رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

2016.. انفراجات "هنا" وأزمات "هناك"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هل سيحمل عام ٢٠١٦ عنوان عام «الانفراجات» أم تصاعد «الأزمات»؟..التساؤل الأكثر تكرارًا خلال الأيام الأخيرة من عام يمضى وآخر يطل على العالم حاملًا إشارات تُعين المراقبين من التقاطها فى رسم خطوط عريضة لمستقبل بعض مناطق الاضطرابات فى المنطقة العربية.. بينما تبقى أزمات أخرى داخل دائرة الاستفهام.
الصدام السياسى الذى تفاقم العام الماضى بين السعودية وإيران أخذ بعدًا آخر فجرته إيران بعد تحويل إعدام الشيخ الشيعى نمر باقر النمر إلى قضية طائفية، استخدمت فيها كل أدواتها السياسية والشعبية للهجوم على سيادة السعودية. إيران لم تعد تمارس طموحها فى بسط سيطرتها على المنطقة العربية من وراء الستار، بعد حصولها على مباركة البيت الأبيض رغم عدم امتلاكها مقومات لعب دور القوة النافذة فى المنطقة سواء على الصعيد السياسى والاقتصادى. العراق الذى حلمت إيران به عبر التاريخ كمنطقة نفوذ لها شهد العام الماضى حالة ثورية انطلقت فى كل محافظات العراق ضد الانتهاكات الإيرانية على أراضيه وتفشى نفوذها فى العراق عبر السنوات الماضية وضد الفساد الحكومى. غضب الشارع العراقى سيستمر تصاعده ليضع رئيس الوزراء، حيدر العبادى، أمام عدة اختيارات صعبة ومصيرية.. لعل أهمها عدم الاستجابة إلى الضغوط الممارسة عليه من صقور حزب «الدعوة» وأتباع رئيس الوزراء السابق، نورى المالكى، الموالين لإيران والعمل سريعًا على إقصاء هذه الوجوه التى يرفضها العراقيون. التفاف الدول العربية حول الموقف السعودى لم يحمل عنصر المفاجأة.. هو نتيجة طبيعية «للمزاج» العربى العام والموحد ضد سياسات إيران كطرف إقليمى يسعى إلى التفرد بالمنطقة، خصوصًا بعدما أصبحت أمريكا «الراعى الرسمي» لهذه المطامع. تحويل إيران الصراع مع الدور السعودى الذى يتصدر مواجهة مشروعها من الإطار السياسى إلى الطائفى سيضع بالتأكيد السياسة الأمريكية الخارجية أمام عدة عقبات.. أبرزها التوصل إلى صيغة متوازنة فى علاقاتها الدبلوماسية بين الحليفين التاريخي - السعودية - والجديد - إيران - الذى صدرته أمريكا للمنطقة العربية كقوة إقليمية متفردة.. خصوصًا أن الموقف السعودى الذى صدرت عنه عدة إشارات تذمر من مواقف أمريكا أصبح يراهن فى مستقبل المسار السياسى الأمريكى على تصاعد شعبية توجه الحزب الجمهورى فى التركيز على محاربة الإرهاب - بكل طوائفه - ورفضه لسياسات أوباما الموالية لإيران والتيارات الدينية. إيران التى لم يقتصر طموحاتها على الشق السياسى تسعى منذ توقيع اتفاقها النووى مع أمريكا إلى الانفتاح على الغرب من أجل إنعاش أوضاعها الاقتصادية المتردية، فمثلا: العراق الذى يعتبر من الأسواق الرئيسية للصادرات الإيرانية سيكون بالتأكيد أكثر ترحيبًا بالانفتاح على أسواق دول مجلس التعاون الخليجى نتيجة معاناة المستهلك من رداءة الصناعة الإيرانية.
تفاقم المأساة السورية فرض على المجتمع الدولى، خصوصًا بعدما اقتحمت نتائجها مراكز هذا المجتمع بشقيها الأمنى عبر تصدير الإرهاب إلى دول أوروبا التى بدأت فى النصف الثانى من العام الماضى تأخذ هذه التهديدات بمنتهى الجدية إلى درجة أنها أفسدت فى بعض هذه الدول مظاهر الاحتفال السنوى الأهم بالنسبة لها رأس السنة الميلادية، أيضا الشق الإنسانى للمأساة بعدما فوجئت أوروبا بحجم تدفق الأعداد الهائلة من المهاجرين السوريين إلى أراضيها. التدخل الروسى أيضا فرض على القرار الدولى جدية فى طرح حلول جذرية للأزمة بعيدًا عن التعنت حول قضايا هامشية، مثل بقاء مؤقت أو رحيل فورى لشخص بشار الأسد.. لعل ٢٠٠٣ ليس بعيدًا عن الذاكرة حين انفرد «الخداع» الأمريكى بالعالم مصدرًا له أن صدام حسين هو «الشيطان الأكبر».. وبرحيله ستتحول (دجلة والفرات) إلى أنهار لبن وعسل تروى أرض العراق!.
التقارب الروسي - الأمريكى حول الأزمة السورية سيفرض على باقى الأطراف آفاقًا أعمق من اقتصار الرؤية على مجرد التمسك برحيل الأسد والذى لن يُنهى المأساة بل سيؤدى إلى انزلاق سوريا نحو أوضاع أكثر سوءًا مما هى عليه.. المزيد من أنهار الدماء وحرب أهلية بين تنظيمات إرهابية حظى - للأسف - الكثير منها برعاية أمريكية، مثل جيش الإسلام وجند الشام، بالإضافة إلى مزيد من السيطرة لصالح جبهة النصرة، التنظيم الوثيق الارتباط بالقاعدة، ثم داعش والذى يراهن على «غَض البصر» الأمريكى نحو طموحاته فى أن يكون بديلًا لحكم الأسد فى سوريا. بل إن وثائق رسمية لوكالة المخابرات الدفاعية الأمريكية تعود إلى عام ٢٠١٢ وتم الكشف عنها مؤخرًا تؤكد وتدعم أن هذه التنظيمات الإرهابية تمثل القوى الرئيسية التى تقود التمرد فى سوريا، وتشير إلى أن الأجهزة الاستخبارية فى أمريكا تدرك جيدًا أن ما يحدث فى سوريا سينتهى إلى إعلان الخلافة الإسلامية. ما يدعم جدية هذه الوثائق سرعة التحرك الروسى بهدف تغيير المعادلة فى احتواء الأزمة السورية إلى فرض حلول جذرية ذات طابع أمنى وسياسى لمرحلة انتقالية تضمن سلامة الدولة السورية ومؤسساتها وهى معادلة حظت بترحيب أغلب الدول العربية.
فى ظل استحواذ الجانب السياسى فى ليبيا على الاهتمام العالمى رغم أن ترسيخ قواعد نظام سياسى فى إطار حكومة وفاق لن يكتب له النجاح فى ليبيا دون مواكبة ودعم الجانب العسكرى. الجيش الليبى ما زالت قدراته محدودة - مع رفض العالم إمداده بالسلاح لمواجهة تمدد التنظيمات الإرهابية على أراضيه ومن المنتظر تصاعد مساحة هذا التمدد نتيجة لجوء العديد من قادة ومقاتلى داعش إلى خلق منطقة تمركز بديلة فى ليبيا التى تعتبر شواطئها مرفأ مثاليًا لنقل القوات والسلاح إلى هذه التنظيمات بعدما أدت الضربات الجوية للتحالف الدولى وسلاح الطيران الروسى وانتصارات الجيش العراقى فى تطهير أراضيه من سيطرة داعش إلى تقليص منطقة تمركز التنظيم السابقة بين مدينتى الرقة فى سوريا والموصل فى العراق التى ستبدأ قريبا عملية تحريرها من قبضة داعش.
الأمر الذى يجعل جهود الأمم المتحدة ومبعوثها إلى ليبيا لخلق وضع سياسى توافقى خلال هذا العام عملية شبه مستحيلة دون إيجاد صيغة دعم عسكرى للجيش الليبى فى إطار الوضع المرتبك أمنيا.