رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رقابة الممثلين "12"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فكرت عندئذ أن مسرحية «الأسرى» لن تُجسد على المسرح لمدة لا أعلمها، وجعلنى ذلك أنساها فظلت أسيرة درج مكتبى، ثم فكرت، فتذكرت رواية وصلت فيها لمائة صفحة، ورحت أحولها إلى تمثيلية تقع حوادثها وقت العدوان الثلاثى أيضا عن لص كان مسجونا، ثم ضرب الإنجليز السجن فهرب، ولقى فى طريقه بندقية فأخذها، لكنه يُفاجَأ بالإنجليز يسدون الطرقات بحثا عن ضابط لهم اختطفه الفدائيون (كان الفدائيون قد أسروه بالفعل ويقرب إلى ملكة إنجلترا ولم يعثروا عليه حتى أخرج الفدائيون جثته بعد بعد جلاء الإنجليز)، وفوجئ اللص أن الإنجليز يغلقون جميع المسارات، فاضطر إلى دخول أقرب منزل، ولم يجد مكانا يختبئ فيه إلا عشة دواجن على السطح، وتراه طفلة من أهل المنزل، فتظن أنه الفدائى الذى يبحث العدو عنه، وتبلغ أسرتها فيدعونه إلى شقتهم لتكون ملجأ له ويعاملونه بتقدير كبطل، وهو الأمر الذى لم يجربه فى حياته، لكن يحضر ابن أكبر للأسرة يعمل مع الفدائيين دون علم الأسرة، ويستنتج أنه ليس فدائيا وربما كان جاسوسا، فلا يستطيع أن يتحمل خيبة أملهم فيه، ولكى ينفى التهمة عن نفسه ينزل بسلاحه ليضرب العدو فيردونه قتيلا فى الحال. 
وأعجب جهاز الرقابة بالتمثيلية فصورت بسرعة، لكن فى أثناء التصوير اقترح توفيق الدقن الذى يلعب دور اللص على المخرج أن ينتهى العمل بدون قتل اللص وكأنه بذلك يكمل عمل الرقابة رغم موافقتها! لم يوافق المخرج ولم يرفض، لكنه اشترط أن يأخذ موافقتى، وكنت أحضر التصوير يوميا، وبالفعل حاول إقناعى فرفضت، وظل ينتهز أى فرصة ليحاول إقناعى وأنا أرفض مبتسما، فكيف لا يموت اللص وهو ببندقية عتيقة فى مواجهة قوة شرسة مسلحة ومدربة؟ وسكت الدقن مستسلما.
لكننى فكرت وفاجأته فى الغد بحل وسط، وهو أن ينتهى العمل مع بدء تبادل النيران بين اللص والإنجليز وترك النهاية مفتوحة. فشكرنى وكأنه تقمص بالفعل دور اللص ولم يشأ أن يموت! وسوف أتعرض طيلة حياتى لرقابة الممثلين، ليس بطلب الحذف فقط أو التغيير، والذى لا أوافق عليه إلا إذا اقتنعت، لكن الأمر يختلف فى المسرح بسبب التأليف الفورى الذى يفرضونه بعد ظهور المسرحية والتغيير فيه من يوم ليوم وإلى حد المسخرة، أو الإضافة من مشهد لمشهد أثناء التصوير خاصة ومن الصعب على المؤلف مراقبتهم يوميا، وهى رقابة عكسية تتدخل لتفسد المضمون والمعانى، وهو ما سوف أشرحه فى مقالات قادمة.
عرضت تمثيليتى فى ١٥ يوليو ٦٧ باسم «عبدالمعطى»، وهو اسم اللص، فكنت أول وأصغر من كتب للتليفزيون، وأول عمل درامى يظهر لى وقبل أن أدخل عامى الثانى بالمعهد، ونجحت فأعيد عرضها مرات كثيرة واستضافنى التليفزيون لأتحدث عنها! أما مسرحية الأسرى التى رفضتها الرقابة فظلت فى درجى حتى عام ٢٠٠١ عندما طلب مسرح «بيتى نانسى» فى الدنمارك عملا لى، ليشترك مع أعمال عربية أخرى تقدم فى عرض واحد، رأيت أنها صالحة للتعبير عن الموقف الراهن بعد ٢٤ عاما على كتابتها، وكأن الزمن لم يمر. بالطبع أعدت صياغة بعض سطور الحوار، وأجريت اختصارات وإضافات قليلة وقدمتها لهم، ودعونى مع غيرى إلى حضور عدة جلسات مع المخرج الإنجليزى والممثلين الدنماركيين، وإن كنا لم نر العرض نفسه! وعدت لأنشرها ضمن مجلدات أعمالى الكاملة. 
وفى عام ٢٠٠٥ فوجئت بحصولى على جائزة البرنس كلاوس من هولندا، فهى جائزة بلا مسابقة، وكنت أول من ينالها فى مصر، وطلب منى سفير الدنمارك بالقاهرة تقديم مسرحية لى بالإنجليزية، ليتسنى للغرب أن يتعرف على نموذج من عملى، فاخترت «الأسرى» بلا تردد، لأنها تعرض لتباين الشرق والغرب، ولأنها قصيرة، لكنى قررت عرضها من نسختين، الأولى بالعربية، ثم بعد استراحة بالإنجليزية، وأخرجتها بنفسى بواسطة أربعة هواة، فتاة مصرية من خريجى المسرح بالجامعة الأمريكية، وطالب أجنبى للنسخة الإنجليزية، وفتاة مصرية، وشاب مصرى لم يدرسا التمثيل، لكنى دربتهما مع خريجى الجامعة الأمريكية وعرضتها بمسرح «ساقية الصاوى»، وسافرنا لعرضها فى هولندا ثم بكندا، والمهم أن العرض المصرى كان أكثر تأثيرا وحيوية وأسرع إيقاعا! وبهذا تكون «الأسرى» هى أقدم عمل كتبته وعرض بالفعل أو هذا ما اعتقدته وقتها! والسؤال الذى يشغلنى، إلى متى تظل «الأسرى» تعبر عن الموقف الراهن؟ والإجابة أنها ما زالت صالحة، لأن موضوعها حيا أكثر من أى وقت مضى، لكننى كعادتى لم أقدمها للعرض فى التليفزيون أو قناة فضائية.
ولا أعرف إن كانت رقابة التليفزيون يمكن أن توافق عليها الآن، خاصة وهى مسرحية قصيرة وسجلت بممثلين من الهواة، فمن يرحب بها ورقابة التليفزيون والمجتمع أيضا تفضل أنواعا مختلفة تماما، لأنها تعودت على غير ذلك وحتى الآن.