السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

ذبح المرأة في العالم العربي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يكن الشاعر خالد الذكر حافظ إبراهيم يدرى وهو يبدع فى قصيدته التى قال فيها: «الأم مدرسة.. إذا أعـددتها أعـددت شـعباً طـيب الأعـراق».. أنه يرسم لنا خارطة طريق لنهضة وإصلاح مجتمعنا العربى والإفريقى على حد سواء.
حيث تكشف هذه الكلمات الرائعة الواقع الصادم الذى تعيشه المرأة فى جميع مراحل حياتها منذ نعومة أظافرها وحتى نهاية عمرها.. فبمجرد ولادتها يحمل الأهل هموم الدنيا والآخرة وكأنها رجز من عمل الشيطان.. وبمجرد أن ينمو جسدها فى سن العاشرة ترتكب ضدها جريمة بشعة تتمثل فى قطع جزء من جسدها وكأن الله تعالى خلقه بدون فائدة، تعالى الله عن ذلك، وذلك تحت شعار الحفاظ على الفضيلة والعفة ومنعها من الانزلاق للرذيلة.
وحين تبلغ سن الـ ١٢ تبدأ إجراءات تضييق الخناق وتقييد الحرية فى حين يسمح لأشقائها بالحرية الكاملة بداية من «سهر الليالي» وحتى التدخين كرمز لبلوغ الرجولة.. وحين تتخرج فى الجامعة تتعرض لنوع آخر من الترصد وانتهاك الحقوق بداية من التمييز العنصرى فى فرص العمل ومروراً ببخس الراتب والحرمان من أى فرصة للتعبير عن الإبداع.. وانتهاءً بالإقصاء من المناصب الإدارية والحرمان من الترقيات على أساس أنها «ناقصة عقل ودين».
هذا طبعاً بخلاف تعرضها لجميع أشكال الانتهاكات بداية من التحرش والاغتصاب والعنف الجسدى سواء بالضرب أو الإكراه من الزوج.. وإزاء كل هذه الحالات تخرج المرأة خاسرة القضية.. فإذا اغتصبت أو تم التحرش بها توجه لها تهمة إغواء الذئب البشرى.. وإذا فقأ زوجها عينيها أو ضربها بالكرباج فإنها مخلوقة من ضلع أعوج والشرع أباح ضرب الزوجة.
وعلى هذا النحو تكون حياة المرأة سواء فى مصر خاصة أو إفريقيا عامة عبارة عن سلسلة متصلة من انتقاص وسلب الحقوق والحريات رغم أن كل الأرقام الرسمية تشير إلى أنها تجاوزت نسبة ٥٩٪ من المجتمعات الإفريقية ومن بينها مصر.
وبعد كل هذا نجد من يتحدث فى الغرف المكيفة عن مبادرات النهوض بالمرأة ومنح حقوقها كشريك فى مسيرة التنمية.. وإن كان ذلك كله فى تقديرنا لا يتعدى كونه نوعاً من الوجاهة الاجتماعية «البرستيج».
ولا ينكر أحد الجهود المبذولة لإشراك المرأة فى مسيرة بناء المجتمع، وهذا ما لمسناه حقيقة فى تعيين عدد من الوزيرات فى الحكومة وزيادة المقاعد الممنوحة لهن فى البرلمان المصرى.. وفى القلب من هذا ما يؤكده الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كل لقاء حول أهمية دور المرأة كشريك أساسى فى جميع الجهود الرامية إلى تحقيق التنمية المستدامة وضمان التحول المنشود فى مصر والقارة الإفريقية.
كما أكد أن تمكين المرأة وخاصة المرأة الفقيرة والمُعيلة وتعزيز دورها فى المجتمع اقتصاديًا وسياسيًا والارتقاء بأوضاعها تشكل عاملًا حاسمًا فى القضاء على الفقر، وتعظم من مساهماتها فى التنمية.. إلا أن الملاحظ أن المسئولين لا يكلفون أنفسهم عبء وضع برامج عملية لترجمة هذه التوجيهات على أرض الواقع.
ومن واقع انتمائنا للقارة السمراء، التى دائما محط أطماع دول العالم ومؤامراته لإقحام مجتمعاتنا فى دائرة الفقر والجهل، نستطيع أن نؤكد وبقوة أنه لا مستقبل للتقدم فى أى دولة إفريقية بدون شراكة حقيقية للمرأة.. فإذا أردنا نهضة حقيقية فعلينا بذل كل ما فى وسعنا لدمج كل فئات المجتمع فى مسيرة البناء والتنمية.
كما يجب أن نرسخ فى يقيننا أنه إذا نجحت إفريقيا اليوم فى تمكين المرأة.. ففى المستقبل ينبغى على المرأة الإفريقية أن تلعب دور وسيلة التغيير للمساعدة فى حل المشاكل القديمة وتحقيق مرامى جديدة.. فيمكن للمرأة آنذاك أن تصبح أداة للتخلص من الفساد والفقر والسيطرة على النمو السكانى ورفع مستوى الوعى بحقوق الإنسان والحد من العنف وصنع السلام وتحسين التعليم، عن طريق بناء ائتلاف نسوى لزيارات النساء المتعلمات وتنظيم ورش عمل وتقديم المحاضرات لرفع مستوى الوعى حول أهمية دور المرأة ومشاركتها فى الأنشطة الوطنية المختلفة.
ويشير التقرير العالمى للفجوة بين الجنسين، الصادر عن المنتدى الاقتصادى العالمى إلى أن القارة الإفريقية شهدت تحسنا على مستوى مشاركة المرأة فى سوق العمل والمشاركة السياسية، وذلك بفضل تحسين فرص الحصول على دخل أعلى واتخاذ القرار، ولكن رغم ذلك ظلت مشاركة المرأة فى بعض الدول مقتصرة على قطاعات اقتصادية منخفضة الدخل ورديئة الكفاءة.
وتضطر المرأة الإفريقية بسبب الأوضاع الاجتماعية والمادية وشدة الفقر لاقتحام سوق العمل لتساعد فى إعالة الأسرة، وخاصة عند غياب العائل وهنا تتعرض لسلسلة أخرى من الصعاب والمطاردات لدفعها إلى الوقوع فى مستنفع الرذيلة، والانحلال الخلقي، كما قادها الجهل والأمية إلى ممارسات فاسدة من معتقدات خرافية، وتقاليد سيئة، وهى غير قادرة على معرفة حقوقها الشرعية، والمطالبة بها أو الدفاع عنها.
رغم هذا الواقع، يظل القاسم المشترك فى المرأة الإفريقية، مسلمة كانت أم غير مسلمة، هو إدراكها لأهمية الأسرة فى الحياة وضرورة الحفاظ عليها، ومعرفتها أن الرجل هو القيِّم على الأسرة والمسئول، عنها وأن الأمومة هى وظيفتها الأولى التى لا تقابلها مهمة أخرى وهى فى سبيل ذلك لا تبخل بصحتها بل وحياتها.. فهل هذا المخلوق الذى جاء الدنيا ليعطى فقط لا يستحق من مجتمعاتنا الإعداد الجيد وتمكينه من حقوقه لينتج أجيالاً تبنى ولا تهدم.. تعمر ولا تخرب؟!.. أعتقد أنها تستحق أكثر من هذا بكثير.