رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لعن الله من أيقظها

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أذكر فى عام الإخوان الأسود.. أن القوى والتيارات المعارضة اتفقت على النزول إلى الميادين للاعتراض على حدث أو شيء ما وحددوا يوما بعينه.. وبعد عدة ساعات صدر بيان من جماعة «الإخوان المسلمين» والتيارات الإسلامية التابعة لها، بأنها أيضا سوف تنزل للميادين فى ذات التاريخ لتسجيل موقفها هى أيضا بالترحيب ودعم الرئيس «مرسى».. انقلبت الدنيا عليها أكثر وأكثر، وخرجت الأصوات تناشد الجماعة العدول عن قرار النزول فى هذا اليوم، حتى لا يحدث الصدام المتوقع بين الفريقين المعارض والمؤيد وأن البلاد هكذا بصدد تكرار أحداث يوم الاتحادية الدامى مرة أخرى، وطالبوها بأن تؤيد الرئيس فى يوم آخر غير اليوم الذى اختارته المعارضة.. ومع الضغوط الشديدة استجابت الجماعة وأعلنت أنها لن تنزل فى هذا اليوم وقد حدث ذلك بالفعل.
تذكرت ذلك عندما أعلن حزب «مستقبل وطن» أن الحزب سينظم احتفالية كبرى يوم ٢٥ إبريل الجارى.. للاحتفال بذكرى تحرير سيناء.. لتقديم الشكر للقوات المسلحة لدورها العظيم طول الوقت فى حماية البلاد وحفظ الأمن وأيضا للتأكيد على ثقة الحزب فى الرئيس «عبدالفتاح السيسى».. وأعلن أن الحزب سيحشد ما لا يقل عن ١٠ آلاف شاب من أعضائه من مختلف المحافظات، لحضور الاحتفالية المقرر تنظيمها أمام «قصر عابدين»، وقال الحزب إنه دعا جميع الأحزاب والقوى السياسية لمشاركته الاحتفالية.
وقد حددت سلفًا بعض القوى السياسية والمعارضة نفس اليوم للتظاهر ضد اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والمملكة العربية السعودية، والتى بموجبها تم نقل تبعية جزيرتى «تيران وصنافير» للسعودية. 
نفس الموقف تقريبًا.. الحشد والحشد المضاد.. أى أن فرص الصدام متوقعة وربما تكون أكيدة، القوى المعارضة موقفها واضح وتعلنه بشفافية، وسبق أن خرجت للشوارع من قبل وكان يوم ١٥ إبريل للاعتراض على نقل الجزيرتين للسعودية، وكان التظاهر بشكل حضارى وسلمى للغاية ولذلك انتهى اليوم بسلام.. وحددت ٢٥ إبريل للتظاهر من جديد لنفس السبب.. غير أن إعلان «مستقبل وطن» عن أنه يقدم الشكر فى هذا اليوم للقوات المسلحة، فيه مزايدة غير مقبولة على وطنية المشاركين فى تظاهرات الاعتراض على تبعية الجزر للسعودية فى اليوم ذاته، لأن الغالبية العظمى منهم يقدرون الجيش ودوره ويضعونه فوق رؤوسهم بل أنهم أيضا يريدون بقاء الرئيس.. هم فقط معترضون على نقل تبعية الجزر وتجاهل الشعب. 
والتظاهر حق مكفول للجميع.. ولكن عندما يعزم فريق على النزول، فعلى الفريق المضاد أن يلتزم مكانه ويترك الساحة، وإذا أراد التعبير عن وجهة نظرة هو أيضا فذلك من حقه ولكن يختار يومًا آخر.. وإلا فإنها ستكون فتنة لعن الله من أيقظها.. وقد يكون إعلانًا لحرب أهلية نحن بالتأكيد فى غنى عنها، وجدير بالذكر أن الحالة الأولى التى حدث فيها ذلك كانت يوم «موقعة الجمل» أثناء «ثورة يناير»، فقد كان الفريقان فى الشارع، «الثوار» فى «ميدان التحرير» و«أنصار مبارك» فى ميدان «مصطفى محمود» فى المهندسين، ثم تحركوا للتحرير لمهاجمة الثوار وحدثت المعركة وسالت الدماء، والحالة الثانية كانت يوم «مذبحة الاتحادية» عندما اختار الثوار ساحة القصر للاعتصام رفضًا للإعلان الدستورى الذى أصدره المعزول «محمد مرسى» وهاجمتهم ميليشيات الجماعة ممن يدعون «أنصار الاخوان» وحدثت أيضا المعركة وسالت الدماء.
المظاهرات ليست بالخطر الذى يهدد الوطن.. خاصة إذا كان المتظاهرون مسالمين يرفعون شعارات ويحملون لافتات تندد بما يعترضون عليه ويرفضونه فقط.. ولكن الخطر الحقيقى على الوطن وربما يعرضه لكارثة تهدد حياة أبنائه وتقضى على الأخضر واليابس هو نزول الحشد المضاد، ولا أعرف كيف يجرؤ أحد ويرتاح ضميره لهذا التفكير وهذه الدعوة، فإن من يحشد الطرف المضاد للنزول لا يهمه فى رأيى غير مصلحته الشخصية لا تعنيه مصلحة البلاد ولا العباد.. بل إنه يستخدم الجميع لتحقيق ما يريد.. وعلى طريقة الإخوان، من يسقط من فريقه شهيد ومن الفريق الآخر قتيل يستاهل القتل.. ويبدو أن أصحاب المصالح كلهم على نفس الخطى يسيرون.. يفكرون بنفس الطريقة ويستخدمون ذات الأدوات وهدفهم واحد أيًا كان انتماؤهم.
وبغض النظر عن جنسية الجزيرتين «تيران وصنافير».. ولكن غضب المصريين من الضرورى أن يعمل له ألف حساب، وغالبًا فإنهم يغضبون من أجل كرامتهم فهم لا يستطيعون على الإهانة صبرا.. قد يصبر المصريون على الجوع وعلى الفوضى وعلى الحروب والإرهاب سنوات.. ولكنهم لا يرضون بالذل والإساءة يومًا واحدًا.. وهو بالضبط ما شعروا به بعد نقل تبعية الجزر للسعودية.. وهو ما دفعهم للنزول للشوارع وميادين الحرية من جديد، ليعلنوا للعالم كله أن المصريين لا يفرطون فى عرضهم وشرفهم والأرض بالنسبة لهم هى العرض والشرف، وأنهم يقفون بالمرصاد لكل من يفكر أن يسىء لكرامتهم وكبريائهم.. فهم شعب من ذهب.
وإذا كانت السلطة فى مصر لديها رغبة حقيقية فى الإصلاح والتهدئة وإخماد الفتنة، فعليها حماية المتظاهرين أثناء تعبيرهم السلمى عن رأيهم، وليس الاحتكاك بهم والقبض عليهم وعودة زوار الفجر من جديد لمنعهم من المشاركة.. أو فتح ثغرات لمهاجمتهم عن طريق الحشد المضاد.. على النظام أن يستوعب الغضب الشعبى وأن يبحث عن حلول للخروج من الأزمة.. فإن من أشعل النيران يطفئها ومن بدأ المأساة ينهيها كما قال نزار قبانى.