رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الحصار والتجويع لتركيع المدنيين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مع نهاية الحرب العالمية الثانية «١٩٣٩- ١٩٤٥» التى أدت إلى مقتل ما يقرب من ٥٠ إلى ٨٥ مليون مدنى وعسكرى، وهى التى دفعت إلى تأسيس الأمم المتحدة فى ٢٤ أكتوبر ١٩٤٥ فى محاولة لإيقاف الحروب، وعدم تكرار المجازر الجماعية التى حدثت فى الحرب العالمية الثانية من قبل الدول المتحاربة، ولكنها لم تنجح فى ذلك على مر التاريخ، فارتكبت العديد من المجازر فى الحروب الأهلية اليوغوسلافية، والرواندية، والأراضى الفلسطينية المحتلة، واللبنانية، والليبية، والسورية، والعراقية، وأخيرًا اليمنية، ومع تغير أشكال الحروب، فمعظم الحروب الحديثة حروب داخلية بين أنظمة حكم وجماعات مسلحة تحاول الاستيلاء على الحكم، سواء عبر انقلابات عسكرية أو عبر تنظيمات مسلحة، وإذ يؤدى هذا الوضع إلى تدمير معظم مؤسسات الدولة، خصوصًا مؤسسات الجيش والأمن، وتتحول الحروب إلى حروب مدن تتوقف فيها معالم الحياة، وتستباح فيها الحدود والقوانين، ويعانى السكان المدنيون ويلات هذه الحروب، ومع تراجع شديد فى دور الأمم المتحدة ومؤسساتها الدولية فى أداء عملها، حيث تفتقد إلى آليات قوية لحماية المدنيين، وفى كثير من الأحيان، تفتقد القدرة على الدفاع عن تواجدها فى بعض البلدان، مثل ما حدث فى الصومال وأفغانستان، لأن الجماعات المسلحة تعتبر المنظمة الدولية ما هى إلا من مغانم الحرب. وكثيرا ما تشن هذه الجماعات حملات ضد القوات الدولية ومواد الإغاثة والمستشفيات وغيرها، وفى الصراع الإقليمى بالمنطقة العربية تخوض الجماعات المسلحة حربًا بالوكالة ضد أنظمة حكم رجعية، وهذا لا يعنى أن هذه الجماعات المسلحة جماعات ثورية، بل على العكس هى أشد دكتاتورية، وتنفذ مخططًا لتقسيم المنطقة والعودة بها إلى ما قبل التاريخ، فى هذه الوضعية يتعرض السكان المدنيون إلى أشد أنواع القتل والتشريد، والتجويع، والإبادة.
إن حرب المدن التى نشأت فى سوريا، والعراق، وليبيا، واليمن، ومحاولة كل طرف من أطراف النزاع إخضاع المدنيين تحت السيطرة دفع أطراف الصراع إلى استخدام سياسة حصار المدنيين العزل، واستخدامهم كورقة من أوراق الصراع والقتال الداخلى، ولعل الواقع السورى هو أكبر دليل على ذلك، فالنظام الحاكم يسيطر بالكاد على ٣٠٪ من مساحة سوريا، أما باقى الأراضى فتقتسمها «داعش» و«جبهة النصرة» و«أحرار الشام» و«الأكراد»، وما يعرف بالجيش السورى الحر، وفى معركة عين العرب «كوبانى» حاصرت ميلشيات «داعش» المدينة، بينما نجحت الأمم المتحدة فى دعم المحاصرين بإسقاط المعونات عن طريق الطائرات جوًا. وقد نجح هذا الأسلوب الذى اتبع من قبل فى الحرب اليوغوسلافية، وإن دل ذلك على تملك الإرادة السياسة لوكالات الإغاثة فى دعم سكان «كوبانى»، أما الوضع الحالى فى سوريا، فهناك العديد من القرى والمدن المحاصرة سواء تحت سيطرة النظام أو الجماعات المسلحة، واتجهت أنظار العالم ونداءات الاستغاثة لإنقاذ سكان مدينة مضايا بريف دمشق من كارثة إنسانية، ذلك مع تفاقم الحصار الذى تفرضه قوات النظام وميلشيات حزب الله الشيعى منذ ٧ شهور ومع سوء الأحوال الجوية، ومدينة مضايا يبلغ عدد سكانها ٤٠ ألف نسمة، منهم ٢٥ ألفا من سكان المدينة وحوالى ١٥ ألفا مهجرين من مدينة الزبدانى، وتطالب المنظمات الحقوقية بالإسراع فى إدخال مساعدات الإغاثة الفورية للمدينة، ويحاول النظام وحزب الله عدم الالتزام ببنود اتفاقية «الزبدانى- الفوعة»، التى تقضى بإدخال مساعدات إلى مضايا، حيث ينص اتفاق الزبدانى على تبادل الجرحى بين منطقة الزبدانى فى ريف دمشق وبلدتى الفوعة وكفريا فى ريف إدلب، حيث تم هذا الاتفاق بين وفد إيرانى عن النظام السورى وحزب الله اللبنانى ووفد من حركة أحرار الشام عن الفصائل المسلحة، وتم توقيعه برعاية أممية، وتسهيل من تركيا للبنان بواسطة المؤسسة اللبنانية الديمقراطية لحقول الإنسان، وحتى الآن لم يتم تنفيذ البند الخاص بإدخال مواد الإغاثة إلى مضايا، حيث يشترط المسلحون إدخال مواد إغاثة إلى الفوعة وكفريا اللتين يحاصرهما النظام، ونتيجة لهذا العناد بين الطرفين يتحمل المدنيون قسوة الجوع ونقص المواد الطبية، ويعتبر فرض الحصار على البلدات السورية كعقاب للمدنيين، حيث تتواجد عناصر مسلحة من كلا الطرفين متسترين بالمدنيين، وهى جريمة بحق الإنسانية، أما المناطق التى تقع تحت سيطرة داعش فحدث ولا حرج حول استخدام المدنيين كدروع بشرية، والاحتماء بالمستشفيات والمدارس والمساجد، إلى جانب الممارسات اللاّ أخلاقيّة، التى ينتهجها التنظيم ضد النساء والمعارضين، وأن أعداد المحاصرين فى سوريا تصل إلى حوالى ٤٠٠ ألف نسمة، ومع غياب دور الأمم المتحدة لا يوجد أمل فى إنقاذ المدنيين، ويبرر القائمون على المؤسسة الدولية موقفهم على لسان المتحدث الرسمى باسم الأمين العام «أن العائق الأساسى فى توصيل الأمم المتحدة المساعدات فى كل من مضايا وتعز باليمن، هو أنها تحتاج لموافقة الأطراف المعنية. إذ أنه فى حالة عدم توافر الأمن على الأرض، ووقف القتال لا تستطيع فرق الأمم المتحدة القيام بتوصيلها سواء جوًا أو برًا»، ومثل هذه التصريحات هى كذب وافتراء، حيث إن مساعدات الأمم المتحدة فى تعز باليمن تصل ليد الحوثيين، وتباع علنًا فى المحلات فى المناطق التى يسيطر عليها الحوثيون، بينما صرح أحمد بن شمسى تعليقًا على الوضع فى مضايا بأنه «كارثى بكل المقاييس»، واعتبر أن تجويع المدنيين ليس فقط انتهاكًا للقانون الدولى بل هو جريمة حرب بموجب القانون الإنسانى الدولى، وأن إيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين المحاصرين يحتاج إلى إرادة دولية تتجاوز ضعف وتراجع دول الأمم المتحدة ومؤسسات الإغاثة التابعة لها، وقبل محاولات الحل السياسى واجتماعات جنيف المكررة التى تنتج مخرجات غير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، وعلى الدول الكبرى التى تؤجل الصراع فى المنطقة وتدعم سياسة التسليح، أن توجه جزءًا من طاقتها لدعم المدنيين، وبدلًا من قصف المدن والبلدات أن تقوم بإسقاط المعونات الإنسانية الغذائية والطبية للمحاصرين.