات استهدفت الكتائب المُتمركزة حول مدينة بنغازى، وبعد ساعات من الغارات الجوية التى نفذتها مقاتلات الرافال الفرنسية دمَّرت ما لا يقل عن ١٥ دبابة و٢٠ عربة مدرعة كنتائج أولية، هنا أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية نجاحها وحلفائها فى إيقاف الهُجوم على المدينة، ومنذ ذلك التاريخ وما تلاه من تطورات ميدانية وقصف غربى متواصل استهدف جميع قوات القذافى المتمركزة حول المدن التى تشهد معارك على عدة جبهات، كُتِبت النهاية لنظام العقيد القذافى ومعه آخر أشكال الدولة المركزية التى حكمت طوال ٤٢ عامًا، لتدخل بعدها ليبيا فى طاحون حرب أهلية جعلت منها أكبر منصة للإرهاب فى شمال إفريقيا، وبقعة جغرافية تشهد فراغًا أمنيًا وسياسيًا هدد إلى حد كبير ليس فقط دول الجوار الليبى، بل حوض المتوسط والغرب معًا.
من يحكم ليبيا الآن؟
اتسمت الفترة التى أعقبت الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافى عام ٢٠١١، بعدم استقرار تميز بالانتشار المستمر للأسلحة وتوسع نفوذ الميليشيات الإسلامية التى ساهمت فى إسقاط النظام وصولًا إلى تمدد تنظيم «داعش» الإرهابى فى الأراضى الليبية، مستفيدًا من انعدام الاستقرار فى دول الجوار، فيما انقسمت البلاد سياسيًا وعسكريًا على وقع حكومتين فى طبرق وطرابلس، حكومة طبرق من جهة، هنالك مجلس النواب الليبى «انتخب عام ٢٠١٤ ويرأسه عقيلة صالح عيسى العبيدي» الذى خلف المؤتمر الوطنى العام «انتخب عام ٢٠١٢» الذى خلف بدوره المجلس الوطنى الانتقالى. يسمى أحيانًا «الحكومة الليبية المعترف بها دولياً» أو «حكومة طبرق» بسبب مكان انعقاد جلساته بدلًا عن مدينة بنغازى المضطربة. يسيطر المجلس على حوالى ثُلثى البلاد رغم تنازعه النفوذ فى بعض المدن كبنغازى، ودرنة، وغيرهما مع الميليشيات الإسلامية وتنظيم داعش. حكومة طرابلس هى تحالف من القوى السياسية التى خسرت انتخابات ٢٠١٤ وكونت إثر ذلك «المؤتمر الوطنى العام الجديد» برئاسة نورى أبوسهمين «الرئيس السابق للمؤتمر الوطنى العام» أو ما يسمى أيضًا بـ«فجر ليبيا» المكونة من القوى الإسلامية «الإخوان المسلمون وحزب العدالة والبناء وقوى أصغر»، والميليشيات المسلحة التى ساهمت فى إسقاط نظام القذافى «غرفة عمليات ثوار ليبيا ودرع ليبيا» التى سيطرت على العاصمة، وجميعهم لا يُعترف بهم دوليًا كما تنشط أيضًا ميليشيات قبائل التابو، والطوارق الليبية فى الجنوب والأمازيغ فى أقصى الغرب، ولكنها حتى الآن لا تبدو مؤثرة بقوة فى الصراع الدائر، وتجدر الإشارة إلى أن الصراع الدائر فى ليبيا لا يشمل الحكومتين فحسب «طبرق وطرابلس»، بل شمل أيضًا كل حكومة من الداخل، حيث احتدمت الخلافات داخل حكومة «طبرق» المعترف بها دوليًا بسبب اللواء «خليفة حفتر» الذى يشغل منصب القائد العام للجيش الوطنى الليبى فى الحكومة، وقائد عملية «الكرامة» الجارية الآن، التى تهدف إلى قتال الجماعات المسلحة الليبية على اختلافها، التى لا تقع ضمن قوات الحكومة المعترف بها دوليًا. طفت العديد من الخلافات من داخل حكومة «طبرق» بسبب وضع اللواء خليفة حفتر ومستقبله العسكرى، بالإضافة إلى طريقة توزيع الحقائب على الأقاليم الإدارية والسياسية الثلاث فى ليبيا، الجنوب، والغرب، والشرق، أما فى حكومة طرابلس وبحسب مراقبين، فإن الخلافات التى اندلعت داخل المؤتمر الوطنى العام المنتهية ولايته حيال مجريات عمليات الحوار السياسى التى ألقت بظلالها على علاقة قادة الميليشيات ببعضهم، فقد عارضت كتلة برلمانية داخل المؤتمر يترأسها «بلقاسم قزيط» المكوَّن جلها من مدينة مصراتة سياسة رئاسة المؤتمر التى يسيطر عليها زعماء الجماعة الإسلامية المقاتلة والساعية لتعطيل مساعى مفاوضات السلام بالصخيرات بالمغرب، وفى غرب العاصمة طرابلس، أعلنت ميليشيات مصراتة سحب قواتها التى تسيطر على الطريق الساحلى الرابط بين العاصمة ومدينة الزاوية، ووضعها فى حالة استنفار كبير فى أكثر من معسكر بمنطقة وادى الربيع وطريق المطار. كما شهدت طرابلس حملة مداهمات من الطرفين، طالت عددًا من المقار والتمركزات التابعة للطرفين فى مناطق الهضبة وعين زارة، شرقى العاصمة، فيما أقامت سيارات عسكرية تابعة للجماعة الإسلامية المقاتلة ومسلحين حواجز تفتيش فى معظم أحياء وسط العاصمة، استوقفت عددًا من المواطنين، وقامت بتفتيش سياراتهم وسؤالهم عن انتماءاتهم الجغرافية.بعد استعراض الوضع السياسى الحالى لـليبيا والمعقد إلى حدِ كبير، يبقى السؤال حاضرًا، ما الأهمية التى تشكلها تلك البقعة الجغرافية التى تشهد فراغًا أمنيًا وسياسيًا جسيمًا؟ تتلخص الإجابة فى نقطتين رئيسيتين أولًا: الموقع الجغرافى، تشارك ليبيا حدودها مع ست دول، منها ثلاث دول عربية مؤثر إلى حد كبير فى خريطة الصراعات فى منطقة الشرق الأوسط، وهى مصر والسودان وتونس والجزائر. كما أن ليبيا تبعد عن السواحل الإيطالية بأقل من ٢٠٠ ميل بحرى فقط. 
وسنستعرض فى المقالات القادمة تحليلًا لموقف الميليشيات العسكرية ومدى علاقتها بحكومة الوفاق الوطنى، إضافة إلى علاقتها بمحيط القوى الإقليمية بالمنطقة، وتأثيرها على نجاح مشروع الأمم المتحدة الخاص بالحل السياسى فى ليبيا.