"نامت نواطير مصر عن ثعالبها فقد بشمن وما تفنى العناقيد".. من أروع أشعار المتنبي، وهو يصف حال الحكومات المتعاقبة بمصر، واللحظة الآنية من تاريخ مصر والتي تشهد إقالة حكومة المهندس إبراهيم محلب بكاملها يدعونا لتأمل هذا البيت الرصين من الشعر، والذي يعوّل على مفاسد وزراء مصر ولاة أمرها، فبعد واقعة الفساد الكبرى الخاصة بوزير الزراعة، طفت على سطح الوزارة عفونة لا تناسب مصر بعد ثورتين كبيرتين، ولو أن الحكومة أُقيلت في واحدة من كوارثنا العظيمة في الفترة الأخيرة مثل غرق عبارة الوراق التي راح ضحيتها عشرات المصريين، أو غرق عبارة الفوسفات في مياه النيل، والتي أثارت الرعب في نفوس المصريين لأيام طويلة أو تبديد حضارتنا من خلال توقيع وزير الآثار الدكتور ممدوح الدماطي على مذكرة للجمعية الجغرافية الماسونية والتي تقضي بأن ملوك مصر كانوا من أصل عبراني- وفق ما ذكره مدير التوثيق الأثري نورالدين عبدالصمد- وغيرها الكثير، لَشَعر الكثير من المصريين بشيء من الأمل.
وإذا ما نظرنا إلى بيت الشعر الذي كتبه المتنبي منذ مئات السنين لوجدناه يتحدث عن النواطير بوصفهم الحراس على مال الشعب المصري ومقدراته والثعالب هم اللصوص، وهنا أراد المتنبي أن يشير إلى توقف الحراس عن المراقبة؛ لأن الثعالب "بشمن" أي شبع اللصوص حد التخمة.
وعلى هذا البيت من الشعر يعقب الدكتور طه حسين رحمه الله بقوله: "ولست أعرف أصدق في مصر، ولا أبرع في تصويرها من هذا البيت الذي يختصر لونًا من حياة مصر منذ أبعد عهودها بالتاريخ إلى هذا العهد الذي نحيا فيه، ولو أن التاريخ أراد أن يحصي الثعالب التي اعتدت على مصر وأموالها، فأخذت منها ما أطاقت وما لم تطق حتى أدركها البشم، وما هو فوق البشم، ونواطيرها نائمة وقادتها غافلون، وأموالها مع ذلك لا تفنى ولا تنفد، أقول لو أراد التاريخ إحصاء هذه الثعالب لما استطاع، ولست أدري: أيأتي يوم يُكَذَّبُ فيه هذا البيت من شعر المتنبي فلا تنام نواطير مصر ولا تبشم الثعالب فيها، ولا يعدو الماكرون الغادرون على أهلها الآمنين الغافلين؟".
وفي تعقيب الدكتور طه حسين على بيت الشعر دلالة كبيرة أن الوقت الذي عاشه أيضًا من عمر الوطن نامت به النواطير وبشمت الثعالب، متمنيًا أن يأتي اليوم الذي يستيقظ فيه المسئولون ليرعوا مصالح المصريين ويحافظوا على أموالهم، وهو لا يعلم أن القادم أسوأ وهو ما نعانيه الآن وهو أيضًا السبب الرئيس في إقالة حكومة محلب بأكملها.
