السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"المامبو" الإخواني

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعيدًا عن أصول «المامبو» اللاتينية أو الأفريقية، فقد عرفناه سودانى الجنسية، بحسب ما ترسَّخ فى وجداننا، تأثرًا بأغنية المطرب السودانى الشهير سيد خليفة «المامبو دا سوداني»، والتى غنَّاها فى منتصف خمسينيات القرن الماضى فى أحد الاحتفالات السنوية بذكرى ثورة يوليو المصرية، ومن يومها ورغم انتشار موسيقى ورقصة «المامبو» فى كل دول العالم شماله وجنوبه فى زمانها، فإن لحنها السودانى له خصوصية فريدة فى التراث الموسيقى والذاكرة الجمعية للمصريين؛ فالأغنية تستحضر بشكل عفوى كل محبتنا لإخوتنا فى السودان الشقيق.
ومن لطائف الأيام التى نعيشها، التدفق المفاجئ لمشاعر جماعة الإخوان بقوة جنوبًا تجاه الأشقّاء فى السودان، لدرجة تجعلك تتخيلهم فى حالة رقص جماعى على الإيقاع الصاخب لموسيقى «المامبو»، من فرط حماسهم «لرفع الظلم عن الشعب السوداني»!! كما جاء عنوان بيانهم الحاشد لهمم وعزائم المسلمين فى العالم، للنضال من أجل رفع المعاناة عن السودانيين.
وطالبت الجماعة فى بيانها كما جاء فى نصه: «الإخوة الكرام: نحتاج منكم المساندة بالتصويت من أجل رفع المقاطعة عن السودان، ونحتاج إلى ١٠٠ ألف صوت، لرفع العقوبات الأمريكية الأحادية على السودان».
وشرح البيان الإخوانى خطوات التسجيل عبر الموقع الإلكترونى للبيت الأبيض الأمريكى للتوقيع على الـ«عريضة»، والتى ستظل متاحة حتى ١٥ فبراير بحسب القواعد المتبعة، موضحًا أنه بعد الوصول إلى رقم المائة ألف توقيع «سوف يكون لزامًا على الإدارة الأمريكية أن تنظر فى الطلب وترد عليه وفقًا للحيثيات الموجودة بالعريضة».
وكان نشطاء سودانيون فى ١٥ يناير ٢٠١٦ قد دشّنوا عريضة على موقع البيت الأبيض لمطالبة الإدارة الأمريكية برفع العقوبات المفروضة على السودان منذ عام ١٩٩٧، تزامنًا مع جهد حكومى سودانى ونشاط مكثف قام به إبراهيم غندور، وزير الخارجية السودانى، فى قمة الاتحاد الإفريقى المنعقدة فى أواخر الشهر الماضى بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا للغرض ذاته.
ولكن، ما علاقة الإخوان بهذه القصة؟ ولماذا شمَّرت الجماعة عن ساعديها وتقمّصت الحالة السودانية بهذا الإخلاص؟ مع ملاحظة «التأخر المريب» فى توقيت البيان المرسل يوم ٨ فبراير، أى بعد ثلاثة أسابيع من بدء الدعوة للتوقيع على العريضة، وقبل أيام قليلة من موعدها النهائي. ونقرة سريعة على الرابط الذى تضمنه البيان ستضيف لك معلومة مهمة ومؤثرة، وهى أن عدد الموقعين على البيان قد تخطى الـ٩٥٠٠٠ توقيع، أى أن الرقم الباقى (٥٠٠٠ توقيع)، لا يحتاج إلى «بروباجندا» إعلامية وحشود إخوانية. وآخر الأسئلة المزعجة هو: إلى أى مدى ستؤتى هذه الخطوة نتائج لصالح الشعب السوداني؟
والإجابات كلها يمكن اختزالها فى إجابة واحدة واضحة: الوصول إلى ١٠٠ ألف أصبح شبه مضمون، وجماعتنا تعشق اللعب على المضمون، وتجيد الركوب الشرعى على الأحداث الساخنة، وبالطبع لا أحد سيتذكر نتيجة الـ«عريضة»، لأن المهم فقط أن تؤدَّى «الفريضة»، وتظهر الجماعة وهى تدعم وتساند وتناضل من أجل الإسلام والمسلمين فى كل بقاع المعمورة!!
ورغم أن ملف «الإخوان والسودان» يحتاج إلى المزيد، فإن المرفق الآخر الذى حملته لى الرسالة الإخوانية الإلكترونية الأخيرة، والتى جاءت بعنوان «شئون إخوانية وملفات هامة»، يصعب تجاهله، لأنه يكمل اللحن المتصاعد لـ«المامبو الإخواني»، فقد احتوى المرفق على اقتباسات من مقابلة صحافية للأخ إبراهيم منير، نائب مرشد جماعة الإخوان والمقيم فى لندن، وقد أكد فيها صحة ما تردد عن وجود خلافات داخل الجماعة، وسبب الخلاف (كما ذكر) هو طريقة التعامل مع النظام الحاكم فى مصر، وأوضح منير أن بعض شباب الجماعة يرى أنه يجب أن تتم مقاومة هذا النظام بالعنف. واستعرض نائب المرشد الخلاف وإدارته من خلال لجنة أزمة، تضخّمت وتحوّلت إلى كيان داخل الجماعة، ثم صدور قرار بحل اللجنة، لأنها ليس لها وجود فى هيكل الجماعة، ثم أشاد بمبادرة الشيخ يوسف القرضاوى لجمع الشمل، ونفى نية الجماعة بإجراء انتخابات داخلية للظروف التى تمر بها والتضييق الأمنى الذى تعانى منه.
ولعل أهم ما قاله الإخوانى المهاجر، هو اعترافه الواضح بأن هناك من خرج على الجماعة واتجه إلى العنف، والذى برره مستشهدًا بتاريخ الإخوان قائلا: «لقد مرت الجماعة بمثل هذه الظروف من أيام المؤسس الشيخ حسن البنا، حينما حدث اختلاف على منهج الجماعة من قبل مجموعة (شباب محمد)، وكما حدث فى الستينيات مع المجموعة التى بالغت فى الأمور، ووصلت إلى حد التكفير». وهو استشهاد فى محله، يخرس كل المزايدين والمتحدثين عن شيطنة الدولة للإخوان، والرافضين لتحميل الجماعة وأعضائها أسباب تفجر العنف وتفشى الإرهاب فى مصر.
وجاء الختام يليق بطبيعة الرقصة وإيقاعها الساخن، فقد أصرَّ منير على «شرعية مرسي»، ثم أعقب الختام.. «لم النقطة» على الطريقة الإخوانية، لهذا أعرب نائب مرشد جماعة الإخوان عن أمله فى أن يكون رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران نافذة جديدة للاستقرار فى المنطقة. الجماعة تخطط «على نار هادئة»، وتدير بوصلتها بدهاء استراتيجي، نحو القبلة الجديدة فى طهران، لتؤكد حقًا أن «المامبو طلع إخواني»، ولا عزاء للسوداني.