الثلاثاء 04 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

كانت كل حياتي.. الصحافة "1 ـ 3"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
سألنى صاحبى عن الصحافة فى حياتى. وكأن الصحافة لم تكن كل حياتى.
أذكر نفسى طفلًا صغيرًا، لم يتعد الثانية عشرة من عمره. أدخر طوال الأسبوع من مصروفى، ما يمكننى فى نهاية الأسبوع، من شراء مجلة الأطفال. أقرأها أول مرة بلهفة. وأعيد قراءتها مرات ومرات بنفس اللهفة.
مجلات الأطفال هى التى فتحت عينى على عالم خيالى ساحر. كان هو أول دنيا أعرفها. ومازلت رغم الشيخوخة التى طرقت أبوابها، أغمض عينى فأرحل عبر الخيال فى ذلك العالم الساحر، الذى تفتحت عليه براءة الطفولة.
كنت طفلًا هادئًا ضئيل الحجم، خلقنى ربى على شكل أبعدنى عن شقاوة الأطفال، التى لا أستطيع مشاركتهم فيها، وأكتفى بالبقاء بعيدا وأنا أنظر إليهم يتسابقون ويجرون ويتصارعون.
ولم يكن لدى سوى هذه المجلات، وبعض كتب وروايات، كانت هى حضن طفولتى، وعاشت معى حتى هذه اللحظة.
وفى دراستى الابتدائية كتبت فى كراسة المدرسة، أول قصة قصيرة أرسلتها إلى مجلة أطفال، وفوجئت بهم ينشرونها، ويطلبون منى الذهاب. لاستلام جائزة القصة، وكانت جنيهًا واحدًا، سلمنى إياه الراحل نعمان عاشور.
وفى الثانوى شاركت فى جماعة الصحافة، وفزت بجائزة مسابقة كبيرة. بين كل المدارس، وتسلمت الجائزة، من أستاذى الكبير الراحل على أمين. على مسرح مدرسة هدى شعراوى بقصر العينى.
كان أبى يتمنى أن أكون طبيبًا، كان يحلم بذلك ويتحدث عن ابنه الدكتور طوال الوقت.
وفى الثانوى أجبرنى على دخول القسم العلمى، حتى ألتحق بكلية الطب، لكن كنت أهرب من حصص الكيمياء والطبيعة. وأتسلل إلى فصول الأدبى. وأستمع إلى دروس التاريخ والفلسفة.
ونجحت فى الثانوية وأهلنى مجموعى للالتحاق بكلية طب الأسنان، ذهبت أوراقى إليها، وكاد حلم أبى أن يتحقق، لكن فى نفس التوقيت أغلق قسم الصحافة، فى كلية آداب جامعة القاهرة، وأعلن عن افتتاح كلية الإعلام، التى أنشئت فى البداية كمعهد. وكان الالتحاق بها يتطلب غير المجموع، امتحانات شفهية وتحريرية.
وفى السر امتحنت فى كلية الإعلام، ونجحت فلم يكن أمامى سوى مصارحة أبى. إننى لا أحب ولا أرغب فى الاستمرار فى كلية طب الأسنان، وأريد الدراسة فى كلية الإعلام.
عايز تبقى صحفى؟
سألنى أبى بلهجة سخرية واضحة..
أطرقت برأسى نحو الأرض فى حزن عاجزًا عن الرد.
لكن أبى أنهى الموقف الصعب ببساطة غريبة.
وقال لى: اعمل اللى أنت عايزه.
■ ■ ■
لا يعرف أحد سوى تلك المجموعة القليلة، من الدفعة الأولى فى كلية الإعلام، كيف تعرفنا على الصحافة، على يد أساتذة كبار، فى مقدمتهم أستاذى الكبير جلال الحمامصى، الذى علمنا مبادئ وأخلاقيات الصحافة. أكثر من علومها وأسرارها.
أحببت جلال الحمامصى واحترمته، كان صحفيًا رائعًا، وكان يبدو بأناقته وأسلوبه فى الحديث، مثل لورد بريطانى صاحب كبرياء. لكن طوال محاضراته كنت لسبب لا أدريه أشاغب وأعارضه.
وجعلنا جلال الحمامصى نصدر جريدة «صوت الجامعة»، وطلب أن نكون وزملائى كل أسرة الجريدة، رئيس التحرير طالبا، والمحررون طلبة. لكن عندما طلب منا جميعا أن نقوم ببيعها لطلاب الجامعات. فعلتها مرة واحدة، ثم أعلنت أننى لن أقوم بدور بائع الصحف، وقبلت بحرمانى من الدرجات التى خصصها الأستاذ الحمامصى لمهمة توزيع وبيع الجريدة!
وفى عامى الثانى بكلية الإعلام، أرسلتنى عمتى إلى الأستاذ الكبير حسن فؤاد فى مجلة صباح الخير، وبدلًا من تدريبى فوجئت به يطلب من الأستاذ لويس جريس أن أعمل محررا تحت التمرين. وبدأت فى صباح الخير وأنا لم أزل طالبا. وكانت معظمها موضوعات إنسانية تدور حول حياة الناس البسطاء.
وحتى تلك الأيام كانت الصحافة فى نظرى لوحات متعددة بكل ألوان الطيف. ولم أعرف إلا بعد أنها لونان اثنان، هما الأسود والأبيض. وبينهما كل ألوان واقع الحياة الذى يعيشه الناس. وعرفت أن خيالى شىء ودراما الحياة الحقيقية شىء آخر.
لم أحلم يومًا أن أقابل عملاق الصحافة مصطفى أمين. لكن قدرى شاء لى بعد التخرج فى كلية الإعلام فى عام ١٩٧٥ أن يرسلنى أستاذى جلال الحمامصى مع عدد قليل من زملائى، للعمل فى أخبار اليوم.
كان رئيس تحرير أخبار اليوم فى ذلك الوقت هو نفسه مصطفى أمين. الذى عاد إلى داره بعد تسع سنوات فى السجن. وكان مدير التحرير سعيد سنبل، الذى تحمس لى وشجعنى، لكنى قبل أن أكمل عامى الأول فى أخبار اليوم، فوجئت بمصطفى أمين يطلب منى أن أعرض عليه، كل ما أكتبه من أخبار وموضوعات.
بدأت أتعرف على مصطفى، وجدت فيه الأستاذ والأب، على يديه تعلمت أسرار مدرسة أخبار اليوم الصحفية. كان يرعانى ويحنو علىّ ويعلمنى. وعندما سألوه يومًا فى التليفزيون عن آخر خليفة له فى مدرسته.
قال: الولد ده.
لا أذكر ماذا علمنى مصطفى أمين، لأنه علمنى أشياء كثيرة، كبيرة وصغيرة، كنت كلما كتبت شيئا أعجبه. كان يضع يده فى جيبه ليعطينى ورقة بعشرة جنيهات. يضع توقيعه عليها. وأخيرا طلبت منه ألا يوقع على النقود التى يعطيها لى.
سألنى بدهشة: لماذا؟
- رددت بالصراحة : لأنى لا أستطيع أن أنفق نقودا عليها توقيعك.
وكان يتندر أمام زواره قائلًا: أنا ومحمود صلاح نحصل على ٥٠١٥ جنيهًا فى الشهر، ويضحك زواره، الذين بالطبع كانوا يعرفون من مرتبه ٥ آلاف جنيه، ومن مرتبه ١٥ جنيهًا!