الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

الحشاشون.. دولة القتل باسم الدين

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إعداد: أحمد صوان
إشراف: سامح قاسم
الحشاشون.. طائفة بدت كالشبح في تاريخ العالم الإسلامي، فتارة يراها البعض دينية مُتشددة، وآخرون يرونها مجموعة من شاربي الحشيش ذاع صيتها، فيما يبتعد الكثيرون عن حقيقة دولتهم القوية التي فرضت نفسها في قلاع فارس والشام، بدءًا من عصر الأمر بأحكام الله، وحتى اجتثها الظاهر بيبرس، لتكون بدايتها ونهايتها على يد من حكموا مصر.
ذُكر الحشاشون، أو الحشيشية لأول مرة في التاريخ، كاسم لـ"النزاريين"، وهي الطائفة التي تبنت لنفسها دعوة جديدة، وهي الطائفة الإسماعيلية النزارية، التي انفصلت عن الفاطميين في أواخر القرن الخامس الهجري لتدعو إلى إمامة نزار المصطفى لدين الله واتخذت من بلاد فارس وأجزاء من الشام مقرًا لها.
وكان مؤسس الحشيشة حسن الصباح من أسرة شيعية إثنا عشرية، واعتنق الإسماعيلية فيما بعد، وانتقل إلى القاهرة، وكان من مؤيدي خلافة نزار المصطفى للخليفة المُستنصر، حيث كان الخليفة المستنصر قد أبلغ حسن الصباح بأن الإمام من بعده سيكون نزار، فقطع روابطه بنظام الحكم الفاطمي، وأعتبر المُستعلي بالله غاصبا للخلافة والإمامة، واتبعه بذلك جل الإسماعيليين في فارس، وبايع نزار وابنه الهادي من بعده على الإمامة ليُعرفوا فيما بعد بالإسماعيلية النزارية، ولكن نزار المخلوع نفسه بادر إلى الفرار إلى الإسكندرية، وأعلن من هناك الثورة التي حققت نجاحات كبيرة، وتقدمت قواته إلى مشارف القاهرة، إلا أنه ما لبث أن تعرض لهزيمة كبيرة وقع على إثرها في أيدي جنود الأفضل وزير المُستعلي ليُسجن ويقُتل.
وكان الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله قد أرسل إلى الإسماعيليين في سوريا لنقض مزاعم نزار المصطفى بالإمامة والتأكيد على شرعية الخط المُستعلي، مُستخدمًا في رسالته مصطلح "الحشيشية" مرتين دون سبب، كما ذكره عماد الدين الأصفهاني في كتابه "نُصرة النُصرة" دون تقديم معنى اشتقاقي للكلمة، على عكس المؤرخون الفرس، الذين لم يستخدموا مصطلح الحشيشية أبدًا، وقد استخدموا مصطلح "الملاحدة" عندما لم تكن الإشارة إليهم كإسماعيليين.
وتعددت المصادر المنسوبة إلى الاسم، فيُرجع البعض أصل كلمة "الحشاشون" إلى اشتقاق الكلمة من "Assassins"، أو القتلة الذين ينفذّون عمليات الاغتيال، وهو اللفظ الذي أطلقه الصليبيون على الفدائية الإسماعيلية الذين كانوا يغتالون قادتهم، وكذلك يراها البعض من"حساسان" نسبة إلى شيخ الجبل "الحسن بن الصباح"، الذي أنشأ منظمات الفدائية، وهُناك من ربطها بلفظة "عساسون" المُشتقة من "العسس"، الذين يحرسون القلاع والحصون ليلًا.
وعلى عكس ما انتشر بعد ذلك دون مزاعم تاريخية، لم تذكر النصوص الإسماعيلية، ولا أيًّا من النصوص المُعادية للنزاريين استعمالهم الفعلي للحشيش، كما أن مؤرخون كبار للنزاريين مثل الجويني، لم يذكر أحدهم استعمال الطائفة للحشيش.
القصة الوحيدة التي استند إليها مؤيدي فكرة استخدام النزارية الإسماعيلية للحشيش هي ما رواه الرحالة الإيطالي ماركو بولو في "أسطورة الفردوس"، والذي وصف قلعة ألَموت بأنها كانت فيها حديقة كبيرة ملأى بأشجار الفاكهة، "وفيها قصور وجداول تفيض بالخمر واللبن والعسل والماء، وبنات جميلات يُغنين ويرقصن ويعزفن الموسيقى، حتى يوهم شيخ الجبل لأتباعه أن تلك الحديقة هي الجنة"، وقد كان ممنوعًا على أيّ فرد أن يدخلها، وكان دخولها مقصورًا فقط على من تقرّر أنهم سينضمون لجماعة الحشاشين" كان شيخ الجبل يُدخِلهم القلعة في مجموعات، ثم يُشرِّبهم مخدّر الحشيش، ثم يتركهم نيامًا، ثم بعد ذلك كان يأمر بأن يُحملوا ويوضعوا في الحديقة، وعندما يستيقظون فإنهم سوف يعتقدون بأنهم قد ذهبوا إلى الجنة"، وأنهم بعد إشباع شهواتهم كان يتم تخديرهم مرة أخرى، ثم يخرجون من الحدائق "ويتم إرسالهم عند شيخ الجبل، فيركعون أمامه، ثم يسألهم من أين أتوا؟، فيردون: من الجنة، بعدها يرسلهم الشيخ ليغتالوا الأشخاص المطلوبين"، وأن الشيخ يعدهم أنهم إذا نجحوا في مهُماتهم، فإنه سوف يُعيدهم إلى الجنة مرة أخرى "وإذا قُتلوا أثناء تأدية مهُماتهم فسوف تأتي إليهم ملائكة تأخذهم إلى الجنة".
ورغم الاسترسال الذي أسهبه الرحالة الإيطالي، إلا أن الحقائق التاريخية تؤكد احتراق قلعة ألَموت عام 1256، فيما وُلد بولو عام 1254، ما يعني أنه دخل القلعة وعمره سنتين، كذلك الطبيعة المناخية لقلعة ألَموت التي تُغطيها الثلوج مُعظم أشهر بالسنة يجعلها غير صالحة لزراعة الحدائق التي وصفها بولو في كتابه.
أما مقر الحشاشون، والذي عُرف في التاريخ بـ"قلعة ألَموت"، فهو حصن مُقام على قمة صخرة عالية في قلب جبال البورج، ترتفع أكثر من ستة الآف قدم فوق سطح الأرض، ولا يمكن الوصول إليها إلا عبر طريق ضيق شديد الانحدار، ودخلها حسن الصباح بمُعاونة أنصاره، ولم يغادرها طيلة 35 عامًا حتى وفاته، مُعتمدًا سياسة لاتقاء الحروب وتنفيذ أهدافه هي اغتيال الشخصيات البارزة في دول الأعداء بدلا من خوض المعارك، فأسس فرقة مكوّنة من أكثر المخُلصين للعقيدة الإسماعيلية، وسماها "الفدائيين".
وطيلة ثلاث قرون، نفّذ الفدائيون اغتيالات ضد أعداء الإسماعيلة، وكانت هجماتهم في الأماكن العامة على مرأى ومسمع الجميع لإثارة الرعب، وكانوا مُعتادين على الانتحار في حال الحصار لتجنب الوقوع في أيدي الأعداء، رغم أن النهج العسكري لدولة الحشاشون كان دفاعيًا في المقام الأول، فكانت معاقلهم الرئيسية القلاع الحصينة فوق قمم الجبال، وكانوا يحرصون على بناء مخازن كبيرة للماء والطعام لمواجهة الحصار الطويل، وبالفعل نجحت هذه القلاع في صد أغلب الهجمات ضدهم.
نفّذ الحشاشون عشرات الاغتيالات من أجل نشر دعوتهم، وكانت ضحيتهم الأولى الوزير السلجوقي "نظام الملك" الذي كان من أشد المحُرّضين على الهجوم على الإسماعيليين، فتقدّم أحد الفدائيين الإسماعيليين وهو مُتخفٍ بثياب الصوفيين نحو الوزير الذي كان مُتجهًا إلى خيام حريمه، فطعنه ليموت وقُتِل المهاجم، كذلك حاولوا اغتيال صلاح الدين الأيوبي، حيث تمكن بعض الحشاشون من التسلل إلى معسكره، وقتل الأمير أبو قبيس، وتلا ذاك عراك قتل فيه عدد كبير من الناس ولكن صلاح الدين نفسه لم يُصب بأذى، وحدثت محاولة أخرى عندما كان صلاح الدين يُحاصر عزز، وتمكن بعضهم متنكرين بزي جنود صلاح الدين من التسلل للمعسكر، وتمكنوا من قتل العديد من الأمراء، ولكن صلاح الدين نفسه لم يصب سوى بجروح بسيطة بفضل الدروع التي كان يرتديها، واتخذ صلاح الدين بعد هذه الأحداث احتياطات واسعة للحفاظ على حياته، فكان ينام في برج خشبي أُقيم خصيصا له، ولم يكن يُسمح لأحد لايعرفه شخصيا بالاقتراب منه.
وتمكن الحشاشون من توجيه ضربتهم الكبرى باغتيال المركيز كونراد من مونفيراتو ملك بيت المقدس بينما كان في صور، حيث تخفى قاتلوه في زي رهبان مسيحيين، وشقوا طريقهم إلى خلوة الأسقف والمركيز، وعندما سنحت الفرصة طعنوه حتى الموت، ويذكر بعض المؤرخين تعاون صلاح الدين مع الحشاشين لتنفيذ الاغتيال، واستندوا إلى حدوث هدنة بين صلاح الدين والحشاشين بعد الاغتيال بأربعة أشهر.
وجاءت نهاية الحشاشين على يد الظاهر بيبرس الذي بدأ في تقليص قوتهم، فأصبحوا يدفعون الجزية بدلا من أخذها من الدول المجاورة، وأصبح الظاهر بيبرس فعليًا هو الذي يُعيّن رؤساء الحشاشين ويخلعهم بدلا من الموت، ثم استولى على قلعتي "العليقة" و"الرصافة"، وسقطت قلعة "الخوابي" بعدهما بقليل، لتسقط بقية القلاع عام 1273، وتنتهي بذلك دولة الحشاشين.