الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

ركائز سلطنة عُمان في بناء مجتمع خال من الإرهاب.. التنظيم الدقيق في كل ما له علاقة بالتطرف والتعصب الطائفي..التوقيع على الاتفاقية الدولية لمنع تمويل الإرهاب.. النظام المحكم لمكافحة تبييض الأموال

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
باتت ظاهرة العنف والإرهاب من الظواهر المهددة للأمن والاستقرار العالمي، فلم يعد الإرهاب يفرق بين دول متقدمة لديها الإمكانيات والقدرات في وسائل المواجهة والمكافحة وأخرى تفتقر لتلك الوسائل والآليات، في ضوء حقيقة أن غياب الانسجام المجتمعي قد يكون النواة الأساسية لنشر الفكر والأخلاق غير السوية.
ويجمع خبراء علم الاجتماع على أن نشوء الظاهرة الإرهابية يرجع بالأساس إلى غياب القوانين والقيم التي تنظم حركة وتفاعلات الأفراد داخل المجتمع، وأصبحت المنظمات الإقليمية والدولية تضع المعايير اللازمة التي يمكن من خلالها تصنيف الدول وفقًا لدرجة الإرهاب لديها، وكانت سلطنة عُمان من أوائل الدول التي وضعت ركائز اجتماعية سليمة جنبتها سمة العنف والإرهاب.
ولذلك لم يأت حصول سلطنة عمان على درجة "صفر" في سُلم المؤشر العالمي للإرهاب، وهي الدرجة التي تمثل ذروة الأمان من التهديدات الإرهابية، من فراغ أو بمحض الصدفة وإنما جاء ترجمة لجهود عُمانية في مجال بناء السلم الاجتماعي ووضع الأسس الراسخة لفكر وقيم التسامح والتعايش ليس بين المواطنين وحسب، وإنما تطبيق هذا الفكر على مستوى السياسة الخارجية وفي علاقات سلطنة عُمان مع كل دول العالم.
وتضمن التقرير الذي أصدره معهد "الاقتصاد والسلام" مؤخرًا في مؤشره الدولي الثالث للإرهاب للعام الجاري 2015، حصول السلطنة على درجة "صفر"، وأرجع التقرير الدولي هذه الدرجة إلى الجهود التي بذلتها سلطنة عُمان في التنظيم الدقيق في كل ما له علاقة بالتطرف والتعصب الطائفي، وأنها وقعت على الاتفاقية الدولية لمنع تمويل الإرهاب في العام 2011 وأوجدت نظامًا لمكافحة تبييض الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب في العام 2002 بموجب مرسوم سلطاني.
وأشار التقرير إلى أن هذه الآليات جنبت سلطنة عمان وقوع أي عمل من أعمال الإرهاب من خلال سياستها التي تعمل على تشجيع التسامح على الصعيدين المحلي والعالمي، مؤكدًا أن العُمانيين "يركزون على بناء أمتهم بعيدًا عن الدمار والنزاعات"، وأنه لا يوجد عُماني واحد انضم إلى تنظيم "داعش"، وعزا ذلك إلى وعي المواطنين العُمانيين وجهود الحكومة في مكافحة فكر التطرف.
ركائز داعمة للفكر المستنير
ارتكز الوعي المستنير لدى المواطنين في سلطنة عُمان على أسس راسخة من خلال قدرة النظام السياسي بقيادة السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان على وضع ركائز وأسس وبناء مجتمع خال من العنف والإرهاب منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي وحتى الآن وعلى مدى أربعة عقود وخمس سنوات، وتتمثل هذه الركائز في الآتي:
الركيزة الأولى: إنشاء لجان التوفيق والمصالحة في جميع ولايات السلطنة، فقد أحسن المشرع العماني صنعا حينما اصطلح على التسوية الودية للمنازعات فيما بين الأفراد بمصطلح التوفيق والمصالحة من خلال اللجنة المحدثة خصيصا لهذا الغرض، حيث إن الجهة المختصة بحسم النزاع تستقبل الأطراف المتنازعة وتلجأ في البداية إلى الإنصات جيدا لخلافها عاملة على التوسط فيما بينها بمحاولة التوفيق والتقريب فيما بين وجهات النظر المعرضة متوخية الوصول بها في الأخير إلى المصالحة المنشودة من طرف الجميع.
مما يُذكر أن لجان التوفيق والمصالحة لا تمس في شيء لا من قريب ولا من بعيد صلاحيات المحاكم القضائية بشأن تسوية النازعات عن طريق الصلح أيضا، وبالتالي هي لجنة تنشأ بقرار من وزير العدل بصفته الوزير الوصي على قطاع العدل، موازاة مع ما يقوم به القضاء أيضا في مجال الصلح، وبالتالي فإن استحداث هذه اللجان وتحديد إجراءات عملها وتشكيلها واختصاصاتها تبقى رهينة قرار الوزير الوصي، فهو الأكثر دراية من غيره بالحاجة الملحة لهذا النوع من اللجان وبطبيعتها وكيفية سير أعمالها، إلى غير ذلك من المتطلبات، وبالنسبة إلى تشكيل اللجان وسير عملها فقد نظمها مرسوم سلطاني، وأن اللجنة هي إما ذات تشكيل قضائي أو شبه قضائي أو مكونة من ذوي الخبرة والحكماء.
ولا شك أن الصلاحيات التقديرية المهمة التي يحظى بها وزير العدل بشأن إحداث لجان التوفيق والمصالحة، تسمح له بالاقتصار في تشكيل هذه اللجان على بعض أهل المنطقة ممن هم من ذوي الخبرة والحكمة وذوي الهيبة والتقدير في المناطق والولايات من المشايخ والعقلاء برئاسة أحدهم وعضوية اثنين منهم، وغالبا ما يكون الدافع إلى ذلك هو إضافة إلى عدم التمكن من إيجاد العدد الكافي من القضاة الذين بإمكانهم سد الفراغ في مسألة إشراك أهل المنطقة في الإسهام في تحمل المسئولية في حل بعض المشاكل المطروحة محليا حتى على مستوى التسوية الودية للمنازعات.
ونظرًا لدورها المحوري في بناء مجتمع السلم في سلطنة عُمان، بلغت نسبة الصلح في القضايا التي تعرض على اللجان المنتشرة في جميع ولايات السلطنة 89 % من مختلف أنواع القضايا "الأحوال الشخصية، المدنية، التجارية". فلجان التوفيق والمصالحة لا تخص المواطن فقط وإنما هي تعمل من أجل الجميع من مواطنين ومقيمين على أرض السلطنة من كل الجنسيات وكل الأديان، وقد أنشئت اللجان بموجب المرسوم السلطاني رقم 98/‏2005 ولكن ذلك لا يعني أن التوفيق والمصالحة أمر جديد في السلطنة، فعام 2005 شهد فقط تقنين عادة متأصلة لدى العمانيين والتي كانت ولا تزال متمثلة في "البرزة – السبلة" التي كان يتم بهما تدارس أحوال الناس وحل مشاكلهم سواء أكانت تجارية أو أسرية.
الركيزة الثانية: تكريس ثقافة السلم الاجتماعي وقيم العدل والمساواة والمواطنة في سلطنة عُمان، فالسلام هو الاتفاق، الانسجام، الهدوء، وهو حالة إيجابية في ذاتها (الاستقرار والهدوء مثلا)، ويفتح هذا التعريف المجال أمام التفكير في مستويات مختلفة للتعامل مع مفهوم "السلام". هناك سلام بين دول، وهناك سلام بين جماعات بشرية، وهناك سلام في داخل الأسرة، وهناك سلام بين المرء وذاته.
وقد عملت القيادة السياسية العُمانية على تحقيق قيم العدل والمساواة وتعميق المواطنة، وكانت أول خطوة للسلطان قابوس، أنه وجه نداء لكل عُماني بالعودة إلى وطنه وعقد الولاء للوطن واختياراته النهضوية، وفي هذا السياق أعلن عن عزم الدولة على إعادة الجنسية لمن فقد جنسيته باعتبارها أول خطوة للتمتع بصفة المواطنة.
وجاءت النصوص الدستورية من النظام الأساسي للدولة مؤكدة على مفهوم الوحدة الوطنية، ففي المادة الثانية عشرة من الباب الثاني من النظام الأساسي أن "العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين العُمانيين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة" و"التعاضد والتراحم صلة وثقى بين المواطنين وتعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدى للفرقة أو الفتنة أو المساس بالوحدة الوطنية".
وقد تضمن نداء السلطان قابوس قضايا هامة منها: الدعوة إلى صفوف الوحدة في سلطنة عُمان وهو ما يشير إلى أن مفهوم المواطنة مرتبط بتلك الوحدة وبخطط التنمية الشاملة، وأن يكون من أهداف العودة الولاء للبلاد لبدء مرحلة جديدة من تاريخها واختياراتها الجديدة في النهضة والتقدم.
والمتابع للشأن السياسي العُماني يدرك أن النظام السياسي العُماني انطلق من واقع اجتماعي واقتصادي معين ساهمت في تشكيله عوامل جغرافية وتاريخية وإستراتيجية منذ تولى السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان الحكم في عام 1970، وكان على النظام كي يرسخ أسس وقواعد الدولة العصرية الحديثة مواجهة نوعين من التحديات وهما: السعي إلى تأسيس دعائم الاستقرار الداخلي المبنى على قاعدة الاندماج والانصهار الوطني في إطار من التكامل والوحدة وقد أثبتت الممارسات السياسية للنظام القدرة على ذلك من خلال التأكيد على تعميق فكرة المواطنة ومشاركة جميع فئات المجتمع في بناء النهضة العُمانية الحديثة.
أما التحدي الآخر فيتمثل في بناء نظام سياسي حديث بصورة متدرجة وسلمية، بحيث يتمكن من استيعاب الشرائح الجديدة من الشباب التي أفرزتها عملية التحديث والتطور مع الحفاظ على الخصوصية الثقافية للمجتمع العُماني والتمسك بتقاليد وثوابت المجتمع التي تدعم الأمن والاستقرار انطلاقًا لتحقيق أهداف وتطلعات هي في غاية الأهمية.
الركيزة الثالثة: بناء سياسة خارجية قائمة على مبادئ التسامح والتعايش مع الآخر، إذ تنتهج سلطنة عُمان في سياستها الخارجية إزاء أي من القضايا الصراعية، على وجه العموم، وفي محيطها الإقليمي، بشكل خاص، إستراتيجية الحياد وعدم الانحياز إلى أي طرف، والحياد العُماني يستبطن القدرة على إدارة جهود التهدئة بين الأطراف المتصارعة، وإبقاء جميع قنوات الاتصال مفتوحة مع كل الأطراف التي من شأنها المساهمة في تسوية الأزمات، والتزامها بالاضطلاع بدور الوسيط بين الفرقاء المتصارعين يتطلب أول ما يتطلب اعتماد مبدأ الحياد التام في التعامل مع أي أزمة دولية.
وترتب على ذلك أن صارت للسلطنة سمعة طيبة على مستوى الدبلوماسية الإقليمية والدولية، جعلها ـ بما تمثله من رصيد أخلاقي في تعاملها الخارجي ـ محل قبول لكل أطراف الصراعات، وقد جنت السلطنة ثمار دبلوماسيتها المتزنة ونأت بنفسها عن أي صراعات إقليمية ودولية وباتت ترفل في جو من الأمن والاستقرار الذي لا يقارن في كثير من بلدان المنطقة.

نتائج إيجابية

أسفرت هذه السياسة العُمانية في بناء مجتمع خال من العنف والإرهاب عن تحقيق مجموعة من النجاحات على المستوى العربي والدولي من أبرزها: أولًا: كشف التقرير السنوي لمؤشر التنافسية العالمي لعام 2015 -2016 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) في سويسرا، عن ترتيب الدول العربية والعالمية في مجالات التطور وتعزيز الكفاءات الاقتصادية حيث حصلت سلطنة عُمان على المرتبة السادسة عربيًا والـ 62 عالميًا.
ثانيًا: حصلت السلطنة على المركز الثاني عربيًا في مؤشر السعادة العالمي لعام 2015 الذي تضمنه التقرير الثالث لمستوى السعادة حول العالم 2015 والذي أصدرته شبكة حلول التطوير المستدامة التابعة للأمم المتحدة «SDSN» واستند التصنيف على عوامل متعددة مثل الحصة الحقيقية لكل فرد من إجمالي الناتج المحلي ومعدلات الفساد والحريات والرعاية الصحية وغيرها وشمل التصنيف 158 دولة.
ثالثًا: عالميًا حصلت السلطنة على المركز السابع في جودة الحياة بحسب قاعدة البيانات الدولية الإلكترونية "نمبيو" كما ورد في تقرير موسع نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية، من خلال معايير عدة منها معيار جودة الحياة الذي يقوم على نظافة البيئة والأمن والسلامة والقوة الشرائية لدى السكان وغيره من المعايير.
رابعًا: حلت السلطنة في المرتبة الخامسة عربيا والـ69 عالميا في مؤشر الابتكار العالمي 2015، الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية وجامعة كورنيل بالتعاون مع منظمة الانسياد، حيث يرتب أداء 141 بلدا اقتصاديا في أرجاء العالم، وذلك استنادا إلى 79 مؤشرا.
خامسًا: صنفت السلطنة ضمن مجموعة الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة العام الماضي وجاء ترتيبها في المركز 56 بين 187 دولة أما في دليل التنمية البشرية 2014 حصلت السلطنة على المركز 7 بين مجموعة الدول العربية.
سادسًا: حصلت سلطنة عمان على المرتبة الأولى عالميا في معدل سرعة التنمية البشرية وعلى المرتبة الأولى عالميًا أيضًا في ارتباط التنمية البشرية بعناصر غير العائدات النفطية وذلك وفق تقرير سابق للتنمية البشرية صادر عن الأمم المتحدة والذي صنف 135 دولة على مستوى العالم.
سابعًا: حصلت السلطنة على المركز رقم 6 بين الدول العربية والرقم 5 بين دول مجلس التعاون في مؤشرات سهولة استخراج تراخيص البناء، سهولة تسجيل الملكية وسهولة بدء النشاط التجاري وسهولة الحصول على الكهرباء وحماية المستثمرين.
وإجمالًا يمكن القول أن قيم التسامح والتواصل الحضاري والحوار والاحترام والتعاون الإيجابي باتت من الركائز الأساسية التي تقوم عليها العلاقات العُمانية الخارجية على مر العصور وإيمانًا من القيادة السياسية العُمانية بالحوار كوسيلة فعّالة وأحد آليات التواصل الحضاري بين شعوب العالم والإيمان المطلق بأن الاختلاف سنة كونية والتقارب ضرورة إنسانية، والاعتزاز بتاريخ السلطنة وثقافاتها ولغتها وتراثها ووعيها بمسؤولياتها كعضو في المجتمع الدولي من خلال تقديم المساعدة في إيجاد تفاهم متبادل بين الثقافات بما يعود بدوره على نشر ثقافة السلام والتعاون بين الأمم، أنشأ السلطان قابوس الكراسي الأكاديمية العلمية بهف تشجيع الوصول إلى مجتمع عالمي معاصر، يعيش في سلام ويوجهه التفاهم المشترك والتسامح وأيضا تقديم وجهات نظر معاصرة حول كيف يمكن للصوت العربي أن يسمع بصورة أفضل لصالح انسجام عالمي أوسع في ظل العولمة.