الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

سر إدارة الأزمات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الصمت.. يوحى أحيانا بالارتباك، وبأنك تبحث عن مبرر لأخطائك أو عن العجز في إيجاد الحل، أو محاولة للهروب أصلا من الإجابة.. وأحيانا أخرى يوحى بالقوة والثقل والترفع عن الرد على المهاترات والاتهامات الباطلة.. وقد يكون هذا ما يعنيه الصمت في حالة الأزمات الشخصية، ولكن في الحقيقة في الأزمات السياسية التي تخص بلدا ووطنا كبيرا على شفا حفرة من الانهيار، بسبب العديد من المشاكل فإن الصمت يعنى الحالة الأولى فقط.. لأن بانتظارك شعبا يتلهف سماعك وأنت توضح وتبرر وتخطئ وتصيب وتشرح، وتطرح الحلول أو تبحث معه عنها، وخاصة إذا كانت الأزمة كبيرة تهدد قوت اليوم ولقمة العيش.. الصمت في الأزمات السياسية يزيد من حجمها ويرفع سقفها، ويجعلك ترضى اليوم بما كنت ترفضه أمس.. كما يجعل موقفك ضعيفا، لأن الناس تستمع إلى كل من هب ودب.. سواء في الداخل أو في الخارج.. تقتنع برأى فلان وتنصت لتحليل علان.. حتى الأعداء قد يتأثر البعض بأخبارهم عن الأزمة، وقد ينشغل البعض الآخر بشماتتهم، فيغضب منك لأنك أتحت لهم الفرصة للاصطياد في الماء العكر.. كل هذا يحدث وأنت مازلت تتمتع بشعبية لم تحدث من قبل، ولكنها أيضا على شفا الخطر.. وعليك أن تبذل مجهودا طوال الوقت لمنع هذا الخطر الذي يهدد شعبيتك ومحبتك وثقة الناس فيك.. أن تضع الناس هدفك الأول لأنك بهم تستطيع مواجهة العالم والانتصار عليه.. هم وحدهم درعك وسيفك.
بعد ثورة ٣٠ يونيو وفض اعتصامات الإخوان في ميدانى رابعة العدوية والنهضة.. كان الداخل في مصر متماسكا حيث الإرادة الشعبية هي الأقوى والجميع يقف على قلب رجل واحد.. ولكن موقف مصر بالنسبة للخارج كان العكس تماما.. حيث كانت غالبية الدول الكبرى ليست في صفنا وكنا بالنسبة لهم انقلابا وليس ثورة وتهديدات بقطع المساعدات وعزلة، وكلامًا عن توجيه ضربات وفرض عقوبات.. ولكن هذا هو ما أثبت أن تماسك الداخل هو الأقوى والأهم وله الأولوية، أولوية مجهودك ودعمك.. كان الشعب في صف النظام، والدعم الشعبى كان في قمته لنظامه ومؤسساته والثقة كانت بلا حدود، وهو ما جعل مصر تواجه الجميع بصدر مفتوح وشموخ يتناسب مع قوة إرادة شعبها.. وتحرك النظام بقوة مستمدة من الإرادة الشعبية التي بدا أن العالم أجمع يحسب لها ألف حساب.. وكان تماسك الداخل هو الحل الأمثل لهذه الأزمة، التي انتهت بفضل قوة الإرادة الشعبية.
أما الآن.. فإن الداخل ممزق ومشتت، المشاكل العديدة مزقت هذا التماسك الذي أنقذ مصر في أصعب الأوقات وأشدها خطرًا وأحلكها سوادًا، ولذلك فإن الاولوية أن توجه المجهودات المبذولة للداخل أولًا، وهذا لا يقلل من أهمية الخارج طبعًا ولكن الأهم فالمهم. 
فإن الفساد الذي يطحن العباد ويدمر البلاد.. لن تستطيع القضاء عليه دون التخلص من كل ما يمت للنظام القديم بصلة، والذي كان نظاما فاسدا بالفطرة وفساده هو سبب قيام الشعب بثورة عليه، يعود هذا النظام وهو يبتسم ابتسامة خبيثة ويخرج لسانه، يعود في هيئة أعضاء في البرلمان ورجال أعمال كانوا سببا في نهب أموال البلد وجعل أهلها فريسة للفقر والاحتياج والجهل والمرض، وهم من أنتجوا التطرف والتشوه والعشوائية،
والسماح بعودتهم في الوقت الذي يطارد فيه الشباب ويسجن الثوار ويحارب فيه الشرفاء، ومن يحملون الفكر والثقافة والوعى.. يضر بك أولًا قبل أي أحد، فهم لا يحملون لك سوى الكراهية والحقد ويدفعون الشعب لفقدان الثقة فيك، والتشكيك في نواياك والشعور بأنك خذلت من سندك.. لن تستطيع القضاء على الفساد الذي يقبع خلف كل الأزمات دون التخلص من النظام الذي زرعه وجعل أصله ثابتًا متينًا في الأرض، ولا مفر من اقتلاعه حتى ينصلح حال البلاد والعباد.
إصلاح الداخل هو طريق الخلاص.. وهذا لن يحدث إلا إذا حدثت مصالحة حقيقية بين النظام والشعب من جديد.. عن طريق التخلص من الأفاقين والمنافقين وضم المخلصين والوطنيين والشرفاء إلى دائرة الحكم والاستماع لهم والأخذ بنصائحهم، فهم فقط من ينقلون نبض الشارع بصدق.. وعن طريقهم يستمد النظام القوة ويستطيع مواجهة الأزمات وحسن إدارتها والعثور على طريق الخروج وطوق النجاة.. ما حدث قد حدث ومازالت أمامنا الفرصة لبداية جديدة وصحيحة.. قبل فوات الأوان. 


miramalash@gmail.com