رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الأمازيغية.. ثقافة تُحارب الانقراض

 الأمازيغ.. قاطنو
الأمازيغ.. قاطنو الصحراء
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الأمازيغ، أو البربر هم قاطنو الصحراء المُمتدة من واحة سيوة إلى المحيط الأطلسي، وتعتبرهم بعض الدراسات السكان الأصليون لشمال أفريقيا، وهي المنطقة التي كان يُطلِق عليها الإغريق قديمًا" نوميديا"،

وهم قبائل كثيرة متفرقة، قسّمهم البعض إلى فرقتين، "البرانس" وهم أبناء برنس بن بربر، و"البتر" أبناء مادغيش الأبتر بن بربر، والبعض أرجعهم إلى سبعة أصول متفرقة وهي "إردواحة"، "مصمودة"، "أوربة"، "عجيبة"، "كتامة"، "صنهاجة"، و"أوريغة".

 

وعن أصل تسمية هذه القبائل بـ"البربر"، فهي كلمة إغريقية أُطلقت على من لا ينتمي للحضارة الإغريقية، ولا يعبد آلهة اليونان، أيضًا أطلق الرومان لفظ البربر على كُل من لا ينتمي لمنظومتهم الثقافية والحضارية، وكان بقاء الشمال الإفريقي خاضعًا للنفوذ الروماني حتى الفتح الإسلامي ما يُفسّر بقاء اسم البربر كلقب لشعوب المنطقة.

 



ولا يُشّكل الأمازيغ وحدة متواصلة جُغرافيًا، بل هم موزعون على عدة دول في المغرب، ومنطقة الساحل الأفريقي جنوب الصحراء الكبرى، وقد ظلوا منذ القدم في تواصل مستمر مع عدة ثقافات أخرى، كما أنهم امتزجوا بالشعوب الوافدة، خاصة العرب، حيث أصبح التمييز بين ما هو ثقافة أمازيغية أصيلة، وما نتج عن التأثير العربي عسيرًا، ولكن يذهب البعض الباحثين إلى اعتبار ثقافة الطوارق، وهم سُكان أقصى جنوب صحراء الجزائر، ليبيا، شمال مالي، والنيجر، مثالًا على الثقافة الأمازيغية النموذجية، التي لم تنصهر مع الثقافة العربية.

 

ورغم تحفظات باحثي الأنثربولوجيا والكثير من المُهتمين بالثقافة، على فكرة وجود ثقافة أمازيغية موحدة لا تتعارض مع فكرة وجود قواسم ثقافية مشتركة بين المجموعات البشرية الناطقة بالأمازيغية، ولكن تتضح الجذور الأمازيغية للثقافة العربية بشمال أفريقيا في نواح عدة كالموسيقى، الرقص، الحكايات الشعبية، فن الزخرفة، والصناعات الحرفية، وكذلك اللهجات العربية المغاربية، ولكن الثقافة الأمازيغية ظلت لقرون طويلة ثقافة شفهية في المقام الأول، ما جعل الحكايات والأمثال والحكم الشعبية التي تمثلها اليوم تُعتبر أبلغ تمثيل على المستوى اللغوي، ويحاول باحثو الأمازيغية كتابة هذا الإرث الشفهي ونشره للحفاظ على التُراث، أيضًا هُناك العادات والتقاليد المُستمرة حتى الآن، مثل فن الأكلات الأمازيغية، وحفلات الزفاف، والأعياد التي أشهرها عيد 12 يناير، أو رأس السنة الأمازيغية، وهو مُشترك بين كل الناطقين بالأمازيغية.



ويُعتبر الشعر من الفنون التي حافظ عليها الأمازيغ طيلة القرون السابقة، وهُناك بعض الضروب الشعرية الأمازيغية التي لازالت مُستمرة، ومن بينها النوع الغزلي المسمى "إيزلي"، وكذلك "الأهليل" وهو قصيدة دينية ابتهالية معروفة في مناطق كثيرة ناطقة باللغة الأمازيغية، كما يعرف الشعر الأمازيغي أنواع أخرى كالقصائد الملحمية والسياسية والفلسفية، ولكن تغلب الصبغة الشفهية على الشعر الأمازيغي، فهو شعر إنشادي أو غنائي، وهذه المقاطع الشعرية الأمازيغية قلما تكون فردية، بل ظاهرة لا يمُكن فصلها عن الثقافة الجماعية.


وعن الفن الأمازيغي، تُمثّل الرقصات الأمازيغية القديمة فنًا أصيلًا امتد ليشمل الشعوب القريبة، فمن بين هذه الرقصات "تيسيت" التي يؤديها راقصان أو ثلاثة، و"أحويش" وهي رقصة جماعية، وهي معروفة في المغرب، أما في الجزائر فإن رقصة "الترحاب" ما زالت تمُارس في الاحتفالات العائلية أو القروية في جبال الأوراس والمناطق المحاذية له، تمامًا كالرقصة التقليدية النسائية القبائلية، كما تُمثّل الموسيقى أحد أهم العناصر التي تُحافظ على الهوية الأمازيغية، فهي موسيقى ذات أصول قديمة تمتزج فيها تأثيرات متنوعة، وقد نالت هذه الموسيقى شهرة عالمية لوجود جاليات أمازيغية معتبرة في أوربا والولايات المتحدة، وهناك فرق موسيقية أسماؤها في حد ذاتها نوع من الدفاع عن ثقافتها المهددة بالزوال، مثل فرقة إيمازيغن، وفرقة إيزوران، وتطورت الأغنية الأمازيغية مع ظهور الحركة المُطالبة باسترداد الهوية الأمازيغية في سنوات السبعينيات والثمانينيات.

 

واحتفظت الثقافة الأمازيغية بفن الزخرفة الموغل في القدم، الذي يتجلى في نسيج الزرابي، وصناعة الخزف، والتي تتخذ أشكال رسوم هندسية تستعمل في أغلب الأحيان حروف أبجدية التيفيناغ، ولا يُمكن تجاهُل الصناعات الحرفية من ذهب وفضة وغيرهما.

 


ولكن كان أهم مكاسب الهوية الأمازيغية حاليًا هو استمرار استعمال اللغة الأمازيغية والحفاظ عليها من الاندثار دون أدب مكتوب أو تدوين معجمي أو نحوي، وهو الأمر الذي دفع باحث مغربي للقول "لولا استمرار هذه اللغة في الوجود لاستطاع أعداء الأمازيغية بأسهل ما يمكن أن يحولوا هذه الثقافة إلى مجرد منظومة فولكلورية"، لذلك تبذل النُخب الأمازيغية وجمعياتها الثقافية في المغرب والجزائر وفرنسا جهُدًا كبيرًا كي تجُنب هذه الثقافة البقاء في سجنها الفولكلوري أو الشفهي، فرغم وجود اللغتين العربية والفرنسية القوى في بلدان المغرب والساحل الأفريقي ما زالت قرى بلاد القبائل تدعى بأسمائها القديمة مثلها مثل القُرى المغربية أو الطوارقية، كما أن الكثير من مدن المغرب العربي ما زالت تحمل أسماءها الأمازيغية الأولى، حتى وإن تم تعريب هذه الأسماء أو تحويلها للفرنسية. وغالبًا ما تكون أسماء الأماكن العربية غالبًا نتيجة ترجمة حرفية لأسماء أمازيغية.

 

ولكن تواجه محاولات توحيد اللغة الأمازيغية بعض المشاكل، مثل الأبجدية التي يجب أن تُكتب بها، واحتار القئمون على العمل بين أبجدية التيفيناغ القديمة والأبجديتين العربية واللاتينية، حيث

تُعد الأبجدية اللاتينية هي الأكثر شيوعًا في كتابة الأمازيغية، أما الأبجدية العربية التي طالما استُعملت لكتابة الأمازيغية في الممالك الأمازيغية الإسلامية، فيقتصر استعمالها على بعض الجمعيات الثقافية في بعض مناطق الجزائر والمغرب، لكنها هي الأخرى ليست واسعة الانتشار.