الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كيف روت صحافة مصر جريمة الحسناء الفرنسية؟! "٤"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما أكثر قصص الحب وحكايات الغرام فى التاريخ التى انتهت بمأساة دامية، يفقد فيها أحد العاشقين حياته ثمنا للعشق والهيام.
ولعل قصة الحب التى نشأت بين على كامل فهمى والغانية الفرنسية مرجريت واحدة من أشهر هذه القصص المثيرة.
يوم ١١ يوليو من عام ١٩٢٣ صدرت مجلة «اللطائف المصورة»، وهى تحمل نهاية القصة المأساوية على صدر الصفحة الأولى تحت عنوان «الفرنسية الجميلة العايقة التى قتلت زوجها المصرى»!
وقالت «اللطائف»، وهى تحمل تفاصيل الجريمة لقرائها مع صورتين للزوجة الفرنسية: «هذه صورة مارى مرجريت صورة الشيطان فى جسم ملاك لا ينخدع الناظر إليها، ولا تغره ابتسامتها الحلوة، فإنها كاذبة، ولا تصدق جمالها الخلاب، فإنه جمال شيطانى ابتسامتها التى تراها هنا هى المصيدة التى اصطادت بها قلوب الكثيرين غير قلب على بك فهمى...
لكنها أوردته حتفه على عجل، وسقته كأس الموت الزؤام. بعد شهور عذبته فيها عذابًا أليما على ما جاء فى تفاصيل أقوال سكرتيره الطيب العالى الصفات».
وقال محرر «اللطائف»: «والله لولا الواجب الصحفى ما كنا نشرنا صورة هذه الشقية الظالمة العاتية التى ما كانت ريا وسكينة تذكران فى جانبها!»،
وأسفل الصورة الثانية للزوجة الفرنسية مارجريت قالت «اللطائف»: «هذه صورة أخرى لزوجة المرحوم على بك كامل فهمى، وكلتا الصورتين صورهما المسيو هنزلمان المصور الشهير ومرجريت عمرها ٣٤ سنة».
«وقد وصفها لنا أحد الذين عرفوها جيدًا بأنها قليلة الكلام عميقة!
وتاريخها مفعم بالحوادث الغرامية، فمن غنى فرنسى إلى غنى تركى، ثم إلى الفقيد المصرى الغنى أخيرًا، ولها ابنة تتعلم فى إنجلترا عمرها ١٦ سنة.
افتتن بها الشاب على بك كامل فهمى، فعاشرها ثم اعتنقت الإسلام باسم «منيرة»، فعقد عقد زواجها فى شهر فبراير الماضى، وحصلت مرجريت من زوجها على جوهرة أمنت عليها بمليون فرنك، ولها إسطبلات خيل وسوف يجلى التحقيق ما استتر من خفايا».
ثم عادت مجلة «اللطائف المصورة» فى عدد الاثنين ٣٠ يوليو ١٩٢٣ لتتابع القصة بأسلوب مثير تحت عنوان «مصرع على بك كامل فهمى صورة الجناية الفظيعة».
ونشرت «اللطائف» تحت هذا العنوان رسمًا تخيليًا للجريمة، تظهر فيه مرجريت وهى تطلق النار على زوجها، وهو يرتدى ملابس النوم!
وقالت «اللطائف»، فى وصفها للجريمة التى أصبحت حديث مصر: و«فى ليل ١٠ يوليو هبت على مدينة لندن عاصفة شديدة، صحبها وميض البرق، وكانت لندن فى أشد حالات قصف الرعد والمطر الشديدين!.
وسمع النائمون فى لوكندة سافوى، فى الطابق الثانى منها، صوت طلقات نارية، خارجة من مسدس المرأة الخائنة «مارى مرجريت» التى وقفت فى الطرقة أمام غرفتها، وأطلقت مسدسها على زوجها المرحوم الشاب على بك كامل فهمى، الذى كان آتيًا إليها من غرفته بملابس النوم!
فسقط المسكين يتخبط فى دمه، ولما أقبل موظفو اللوكندة، وجدوه ملقيا على الأرض، والدم يتدفق من جرح فى رأسه، فأسرعوا بإحضار الطبيب.
لكن الجرح كان مميتًا فلم يستطع الطبيب أن ينقذ حياة هذا الشاب الثرى الشهير، وأقبل البوليس مسرعًا، فألقى القبض على تلك الزوجة الظالمة بعد أن ثبت أنها هى التى أطلقت الرصاص على زوجها.
وكانت فى أشد حالات الجزع والاضطراب عند اعتقالها، أما المصاب فنقل إلى أقرب مستشفى، وهو مستشفى «تشارنج كروس»، حيث توفى بعد وصوله، وفاضت روحه إلى خالقها، تئن من جور تلك الغانية واستبدادها وظلمها...
وابتدأ البوليس بأخذ أقوال تلك المرأة، وكانت تؤدى شهادتها منتحبة باكية أو متظاهرة بالبكاء، وهى لا تزال سجينة رهن التحقيق، وسوف تنظر القضية فى شهر سبتمبر القادم».
وقالت مجلة «اللطائف المصورة» فى نهاية المقال: «هذا مجمل مصرع المأسوف عليه المرحوم على بك كامل فهمى، نسطره هنا، ونثبت صورته التى صورها لنا مصورنا الخاص، نقلًا عن التفاصيل الدقيقة التى جاءت، فنسجل حادثة تاريخية، نحن أول الآسفين على وقوعها، ونرجو أن تكون لشبابنا عبرة وذكرى!».
وفى إحدى الصفحات الداخلية بنفس العدد، نشرت «الطائف المصورة» صورة سكرتير على كامل فهمى الذى كان مسافرًا معه وزوجته مرجريت فى رحلة لندن.
وتحت الصورة كتبت «اللطائف»: «سعيد عنانى سكرتير المرحوم على بك كامل فهمى الذى كان نازلًا معه فى اللوكندة فى لندن ليلة مقتله، والذى رقص مع زوجة سيده فى ليلة مصرعه، والذى قال شيئًا مؤلمًا عن العلاقات الزوجية فى مصر أثناء تأدية شهادته فى المحكمة!».
***
وفى نفس العدد وتحت عنوان «من هو على بك كامل فهمى»، نشر محرر «اللطائف» مقالًا قال إنه بقلم أحد الخبيرين بالشئون الخفية، وروى فى هذا المقال قصة حياة على كامل فهمى وتفاصيل عن حياته المثيرة.
قال محرر الشئون الخفية: «فى حياة هذا الشاب عبرة وفى مصرعه عبرة أربع سنوات أنفق فيها نحو مليون جنيه، فلقبه المحيطون به والمنتفعون به بأمير الشباب، ووقف العامة والخاصة ينظرون إلى إسرافه، آسفين على ضياع تلك الألوف المؤلفة من غير فائدة للبلاد وأهلها».
كان المرحوم على فهمى باشا والد الشاب الصريع من الأغنياء المعدودين ولكنه كان شديد التقتير على ذويه، وكان ولده وهو تلميذ فى مدرسة المبتديان الناصرية معروفًا بين إخوانه بذلته، يقترض منهم القروش ولا يردها!!
وتوفى الوالد لما كان ابنه فى السنة الثالثة الابتدائية فخرج من المدرسة وعمره ١٨ سنة تقريبًا، وبقى زمنًا وهو محجور عليه، فالتف حوله فريق ممن يعرفون سر ثروته، وسعوا سعيًا حثيثًا حتى رفع الحجر عنه، ونال المحامى الذى تولى رفع هذا الحجر ثلاثة آلاف جنيه أتعابا وعقدا براتب ثلاثة آلاف جنيه فى السنة لمدة عشر سنوات.
وكان سعيد أفندى العنانى كاتبًا فى الجمعية التشريعية براتب ثمانية جنيهات فى الشهر، فالتصق بالشاب الوارث، وما زال معه حتى عينه سكرتيرًا خاصًا له براتب ستين جنيهًا فى الشهر، وزيادة عشرة جنيهات كل سنتين لمدة عشر سنوات، ولكن متوسط ما كان يربحه منه شهريًا بين منح وسمسرة لا يقل عن ٥٠٠ جنيه، لم تستفد منه مصر ولا المصريون شيئًا إلا إنفاقه على بعض الطلبة فى أوروبا، وقد قام بهذا العمل ذرًا للرماد فى العيون، ومنعًا من إعادة الحجر عليه لإسرافه العظيم.. كان إذا دخل فندقًا أو حانة لتناول كأس وسكى يدفع بقشيشًا للجرسونات يتراوح بين خمسة جنيهات وعشرين جنيها.
ابتاع أرض سراياه فى الجزيرة بمبلغ ١٤ ألفا، وهى لا تساوى أربعة آلاف، وكلف بناءها مئة ألف جنيه، وهو لا يساوى ٢٠ ألفا..