الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

عَورة النظام وسَوأة الجبهة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ما من شك أن عورة هذا النظام الإخواني، وسوأة ما تسمى بجبهة الإنقاذ الوطني، قد انكشفا على بعضيهما قبل أن تسقط ورقة التوت الأخيرة، ليتعرى كلاهما أمام المصريين والعالم أجمع.
جريمة سحل وكشف عورة المواطن حمادة صابر، وقتل وتعذيب عشرات المواطنين، وردة فعل جبهة الإنقاذ على تلك الجرائم، كشف أن النظام الإخواني والجبهة معًا يستخدمان في واقع الأمر “,”مؤخرتيهما“,” في التفكير وإدارة الأزمة بديلاً عن العقل.
ولاستعمال “,”المؤخرة“,” كعقل فلسفة لها بناؤها المعرفي، الذي يتميز بمدخلات نعاني جميعًا من مخرجاتها.
وقد يكفينا قليل من التأمل لنكتشف سريعًا أن هذا الجسد الضخم المترهل، المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين، إنما يستخدم “,”مؤخرته“,” في إدارة شئون البلاد والعباد؛ فهم يعيدون إنتاج أساليب أمنية قديمة في التعامل مع جميع الملفات السياسية الحساسة، وهم من كانوا ينتقدون النظام السابق في الاعتماد كليًّا على النظرية الأمنية في معالجة ما يواجهه من مشكلات سياسية.
بيد أنهم تفوقوا على النظام السابق في التخلف؛ وذلك بتحويلهم قوات الشرطة النظامية إلى عصابات وميليشيات مسلحة، تخرق كل الخطوط الحمراء والقيود التي يفرضها القانون على أدائها؛ فسحل المواطنين، على النحو الذي جرى مع “,”حمادة صابر“,” وكشف عورته، سلوك لا يقوم به سوى عصابات إجرامية همجية لا سقف أخلاقيًّا أو قانونيًّا يحكمها، بل إن أذناب الجماعة من شيوخ الفضائيات أهدروا دم المواطن وكل من يخرج لمعارضة الرئيس مرسي، وبعضهم اتهمه بالشذوذ، أطلقوا فتاواهم تلك دون أن يدركوا أنهم بذلك عروا أنفسهم ومن يدافعون عنهم، والواقع أن أمثال أولئك الشيوخ هم عورة هذا النظام ومؤخرته التي يستخدمها من أجل تمكين الجماعة من مفاصل الدولة.
وصحيح أن “,”حمادة صابر“,” برّأ شرطة مرسي من فضيحة تعريته، إلا أن هذه البراءة هي إدانة أخرى لشرطة مرسي وفضح للإرهاب السافر الذي مورس ضد الرجل، الذي اعتذرت تليفزيونات العالم الأول عن عرض فضيحة تعريته، وطالبت مشاهديها أولاً بإبعاد الأطفال والقصر قبل عرض الفضيحة.
دائمًا ما تكون التساؤلات الصحيحة هي ما ينبغي أن نبحث عنه قبل أن نهتم بالإجابات؛ لذلك يجب أن نتساءل جميعًا: مَن صاحب المصلحة في مثل هذا السلوك الإجرامي ضد مواطن خرج ليهتف ضد سياسات النظام الحاكم؟ وسريعًا تأتي الإجابة “,”النظام نفسه هو صاحب المصلحة“,”.. فهو يهدد جميع معارضيه، ويرسل إليهم رسالة صريحة: “,”حتى عوراتكم لن تكون بعيدًا عن أيادينا“,”.
ويعود السؤال مرة أخرى: من صاحب المصلحة في وجود جماعات شبه منظمة تغزو مليونيات التحرير لتشن حملات تحرش واغتصاب جماعي للثائرات؟ والإجابة أيضًا تأتي هذه المرة على ألسنة جنرالات وعناصر الجماعة المحظورة وأذنابها من شيوخ الفضائيات، الذين راحوا يرددون: “,”انظروا.. التحرش الجنسي هدف الثائرين في مظاهرات العلمانيين والليبراليين، بينما مليونياتنا الإسلامية شريفة وعفيفة نفصل فيها بين السيدات والرجال“,”.
تشويه سمعة الثائرين ضد مرسي، والطعن في شرف نساء مصر الثائرات، وإنزال الرعب في قلوبهن، لا يحقق مصلحة سوى لنظام الجماعة؛ وهو ما يجعلنا نتساءل: لماذا لم تظهر عصابات التحرش على هذا النحو الوحشي، الذي تستخدم فيه آلات حادة لهتك أعراض بناتنا، في مليونيات 25 يناير 2011؟
جرائم هذا النظام فاقت كل حد، وليس من العدل مقارنتها بالجرائم التي كانت ترتكبها مباحث أمن الدولة في النظام السابق؛ فبعد أقل من سبعة أشهر لتولي مرسي الرئاسة بدأت وزارة داخليته من حيث انتهت داخلية حبيب العادلي، التي بلغت ذروة وحشيتها في مشهد الاعتداء بالضرب والتعذيب لخالد سعيد، وهو ذات المشهد الذي تكرر بعد أيام من تولي محمد إبراهيم وزير داخلية مرسي، عندما اعتقل جنوده الشاب محمد الجندي، ليدعوه إلى حفلة تعذيب تنتهي بمسرحية كذب وتزوير في مستشفى الهلال؛ حيث يرقد في حالة موت سريري، على الأقل حتى كتابة هذه السطور.
عشرات جرائم القتل والتعذيب تتم بشكل منهجي، ناهيك عن سقوط ما يزيد عن خمسين شهيدًا في أقل من أسبوع، كل ذلك وما تسمى بجبهة الإنقاذ الوطني لا تزال كالراقص على السلم الذي يخشى اتخاذ قرار حاسم بالصعود أو الهبوط، وهي كذلك منذ تشكلت حتى انكشفت سوأتها أمام الجميع، وفي مقدمتهم هؤلاء الشباب الذين يموتون على أعتاب قصر الرئيس.
فبينما الشارع يحترق ويغلي بدماء الشهداء، لم تبرح الجبهة مكانها، وأخذت تناضل خلف المكاتب والميكروفونات، مختبئة وراء ما تصدره من بيانات فقدت مصداقيتها.
ورأيي أن المشكلة الرئيسية تكمن في أن الجبهة تتبنى خطابين يناقض كل منهما الآخر، فالأول يدعو إلى التغيير عبر الفعل الثوري والإطاحة بالنظام الإخواني بتقديم المزيد من الشهداء، أما الثاني فيدعو إلى التغيير عبر العملية السياسية، وهو ما اتضح في موافقتها على المشاركة في الاستفتاء على الدستور -الباطل من وجهة نظرها- ثم الاعتراف بنتيجة الاستفتاء حتى قبل أن يقول القضاء كلمته فيما قدموه من بلاغات تتهم النظام بتزوير عملية الاقتراع، وبعد ذلك موافقتها على خوض الانتخابات النيابية المقبلة، ولم نسمع حتى الآن موقفًا مختلفًا، رغم انسحابها من وثيقة الأزهر التي عرفت بمبادرة نبذ العنف، وصحيح أنها وضعت شروطًا للمشاركة في العملية الانتخابية، لكن نفس هذا المنهج اتبعته قبل الاستفتاء على الدستور، فقد وضعت شروطًا مسبقة للمشاركة، إلا أنها شاركت في نهاية المطاف دون أن يتحقق الحد الأدنى من شروطها.
وظني أن الجبهة جبهة ملزَمة أخلاقيًّا وقانونيًّا أن تتبنى نوعًا واحدًا من الخطاب، فإما إنها الثورة التي لن تقبل بأقل من محاكمة مرسي وعصابته على كل ما سال من دماء جنائيًّا وسياسيًّا، وإما هو التغيير السلمي ومنطق الأمر الواقع والمشاركة في العملية السياسية.
أما الرقص على الحبال، فلن يقودنا جميعًا سوى لمزيد من التعذيب والقتل والضبابية والغموض، الذي يوفر الأرض الخصبة لسيطرة الإخوان وتمكينهم من رقاب الجميع.