الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

تأملات في أحوال التعليم (1)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نحن جميعًا على علاقة ما بأحوال التعليم: متعلمين ومعلمين ومفكرين وعوام.. علاقتنا بالتعليم علاقة تعرض وممارسة، لكننا في عصر التخصص العلمي وهناك تخصص بل تخصصات في أحوال التعليم وفنيات العملية التعليمية تضمها مظلة ما يعرف بعلوم التربية.
ويهتم علم النفس السياسي، مجال تخصصي، أول ما يهتم بأحوال الجماعات، تصرفات أفرادها، ورؤاهم لحاضرهم ولماضيهم ومستقبلهم، علم يهتم بسلوك العامة.. ومن هذا المنطلق فقد حاولت أن أبدأ بتبين ملامح رؤية أولئك العامة لمشكلات التعليم الراهنة في مصر.
لا أزعم أنني قمت بدراسة علمية مضبوطة شاملة، فقد اعتمدت فحسب على معايشتي الحياتية المباشرة بالإضافة إلى نظرة متأنية لما تعكسه أجهزة الإعلام المقروءة والمرئية في هذا المجال، إنه كم هائل من الكتب، والمقالات، والأحاديث الصحفية والتلفزيونية، آلاف البيانات والمقارنات والجداول الإحصائية، والاستشهادات، والشهادات، والإحالات.
ولعلي أهم ما خلصت إليه يتمثل فيما يلي:
شكاوى أولياء الأمور عديدة ولعل في مقدمة شكاواهم ارتفاع تكاليف الدروس الخصوصية، واضطرارهم للاعتماد عليها بشكل أساسي ليس لكي ينجح الأبناء فحسب – كما كان عليه الحال بالنسبة للأبناء المتعثرين كما كان يحدث في الجيل السابق - بل لكي يحصلوا على مجموع مرتفع في ظل ارتفاع أعداد الحاصلين على أعلى الدرجات، إلى جانب اتساع الفجوة بين تكلفة تعليم الخاصة وتعليم العوام ويؤكد أولياء الأمور بحق أنهم يبذلون ما يفوق طاقتهم لضمان أفضل مستوى متاح لتعليم أبنائهم، إنهم أبرياء من سلبيات أحوال التعليم في مصر.
شكاوى المدرسين عديدة أيضًا، الرواتب متدنية، ورغم ذلك فإنهم يبذلون أقصى طاقتهم لأداء ما هو مطلوب منهم، إنهم أيضًا أبرياء من سلبيات أحوال التعليم في مصر.
أبناؤنا من التلاميذ والطلاب يرون أنهم يبذلون غاية جهدهم في التحصيل بدليل ارتفاع مستوى الدرجات في الثانوية العامة ارتفاعًا مضطردًا، إنهم أبرياء من سلبيات أحوال التعليم في مصر.
وزارة التربية والتعليم تعترف بوجود سلبيات في أحوال التعليم في مصر على رأسها زيادة تكلفة التعليم على ميزانية الدولة، إلى جانب مشكلات الدروس الخصوصية، والكتاب الموازي للكتاب المدرسي، وتزايد المشكلات السلوكية من غش في الامتحانات، وعنف في التعامل إلى آخره، ولكنها تبرز بالأرقام والمستندات بل والشهادات الدولية أن الدولة لا تألوا جهدًا في نشر وتحسين التعليم.
الجميع إذن يجأرون بالشكوى من أحوال التعليم في مصر، يستوي في ذلك التلاميذ وأولياء الأمور، والمدرسون؛ بل والمسئولون عن التعليم كذلك. ومن ناحية أخرى فإنهم جميعًا يعلنون وبأعلى الصوت، أنهم أبرياء من أي سلبيات تشوب تلك الأحوال، وأنهم يبذلون فوق ما في طاقتهم؛ بل ويوثقون براءتهم بكافة أشكال التوثيق والاثباتات الممكنة.. ولا أظنهم يجاوزون الحقيقة كثيرًا.
أين المشكلة إذن؟ هل ثمة متهم غريب خارج هذه الحلقة؟ ثم هل هذه المشكلات جديدة؟ ترى متى نشأت؟ ومتي تفاقمت وبلغت ذروتها؟ أم أنها لم تبلغها بعد؟ هل هي في سبيلها للتصاعد؟ أم أنها آخذة في الذبول؟.
فلنتفق بداية أن مثل تلك المشكلات لا تظهر فجأة؛ بل أزعم وقد أكون مخطئًا أن الغالبية العظمى من مشكلات التعليم التي نحن بصددها ترجع بجذورها إلى بعيد، ولا يسمح المجال للتفصيل.
ترى هل يعني ذلك أنه لا جديد هناك؟ الإجابة بالقطع لا، هناك جديد بل وخطير، الجديد ليس بزوغ ظاهرة من عدمه، بل ولا مجرد الاتساع الكمي لظاهرة معينة، بل تحول الاستثناء إلى قاعدة، وتحول المرفوض إلى مقبول.
إن ذلك الجديد والخطير إنما وقع خلال السبعينيات، وبالتحديد فإنني أتصور أن ما جرى ويجري في مجال التعليم إنما هو وجه من استحقاقات هزيمة يونيو 67 التي ما زال سدادها جاريًا، لقد كان أكتوبر 73 انتصارًا وردًا لاعتبار العسكرية المصرية، ولكنه للحقيقة لم يكن كافيًا لسداد المستحقات الاجتماعية الباهظة لهزيمة 67.