السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

بشار بلا بوتين.. ما السبب؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«كالرعد فى سماء صافية».. هكذا كان صدى قرار الرئيس الروسى فلاديمير بوتين يوم ١٤ مارس الماضى بعودة الجزء الأكبر من القوات الروسية العاملة بسوريا، هكذا وصف تحليل قناة «روسيا اليوم» الخطوة المفاجئة عقب إطلاق أوامر بوتين بسحب القسم الأكبر من القوات العسكرية فى سوريا. لقد أثار القرار الجدل فى جميع الأوساط السياسية والعسكرية فى العالم. وتبارت جميع وسائل الإعلام فى تحليل هذا الإجراء ومبرراته، خاصة أن الإعلان جاء قبل البدء فى عملية السلام تحت رعاية الأمم المتحدة فى جنيف، التى كانت معرضة للتوقف أو التعثر على الأقل، ومبدئيا فنحن نعرف أن النظام الروسى يدعم بشار الأسد طوال الخمس سنوات الماضية. ومع ذلك فإن جيش بشار وأنصاره تعرضوا لكثير من الخسائر حتى أصبح الموقف خطيرا لدرجة احتمال أن تفقد روسيا قواعدها العسكرية فى البحر الأبيض المتوسط فى حال سقوط بشار، ومن هنا جاء التدخل العسكرى المباشر فى سبتمبر ٢٠١٥ لصالح قوات بشار وبنوعية جديدة من الأسلحة، وتكثيف عال للضربات الجوية، ومع استمرار الحملة العسكرية الروسية تغيرت الأوضاع على الأرض لصالح نظام بشار، وقد تم تحرير أكثر من ٤٠٠ مدينة وقرية وحوالى ١٠٠٠ كيلو متر مربع، وقتل حوالى ٢٠٠٠ من العناصر المسلحة، إضافة إلى أن القوات الروسية حرمت تركيا من دخول المجال الجوى، وحرمتها من إقامة المنطقة العازلة التى كانت تحلم بها منذ ٥ سنوات، وبالتالى فشلت تركيا فى توجيه أى ضربات فعالة للأكراد، ولقد استطاعت روسيا أن تحظى بدعم حليف جديد من الأكراد. ومنذ بدء الحملة العسكرية الروسية، وقد أعلنت روسيا أنها تدعم الحل السلمى رغم أنف نظام بشار الذى يريد إطالة مدة الحرب إلى أقصى مدى، حرصا على مستقبل بشار الذى أصبح عبئا ثقيلا على جميع حلفائه، وقد أعلنت روسيا خلال حملتها العسكرية أنها تسعى للحفاظ على مؤسسات الدولة الشرعية، ولم يكن الهدف الأساسى هو الحفاظ على بشار الأسد، لذلك فإن التوقيت الذى اختاره بوتين لسحب قواته مع بدء مباحثات السلام ليؤكد للعالم أجمع دوره الحقيقى والفعال فى عملية السلام فى سوريا. 
فبوتين لم يعلن انسحابا كاملا من سوريا أو حدد على الأقل جدولا زمنيا للانسحاب، بل أكد فى تصريحاته أن القوات الروسية فى طرطوس وقاعدة حميم العسكرية ستواصل عملها كالمعتاد، وسيعمل الجزء المتبقى فى سوريا على مراقبة الهدنة، كما أكد بوتين أن سحب قواته من سوريا لا يعنى الامتناع بأى حال عن الالتزامات الخاصة بدعم نظام الأسد عسكريا. 
ومع انسحاب القوات الروسية لم يكن هناك مفر للنظام السورى سوى الانخراط فى عملية السلام وفق المفهوم الروسى. لقد أصبح الروس هم الأقدر على إدارة الملف السورى، صحيح أن هناك حربا بالوكالة لصالح السعودية وتركيا وقطر والولايات المتحدة، إلا أن روسيا قد تعلمت من الماضى أن حرب الوكالة مستنقع يصعب الخروج منه، لذلك كان الاتفاق مع الجانب الأمريكى على تغيير نظام الحكم فى سوريا، والتأسيس لدولة ديمقراطية حديثة، لكن ذلك يرتبط بوجود قوى على الأرض لتكون قادرة على دعم هذا المفهوم، ومن هنا نعرف.. لماذا تسعى روسيا لتوطيد علاقاتها سواء بالأكراد أو بغيرهم، بينما ما زالت السعودية وقطر وتركيا تدعم تنظيمات مسلحة تعمل على أسس دينية كما هو حال الصراع فى المنطقة «سنى / شيعى»؟ وهذا لا يؤسس إلى دولة ديمقراطية حديثة. فى هذه الأطر الواضحة نستطيع أن نشعر بأهمية القرار الروسى، أما أن يقوم بعض المحللين بالشطط بالتفسير سواء عن وعى أو عن جهل فهذا أمر مرفوض بشدة، فنجد أن موقع «ديبكا» الإسرائيلى والمتخصص فى التحليلات الأمنية يرى أن هناك خلافات حادة نشبت مؤخرا بين موسكو وطهران حول مستقبل الحرب فى سوريا، إضافة إلى خلافات حادة وقعت بين بوتين وبشار الأسد بشأن المستقبل السياسى الأخير، ومع ذلك فقد قرر الموقع المتخصص «رغم فجائية هذا الإعلان، تشير مصادرنا إلى ضرورة الانتظار لمعرفة أى جزء من أجزاء قوات الجيش الروسى ستنسحب من سوريا» علما بأن بوتين أعلن أن القوات الروسية بالقاعدة الجوية والقاعدة البحرية بطرطوس ستواصل عملها كما سبق. 
أما محلل الشئون «بوشيه مرزوق الشارفى» فقد نشر فى صحيفة «معاريف» الإسرائيلية أن الانسحاب الروسى جاء فى إطار صفقة أوسع تضم أطرافا إقليمية ودولية، من بينها تركيا والسعودية ودول غربية، حيث اتضح لبوتين أن الانتصار العسكرى ليس كافيا، وأنه يجب أن يكون مدعوما باتفاق سياسى، ومن ثم فإنه يحتاج إلى دعم باقى الأطراف المتداخلة فى الحرب السورية، وأضاف مرزوق، «وقد تضمنت الاتفاقيات انسحاب القوات الإيرانية وميليشيات حزب الله اللبنانى، خاصة أن حزب الله معرّض فى الفترة الأخيرة لحملة شرسة من السعودية ودول الخليج التى أعلنت أن حزب الله منظمة إرهابية، وهو ما ألحق الضرر الكبير على الحزب وكثير من عناصره». وأخيرا فإن الأسباب الاقتصادية هى من أهم الأسباب لسحب القوات الروسية، حيث تكلفة الحرب متسعة، وأن روسيا تعانى من التورط العسكرى فى أوكرانيا، وحيث تراجعت قيمة الروبل وتآكلت المعاشات التقاعدية والرواتب بشكل حاد، إضافة إلى انخفاض سعر النفط لأدنى مستوى. عموما لقد انتهت الجولة الأولى من مباحثات جنيف، وأعلن الوفد السورى أن بشار الأسد لن يوضع بأى طريقة فى أى من المشاريع المقدمة، وأن سوريا ماضية فى بناء مؤسسات الدولة، وستبدأ بالانتخابات البرلمانية التى ستقام فى الأيام القادمة، وتعمدت سوريا الحديث بهذه اللغة بعد أن تفوقت على الأرض وأصبحت قواتها قادرة على تحرير مدن جديدة مثل تدمر، وأن الاتفاق الروسى الأمريكى سيزداد تأثيره فى الجولة القادمة من مباحثات جنيف.