الثلاثاء 04 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

محدودو الدخل.. و"أم قلب طيب"!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كثيرًا ما نسمع عن المشروعات العملاقة التي تخصصها الحكومات "أم قلب طيب" لمحدودي الدخل، فتقرأ عن طرح وحدات سكنية أو مقابر أو حتى قطع أراض سكنية تخصص للفئات محدودة الدخل، لكنك سرعان ما تفقد أعصابك وأنت تطالع تفاصيل الأسعار والشروط التي يجب توافرها في هذه الشرائح التي من المفترض أنها أولى بالرعاية، وذلك من قسوة الاشتراطات التي تجعلك تتأكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الحكومة في وادٍ والشعب في وادٍ "تاني خالص".
بالصدفة البحتة وقعت عيناي على إحدى هذه الإعلانات، وكان عن طرح شقق لهؤلاء الفقراء والبؤساء والمساكين، وكانت التفاصيل بكل صراحة يعني غاية في "الاندهاش" .. بداية سعر الشقة 280 ألف جنيه.. يدفع منها 5000 لسحب استمارة حجز.. ثم مبلغ 15 ألف جنيه إثبات "حسن نية" .. عفوا جدية حجز، وأرجوكم لا تسألوني عن الفرق بين الحجز وجدية الحجز لأنني شخصيا فشلت في حل هذا اللغز الغامض.. ثم يصل المبلغ إلى 60 ألف جنيه عند الاستلام.. وبناء على الراتب يتم تحديد القسط الشهري يستتبع ذلك حساب قيمة الفائدة المفروضة على تقسيط المبلغ ليجد المواطن الملقب بمحدود الدخل نفسه أمام شقة يزيد سعرها على 600 ألف جنيه ولزاما عليه دفع ما قيمته 1500 جنيه شهريا.. حضراتكم معانا ولا تهتوا مننا؟.
فإذا كانت هذه نظرة الحكومة الطيبة الرشيدة للغلابة محدودي الدخل فإن هذا يفسر باقي الإجراءات التعسفية التي تتخذ ضدهم من رفع قيمة الضرائب على الدخل والسلع.. كل ذلك من أجل ماذا؟ .. من أجل رعاية محدودي الدخل.
يروى أنه ذات مرة في قديم العصر والأوان حين كان الدكتور أحمد نظيف رئيسا للوزراء، في عهد الرئيس "المتنحي" مبارك، اشتكى صحفي "لسانه زالف" لرئيس الحكومة من معاناة المواطنين لأجل شراء الخبز المدعم، وأن أغلبهم يضطر لشراء الخبز بـ 25 قرشا، وكانت المفاجأة أن رئيس الحكومة "الطويل النظيف" فاجأ الصحفي "الفلعوص" باستنكار: وانت يعني شايف إن 25 قرش كثير على رغيف الخبز المدعم.. فاتضح أن الرجل "النظيف" لم يكن يعلم أن ثمن رغيف الخبز المدعم 5 قروش وليس 25 قرشا.
وفي حقيقة الأمر أنه مع الاعتراف بأن ثورتي 25 يناير و30 يونيو قد حركتا الماء الراكد بصورة جديرة بالتقدير في صالح البسطاء المهمشين من توفير منظومة الخبز المدعم وصرف مواد تموينية مجانية إضافة إلى فارق نقاط الخبز.. لكننا في حقيقة الأمر نظل أمام إشكالية غاية في الحساسية تتعلق بضرورة وضع تعريف واقعي لفئة محدودي الدخل، فهل هم القادرون على دفع 60 ألف جنيه لاستلام وحدة سكنية هنا أو هناك مع سداد 1500 جنيه شهريا كقسط للشقة المتواضعة.
أم أنهم هم الذين يأكلون الخبز المدعم فقط فيما يعجزون عن تذوق طعم اللحم والدواجن والجبن الرومي والبسطرمة على أساس أنها محرمة عليهم إلى يوم يشعر بهم المسئولون ويكفيهم الفول والعدس والبصل على اعتبار أنها غذاء الشرفاء.
إننا نثق تمام الثقة في النية الحسنة لرئيس مجلس الوزراء حين أعلن أن محدودي الدخل هم محور برنامج الحكومة أمام البرلمان، ولكننا نستحلفهم بكل عزيز وغال أن يعرفونا فقط من هم محدودي الدخل المقصودين بالرعاية قبل أن نفاجأ أنهم يقصدون أولئك الذين يتقاضون 5 أو 10 آلاف جنيه في الشهر، فهذه ستكون الطامة الكبرى، إذ سنكتشف ساعتها أننا "نؤذن في مالطة" .. وربنا يستر.